عبد الفتاح الجبالي :
الإختلالات الجوهرية فى هيكل الضرائب المصرية
تعتزم الحكومة المصرية ممثلة فى وزارة المالية التقدم برؤية متكاملة للسياسة الضريبية خلال الفترة القادمة وحتى 2030 وهو توجه محمود لأن استقرار السياسة الضريبية يعد أحد الأسس الرئيسية لتحسين مناخ الأعمال وجذب الإستثمارات الجادة. خاصة أن الضرائب مثلت نحو 80% من إيرادات الموازنة فى ختامى 2022/2023 .
ورغم ذلك فهى لم تغط سوى 58% من مصروفات نفس العام.
ومن المعروف أن قابلية الإنفاق العام على الإستمرار تتوقف على الطريقة التى يتم بها تمويل هذا الإنفاق، وبعبارة أخرى فإن دراسة أى نظام ضريبى لايمكن القيام بها بمعزل عن الإنفاق الذى يموله هذا النظام.
فالأصل فى الضريبة انها فريضة عامة على كل دخل يتحقق فى البلاد لأنها المورد الرئيسى الذى تمول منه الدولة الخدمات التى لا يمكن أن تستأدى مقابلا لها من المواطنين كالأمن والدفاع والقضاء والصحة العامة إلخ..
وهنا يصبح التساؤل هل وصل المجتمع إلى طاقته القصوى من الإيرادات السيادية، خاصة الضريبية، أم أن المستوى الحالى لها مازال به الكثير من القصور؟ وهل هناك إمكانية لدى صانع القرار المالى للتحرك على هذا الجانب؟ وأى الشرائح والفئات المجتمعية يقع عليها العبء الضريبى الراهن؟ وماهى الأسباب والعوامل المؤدية لذلك؟
وتتطلب هذه المسالة المعرفة الدقيقة بأوجه الخلل فى النظام الضريبى القائم وهو ما يطرح بدوره العديد من التساؤلات هل العبء الضريبى موزع بالتساوي؟ وهل تفرض على كافة الدخول والأنشطة؟
وهل يسدد الممول الضرائب المستحقة دون فترات تأخير طويلة وفى أوقات مناسبة أم لا؟ بالإضافة إلى ذلك هناك بعض المعايير المهمة مثل هل الأوعية الضريبية الفعلية قريبة قدر الإمكان من الأوعية الضريبية المحتملة؟ كل هذه الاسئلة وغيرها ضرورية للحكم على مدى عدالة وكفاءة النظام الضريبى.
وهو ما يتطلب دراسة هيكل الضريبة وهنا نلحظ أن الحصيلة الضريبية لم تتعد 12% من الناتج المحلى الإجمالى.
ويشير ذلك إلى الإنخفاض الكبير فى مساهمة الضرائب فى الإقتصاد القومى والضعف الشديد فى الطاقة الضريبية وهو ما يرجع إلى العديد من الأسباب تأتى على رأسها محدودية المجتمع الضريبى إذ مازال هناك العديد من الأنشطة والقطاعات التى لاتخضع للنظام الضريبى المصرى يقع معظمها لدى أصحاب الدخول العليا وأصحاب الثروات، بسبب ما يتمتع به هؤلاء من نفوذ سياسى واجتماعى الأمر الذى يمكنهم من مقاومة أى تعديلات تشريعية تحاول أن تمس دخولهم.
لذلك أصبح موضوع فرض الضرائب وتوجيهها نحو الإنفاق العام موضوعا سياسيا ساخنا أكثر من أى وقت مضى.
ومن الملاحظ أن الهيكل الضريبى تغلب عليه الضرائب على السلع والخدمات التى تشكل نحو 44% من الحصيلة ختامى 2022/2023، وذلك بعد أن توسعت الدولة فى الضريبة على القيمة المضافة. يليها الضرائب على الدخول والأرباح والمكاسب الرأسمالية بنسبة 39%.
ويتم تقسيم الضرائب من حيث التركيب الهيكلى، إلى ضرائب مباشرة وهى التى تفرض على الدخول مباشرة، ولا يمكن نقل عبئها إلى الآخرين (وتشمل الضريبة على الدخول والأرباح والمكاسب الرأسمالية والضريبة على الممتلكات).
مقابل الضرائب غير المباشرة والتى تفرض على التصرّفات فى الدخول ويتحمّلها المستهلك النهائى للسلعة أو الخدمة (مثل ضريبة القيمة المضافة والدمغة والجمارك وضرائب التضامن الإجتماعي) وهنا تجدر الإشارة إلى أن مناقشة الضرائب بنوعيها (المباشرة وغير المباشرة) من حيث إمكانية نقل العبء إلى الآخرين،
ليس صحيحاً تماما إذ أن هناك أنواعا مختلفة من الضرائب المباشرة يمكن نقل عبئها إلى الآخرين خاصة الضريبة على المهن الحرّة (الأطباء والمحامين والمهندسين والمحاسبين..الخ) وكثيراً ما يثار فى المجتمع المصرى الحديث حول أن الهيكل الضريبى المصرى تغلب عليه الضرائب المباشرة بصورة كبيرة مما يجعله أكثر عدالة لأن الضرائب المباشرة تشكل 51% من إجمالى الحصيلة.
وهذا القول غير صحيح على الإطلاق لأنه يجب استبعاد الضرائب من الجهات السيادية البترول والشريك الأجنبى وقناة السويس والبنك المركزى وكذلك الضرائب على الاذون والسندات من هذه الحسبة لعدة أسباب يأتى على رأسها أن قانون الضرائب على الدخل رقم 91 لسنة 2005 الذى قام بتخفيض سعر الضريبة على شركات الأموال إلى 22.5% قد استثنى من ذلك هيئة البترول والبنك المركزى وهيئة قناة السويس،
إذ ظلت الضريبة عند 40%، وشركات البحث عن البترول والغاز وإنتاجه حيث استمر سعر الضريبة عليها عند 40.55% (مادة 49 من القانون المذكور) وبهذه الحسبة فإن الضرائب غير المباشرة تمثل 54% من إجمالى الضرائب.
وعلى الجانب الآخر فمازالت الضرائب على الأجور تشكل نسبة 9.3% من إجمالى الحصيلة بينما الضريبة على المهن الحرة لا تتجاوز 0.7% يضاف إلى ما سبق الخلل داخل هذا النوع من الضرائب فمن بين نحو 21.5 مليون يعملون بأجر منهم نحو 13.6 مليون يعملون داخل الحكومة والقطاع الخاص المنظم،
توجد إختلافات عديدة فى النظم الأجرية ومن ثم المعاملة الضريبية، حيث يخضع البعض من العاملين بالدولة إلى قوانين مختلفة، بينما يخضع البعض الآخرمن العاملين بالدولة إلى قانون الخدمة المدنية، وثالثهما العاملون لدى القطاع الخاص وطبقا لذلك توجد أنواع معاملة ضريبية مختلفة لمكتسبى الأجور وهو ما يشير إلى عدم مراعاة المقدرة التكليفية للممول والإختلال الكبير فى المعاملة الضريبية بين متحصلى نفس الأجر.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن العبء الضريبى للرواتب والأجور يختلف كثيرا عن الأسعار المحددة بالشرائح المنصوص عليها فى القانون، وهناك اعفاءات من هذه الضريبة يخضع لها البعض وليس الكل وهى الإعفاءات المقررة بقوانين خاصة مثل العلاوات الخاصة، والعلاوات الإجتماعية والإضافية والبدلات المعفاة بقوانين خاصة. الخ. وهو ما لا يتمتع به العاملون بالقطاع الخاص.
بينما وعلى الجانب الآخر يدفع العاملون بالحكومة ضريبة دمغة نسبية لا يتحملها القطاع الخاص.لكل ما سبق فإن هذا النوع من الضرائب، وغيره يحتاج إلى إعادة نظر بحيث تلغى كل الإعفاءات المقررة بموجب قوانين أخرى، على أن يكون قانون الضرائب على الدخل هو القانون الأساسى والحاكم لكل الأمور الضريبية.