حول التحالف العالمى لمكافحة الجوع والفقر
عبـد الفتــــــاح الجبـــــالــى
اختتمت قمة مجموعة العشرين، التى عقدت أخيرا بالبرازيل، بتدشين تحالف عالمى لمكافحة الفقر والجوع، يشمل 81 دولة، و26 منظمة دولية، و9 مؤسسات مالية. وهى مسألة غاية فى الأهمية وتنسجم تماما مع أهداف القمة التى عقدت تحت شعار (كوكب عادل ومستدام). خاصة أن دول المجموعة تشكل نحو ثلثى سكان العالم، وتسهم بـ 90% من الناتج المحلى الإجمالى العالمى و80% من التجارة الدولية.
ويهدف التحالف إلى تعزيز الشمول الإجتماعى، والقضاء على الفقر والجوع، من خلال حشد الموارد المالية والمعرفية، لتسريع وتيرة الجهود العالمية لمكافحة الفقر والجوع بوصفهما على رأس أهداف التنمية المستدامة. ويقوم التحالف على مبدأ انه (ما من دولة يمكنها وحدها محاربة الجوع بمفردها). كما أن عدم المساواة فى الثروة والدخل يقوض النمو الإقتصادى والتماسك الإجتماعى. وهذه حقائق مسلم بها إذ أن العالم يعانى حاليا ثلاث آفات إجتماعية هى الفقر اللاإنسانى وإتساع فجوة التفاوت فى الثروة والدخل بين دول العالم وفى داخلها وإنعدام الأمان.
ومع تفاقم المأساة الإنسانية الناجمة عن الحروب فى أوكرانيا وغزة ولبنان وبالتالى تفاقم تأثيرها الإقتصادى، ولا سيما من خلال صدمات أسعار السلع الأولية التى تبطئ وتيرة النمو وتضاعِف من أزمة تكاليف المعيشة التى تؤثر على مئات الملايين من البشر – خاصة الفقراء الذين لا يملكون ما يوفر القوت لأسرهم. والوضع لا يزداد إلا سوءا.
فبعد عقود من إنحسار الفقر فى العالم بدأت وتيرة تراجع معدلات الفقر فى التباطؤ من عام 2015 بالتوازى مع ضعف النمو الإقتصادى وازدادت خلال الفترة (2020 – 2024) حيث حدثت إنتكاسة حادة فى جهود مكافحة الفقر.ووفقاً للبنك الدولى، هناك ما يقرب من 3.65 مليار شخص (أى ما يقرب من نصف سكان العالم) يعيشون على أقل من 6.85 دولار فى اليوم. وهناك أكثر من 780 مليون شخص يواجهون الجوع يومياً. وهناك أكثر من 3 مليارات إنسان يفتقرون إلى النظام الغذائى الصحى، وبالتالى فهُم يصابون بالمرض أو السمنة أو حتى الهزال.
كما تظهر البيانات أن 35% من سكان العالم لا يستطيعون تحمل تكاليف نظام غذائى صحى فى عام 2022. وعلى الرغم من تراجع هذه النسبة منذ ذروة تفشى جائحة كورونا فى عام 2020 عندما تأثر 38% منهم، فإن التعافى كان أبطأ فى الإقتصادات ذات الدخل المنخفض. حيث ارتفع عدد السكان بنسبة 6% خلال هذه الفترة، وجد 16 مليون شخص آخر أن النظام الغذائى الصحى لا يمكن تحمل تكاليفه فى عام 2022 مقارنة بعام 2020
وعلى الجانب الآخر تشير إحصاءات «منظمة أوكسفام» إلى أن ثلاثة أرباع ثروة العالم اليوم فى أيدى ما لا يزيد على عُشر السكان إذ يمتلك أغنى 1% من البشر 45.6% من الثروة العالمية فى حين أن النصف الأفقر لا يمتلك سوى 0.75% فقط بل يمتلك 81 مليارديراً ثروة تفوق ما يملكه 50% من البشر مجتمعين
وبعبارة أخرى فإننا نتجه إلى عالم أكثر فقرا وأقل أمانا نتيجة لارتفاع مستويات عدم العدالة والإختلالات الناجمة عن التطورات التكنولوجية والتجارة ولذلك ينتاب كثيرا من الناس شعور بأن الإقتصاد لا يحقق مصالحهم والكثيرون ليسوا قلقين فحسب، بل غاضبون، مما يثر المخاوف من شبح «عصر الغضب»الذى يتسم بمزيد من الإستقطاب وإنعدام الإستقرار على حد تعبير «كريستالينا جورجييفا» مديرة صندوق النقد الدولي.
وأصبحنا نعيش فى عالم أكثر هشاشة ينطوى على درجة كبيرة من عدم اليقين ومستوى أعلى من التقلبات الإقتصادية وتغييرات جغرافية وسياسية، مع خطر تجزؤ الإقتصاد العالمى إلى كتل جغرافية وسياسية لكل منها معايير ونظم اقتصادية مختلفة وعملات إحتياط خاصة بها، وكوارث طبيعية أكثر توترا وتدميرا. وفى خضم أزمة إقتصادية حادة تعانيها معظم البلدان وتباطؤ معدلات النمو وارتفاع معدلات التضخم وتشديد السياسة النقدية وتفاقم ديون العالم الثالث وارتفاع تكلفة وشروط التمويل الدولى وتزايد هشاشة المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية.
وتفاقم المأساة الإنسانية الناجمة عن الحروب المختلفة فى أوكرانيا وغزة. وبالتالى أيضا تفاقم تأثيرها الإقتصادى، ولا سيما من خلال صدمات أسعار السلع الأولية التى تبطئ وتيرة النمو وتضاعِف من أزمة تكاليف المعيشة التى تؤثر على مئات الملايين من البشر – خاصة الفقراء الذين لا يملكون ما يوفر القوت لأسرهم. والوضع لا يزداد إلا سوءا.
وتشير الدراسات إلى أن العالم لايفتقر إلى الموارد اللازمة للقضاء على الفقر، لكن يفتقر إلى تحديد الأولويات السليمة.ولذا نحتاج إلى تحرك حاسم وتعاون دولى قوى، بقيادة مجموعة العشرين ولهذا حرصت القمة على وضع آليات تمويل هذه الأهداف عن طريق دعم الضرائب التصاعدية، والإلتزام بفرض ضرائب مناسبة على المليارديرات. وللمرة الأولى فى تاريخ المنتدى، تعهدت مجموعة العشرين بتعبئة الموارد اللازمة لتوفير خدمات الصرف الصحى الأساسية والوصول إلى مياه الشرب، فضلاً عن معالجة العنصرية وتعزيز المساواة العرقية كجزء من الجهود الرامية إلى مكافحة عدم المساواة.
ويمكننا القول دون أدنى مغالاة إن السبب الأساسى فى هذا الوضع يرجع إلى سياسة التقشف التى تم تطبيقها فى العديد من البلدان بناء على توصيات صندوق النقد الدولى ومن سار على نهجه، وأخذت به العديد من البلدان، حيث ركزت الجهود فى معظمها على جانب المصروفات دون الإيرادات. وقد بدأت بالفعل إعادة النظر فى هذه السياسة، وظهرت العديد من الدراسات التى حذرت منها مثل الأونكتاد الذى يدعو إلى إعادة النظر فى هذه المسألة، لأنها غير مجدية ولها تأثير سلبى على النمو وتوزيع الدخل وزيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
وهناك العديد من الدراسات التى أكدت ذلك، خاصة ما قام بها المفكر الإقتصادى بول كروجمان، حيث ترى أن سياسة التقشف عن طريق تخفيض النفقات العامة، خاصة على بعض الجوانب الإجتماعية كالأجور والدعم، قد أدت فى النهاية إلى المزيد من عدم المساواة وسوء توزيع الدخول، بل أقرت بأن هناك إفراطا شديدا فى تخفيض الموازنات مما أدى إلى نتائج عكسية أضرت بأهداف النمو والعدالة الإجتماعية وحتى استمرارية السياسة المالية ذاتها. لكل ما سبق تصبح أهمية التحالف الدولى الجديد بإعتباره يمثل آلية مهمة للقضاء على أخطر آفات العصر وهى الفقر وعدم المساواة والجوع.