الضمان الإجتماعى والدعم النقدى
عبد الفتــــــــاح الجبـــــــالـى
وافق مجلس النواب المصرى مؤخرا على مشروع قانون الضمان الإجتماعى من حيث المبدأ، والذى يهدف إلى إصدار تشريع متكامل وموحد للحماية الإجتماعية، وكذلك التحول التدريجى إلى الدعم النقدى للفئات الأولى بالرعاية. تفعيلا للدستور خاصة المادة 8 التى تنص على أن «يقوم المجتمع على الضمان الإجتماعى»،
وكذلك المادة 17 التى تنص على أنه «لكل مواطن لا يتمتع بنظام التأمين الإجتماعى الحق فى الضمان الإجتماعى، بما يضمن له حياة كريمة، إذا لم يكن قادرا على إعالة نفسه وأسرته، وفى حالات العجز والشيخوخة والبطالة».
مشاكل النظام الحالي
ويعانى النظام الحالى العديد من المشكلات على رأسها تشتت الجهود بين مساعدات الضمان الإجتماعى التى تمنح للأسر بحد أدنى 535 جنيها وبحد أقصى 754 جنيها للأسرة شهريا، وكذلك برنامجا تكافل وكرامة والذى بدأ العمل بهما فى يناير 2015، ويتم بمقتضاهما تقديم دعم نقدى مشروط للفقراء.
ويختص برنامج تكافل بالأسر التى تعانى الفقر الشديد على أن يكون لديها أطفال فى الفئة العمرية حتى 18 سنة. أما برنامج كرامة فيستهدف الفئات التى تعانى الفقر الشديد وغير قادرة على الكسب أو العمل ككبار السن «65 سنة فأكثر»، أو من لديه عجز كلى أو إعاقة تمنعه من العمل.
وتتحدد قيمة المبلغ المستحق بكل برنامج بنحو 736 جنيها للأسرة فى حالة برنامج تكافل، بالإضافة إلى منحة لكل تلميذ فى مراحل التعليم «من 75-100-125جنيها شهريا» بحد أقصى ثلاثة تلاميذ للأسرة الواحدة،
بالإضافة إلى زيادة شهرية بحد أقصى 125 جنيها. أما فى حالة برنامج كرامة فيتم صرف مبلغ 708 جنيهات للفرد بحد أقصى ثلاثة أفراد للأسرة الواحدة. وارتفعت قيمة هذا البرنامج من 6.7 مليار جنيه فى 2014/2015 إلى 40 مليار جنيه فى موازنة 2024/2025.
وكذلك وصل عدد المستفيدين إلى 5 ملايين مستفيد مقارنة بـ63.880 ألف مستفيد فى 2015. ويشير بحث الدخل والإنفاق إلى أن هذه البرامج قد ساعدت كثيرا فى التخفيف من وطأة الفقر على هذه الشرائح إذ أن 73% ممن يتلقون مساعدات تكافل هم من الأسر الفقيرة التى لديها أطفال. ونحو 66% ممن يتلقون مساعدات كرامة من الفقراء المسنين أو المعاقين،
خروج ١٠٪ من حيز الفقر
وبالتالى أدى تكافل إلى خروج 10% من المستفيدين من الفقر، كما أدى كرامة إلى خروج 6% من المستفيدين من الفقر. وهذا لا ينفى وجود بعض التسرب فيهما حيث إن 27% من برنامج تكافل، 34.3% من كرامة تذهب إلى غير الفقراء ولهذا يجب العمل على إيقاف التسرب من هذه البرامج.
من هذا المنطلق يمكننا مناقشة بعض القضايا التى يثيرها القانون ويأتى على رأسها تحديد الفقراء، حيث يشير المشروع إلى أن خط الفقر القومى هو القياس المعيارى الذى تحدده الدولة، والأفضل هو أن يكون الخط المحدد وفقا لنتائج بحث الدخل والإنفاق الذى يجريه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، كل عامين،
بدلا من ترك الأمور مفتوحة، خاصة انه يتم على أسس علمية سليمة. ويرتبط بهذه المسألة تحديد قيمة الدعم النقدى، حيث تركها المشروع لقرار يصدر من رئيس الوزراء، وتتم مراجعته كل ثلاث سنوات. وهنا نرى ضرورة النص على إنه لا يجوز أن يقل هذا الحد عن خط الفقر المدقع على الأقل. كما أن إعادة النظر فيه كل ثلاث سنوات فترة طويلة إذ يجب النص على أن يزداد سنويا بنسبة تعادل الزيادة السنوية فى الأسعار وفقا للرقم القياسى لأسعار المستهلكين الذى يصدره الجهاز المركزى.
وهو ما ينسجم مع القوانين المعمول بها فى الدولة لصالح الفئات الأخرى مثل قانون العمل والخدمة المدنية والتأمينات الإجتماعية. وقد يرى البعض أن هذا قد يصطدم مع الحد الأدنى للمعاشات وهو 1500 جنيه شهريا خاصة، أنها ممولة من المواطنين، بينما الدعم من الخزانة العامة، ولكن المؤشرات تشير إلى أن خط الفقر المدقع يقدر بنحو 1069 جنيها شهريا فى عام 2023.
صناديق التمويل
وعلى الجانب الآخر فقد اقترح المشروع إنشاء صندوق تكافل وكرامة بغرض تمويل برامج الضمان الإجتماعى، وهنا نتساءل عن الشكل القانونى المزمع، فمن المعروف أن هذه الصناديق إما أنها مستقلة بذاتها أى أنها تمثل فى حد ذاتها كيانا إداريا يدخل فى الموازنة العامة للدولة بمسماه، مثل صندوق التنمية الثقافية وصندوق السجل العينى وغيرهما.
أو أنها تتبع الوحدات الإدارية التى أنشئت بداخلها سواء فى الجهاز الإدارى أو المحافظات أو الهيئات الخدمية والإقتصادية، من أمثلة ذلك حساب الخدمات والتنمية المحلية وحساب الإسكان الإقتصادى بالمحافظات، أو صندوق مستقل تماما. وتختلف كل منها حسب مصادر التمويل وأوجه الإنفاق وغيرهما من الأطر القانونية والتنظيمية.
وتعتمد هذه الصناديق على الرسوم التى تفرضها على الخدمات التى تؤديها وأرباح المشروعات التى تديرها والتبرعات والهبات التى تحصل عليها، بالإضافة إلى الدعم من الخزانة العامة، وهى مسألة تختلف تماما عن برامج الحماية الإجتماعية التى يجب أن تمول بالكامل من الخزانة العامة. ولا ينبغى النظر إليها على أنها عبء على الخزانة العامة، أو أن تكلفتها ليست فى المتناول، أو انها غير قابلة للاستمرار فالأساس فى الإنفاق العام هو الحفاظ على مستويات معيشة الأفراد خاصة الفقراء ومحدودى الدخل.
وبالتالى يجب السماح له بترحيل كل الفائض من سنة مالية لأخرى وليس فقط غير المخصص له من الموازنة العامة للدولة. كما أنها تتعارض مع رغبة الحكومة فى الحد من هذه الصناديق.
ومن المعروف أن الفقر يضع حدودا على إمكانية الإستفادة من الخدمات الإجتماعية كالصحة والتعليم وغيرهما من الخدمات الأساسية، كما انه يسهم فى عدم الإستفادة من شبكات الضمان الإجتماعى مما يجعل هذه الفئات أكثر هشاشة، وتدخل فى مصيدة الفقر. لذلك فإن وضع الآليات المناسبة لحل هذه المشاكل وتمكين الفقراء من الحصول على هذه الخدمات يعد ضرورة اقتصادية بالأساس وليس فقط مسألة اجتماعية او سياسية، فمن الخطأ الجسيم القول إن اعتبارات الحماية الإجتماعية تتعارض مع ضرورات الكفاءة الإقتصادية، فالكفاءة والعدالة يجب أن يسيرا جنبا إلى جنب. من هنا تأتى أهمية تنظيم وحوكمة هذه المساعدات بما يضمن تحقيق الأهداف التنموية المرجوة منها.