عبد الفتـــــــــــاح الجبـــــــالى
السياسة الجمركية بين المنتج والمستهلك
أثار تطبيق المنظومة الجديدة لحوكمة أجهزة الهواتف المحمولة من خلال التطبيق الجديد «تليفونى» والهادف إلى منع التهريب من الخارج، وتشجيع وتوطين صناعة الهواتف المحمولة، العديد من النقاشات والتساؤلات حول دور السياسة الجمركية فى الإقتصاد القومى ككل؟
إذ تعد إحدى أدوات السياسة المالية التى تعمل على تحقيق الأهداف الإقتصادية والإجتماعية بالبلاد. وذلك عن طريق الإستخدام الأمثل لفئات الضريبة الجمركية لتتلاءم مع الظروف الإقتصادية والتطورات الإجتماعية وبما يتناسب مع الأوضاع المعيشية بالبلاد.
وبعبارة أخرى فإن السياسة الجمركية الصحيحة هى التى تعمل على محورين أولهما ضمان حصول المواطن على السلعة الجيدة بالأسعار المناسبة بما يحقق له مستوى معيشة لائقا. وثانيا مساندة الصناعة المحلية، وتدعيم المنتج المصرى، وتشجيعه على الوقوف أمام المنافسة العالمية غير العادلة،لزيادة الصادرات وفتح مجالات جديدة للاستثمار. ومع تسليمنا الكامل بأهمية هذه الأمور لأنهاتصب فى النهاية لصالح المواطن وتساعد على تهدئة الأسعار، إلا انها تتطلب المعرفة الكاملة بأوضاع السوق وتركيبته،
وبالتالى فالحكم على سلامة السياسة الجمركية من عدمه يتوقف على مدى قدرتها على تحقيق الأهداف التنموية المطروحة على المجتمع فى لحظة معينة. ولكى تتحقق هذه الأهداف لابد من توافر العديد من العناصر الأساسية والمهمة يأتى على رأسها وجود جهاز إنتاجى متنوع وقوى وقادر على الإحلال محل الواردات التى سيتم التحكم فيها، وكذلك سهولة وإمكانية الانتقال لعناصر الإنتاج بين القطاعات الإقتصادية وبعضها البعض لكى تنتج المزيد من هذه السلع، وتكون قادرة على المنافسة الدولية، بما فى ذلك جودة الإنتاج،
وأيضا يستطيع سد حاجة الطلب المحلى كما يتطلب أن تكون السوق المحلية على أعلى درجة من التنافسية حتى لا يتعرض المستهلك لسيطرة القلة من المحتكرين على الأسواق، كما هو الحال فى الإقتصاد المصرى، وبالتالى تؤدى إلى وقوع المستهلك أسيرا فى يد هؤلاء، ومن ثم المزيد من ارتفاع الأسعار من جهة، أو الحصول على المنتج غير الجيد من جهة أخري. وهو أمر وارد الحدوث فى المجتمع نظرا لازدياد واتساع نطاق الإحتكارات فى العديد من السلع والخدمات المهمة.
مع الضعف البنيوى فى جهاز منع الممارسات الإحتكارية، وتشجيع المنافسة. وخير دليل على ذلك حينما قامت الحكومة المصرية باستيراد «بيض المائدة» والسماح بالمزيد من المنافسة أدى ذلك لانخفاض كبير فى أسعار هذه المنتجات، وبالمثل فى سوق الدواجن المجمدة والحديد وغيرهما. وجدير بالذكر أن جزءا من مشكلة التضخم ترجع بالأساس إلى سيادة الإحتكارات التى تعد سمة أساسية من سمات السوق المصرية خاصة بعد أن امتدت بآثارها لتشمل معظم قطاعات الإقتصاد،
فالإحتكارات تعد أحد المثالب الأساسية لاقتصاد السوق، وتحفل معظم الكتابات الأساسية فى علم الإقتصاد بالعديد من الدراسات التى تحذر منها، الأمر الذى دفع جون ستيوارت ميل للقول بأنه «إذا لم تتحقق فروض المنافسة الكاملة، يصبح من المستحيل قيام علم للاقتصاد». بل إن آدم سميث نفسه يرى أن الإحتكارات والإمتيازات هما العدوان الرئيسيان اللذان يهددان عمل النظام الإقتصادى الجيد.
وعلى الجانب الآخر فإن قانون الجمارك رقم 207 لسنة 2020 قد نجح فى إزالة كل أوجه الخلاف واللبس والغموض وعالج العديد من المشكلات التى كانت سائدة. حيث تم توحيد قانون الجمارك القديم وقانون تنظيم الاعفاءات الجمركية فى قانون واحد لتسهيل التعامل. بهدف حماية الاقتصاد القومى والمنتج المحلى من الممارسات الضارة وتبسيط الإجراءات والقيود الجمركية،
وترشيد تدخل السلطة الإدارية عن طريق زيادة حوكمة الاجراءات الجمركية من جهة. ولذلك تم استحداث نظم المراجعة اللاحقة وإدارة المخاطر، ونظام التخليص المسبق، والعمل بمنظومة النافذة الواحدة والتعامل الجمركى على البضائع المتعاقد عليها بنظام التجارة الالكترونية الحديث. وتغليظ العقوبات على التهرب الجمركى، حيث تم اعتبارها من الجرائم المخلة بالشرف.
والمتتبع للهيكل العام للتعريفة الجمركية يلحظ أن الحكومات المتعاقبة قد قامت بإدخال العديد من التغييرات المهمة عليها، وذلك كله بهدف تخفيض الحدود القصوى للضريبة الجمركية بغية إحداث التوازن المطلوب بين تنشيط حركة التجارة الدولية،
وكفالة القدر اللازم للحماية التنافسية العادلة للصناعة الوطنية، بهدف العمل على تنشيط العملية الإنتاجية من ناحية، وفتح مجالات التصدير من ناحية أخرى.
مع ملاحظة أن نسبة الإيرادات الجمركية من إجمالى قيمة الواردات قد تراجعت، رغم زيادة الحصيلة من 59.4 مليار جنيه عام 2022/2023 إلى 75.5 مليار جنيه عام 2023/2024 ويرجع السبب فى ذلك إلى سياسة الإعفاءات الجمركية، سواء من حيث الجهات أو الأنشطة التى تستحق الاعفاء الجمركى،
فضلا عن اتساع عمليات التهريب للسلع الواردة بشتى الطرق والسبل مع استخدام البعض للنظم المعمول بها فى هذا الهدف مثل نظام الافراج المؤقت أو المناطق الحرة العامة والخاصة وغيرهما.
ناهيك عن تقاعس المصلحة عن اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لتحصيل الرسوم والضرائب الجمركية المستحقة على بعض السيارات المفرج عنها مؤقتا برسم إعادة التصدير بضمان بعض السفارات أو الوزارات او الهيئات، أو بضمان دفاتر المرور الدولية من نوادى السيارات، والتى انتهت صلاحية تسييرها داخل البلاد، ولم يتم إعادة تصديرها وفقا للقانون،
ناهيك عن استخدام السيارات المعفاة أو منخفضة الجمارك فى غير الأغراض المخصصة لها، والتصرف فيها بطرق احتيالية قبل فترة انتهاء مدة الحظر الجمركى. ناهيك عن التلاعب فى الفواتير وغيرها مما يساعد على دخول منتجات رديئة الجودة وغير مطابقة للمواصفات الصحية والبيئة مما يضر بالمستهلك والصناعة الوطنية والاقتصاد القومى ككل. وبالتالى فاستخدام الإجراءات التقييدية للواردات كأداة للتصحيح، فى الحالة المصرية، أمر ضئيل الأثر، فى ظل استمرار جوانب المشكلة الإقتصادية على ماهى عليه. وبالتالى يتطلب الأمر إعادة صياغة السياسة الجمركية للبلاد بما يجعلها كفئا لبناء قاعدة اقتصادية للنمو بالبلاد وحماية المستهلك.