ترامب والريفيرا الفلسطينية
نبيل عمر
لو أن المخرج الأمريكى الشهير ستانلى كرامر لم يوص بحرق جثته عند موته، لوجب علينا أن نذهب إلى قبره ونرفع له القبعات تحيةً على فيلمه الرائع «إنه عالم مجنون مجنون مجنون»، فمن كان يتصور أن شخصيات الفيلم التى كانت خيالا على الشاشة الفضية فى عام 1963، يمكن أن تتجسد فى عام 2025 شخصيات واقعية، رئيس فى البيت الأبيض، وزير خارجية، ومستشارين ومتحدثين، وكما كانت شخصيات 1963 تبحث عن «ثروة مسروقة مخبوءة»، عرفوا بها بالمصادفة، حين وقع حادث قتل على الطريق تسبب فيه سائق أرعن، تبحث شخصيات 2025 عن «كنز» مخبوء فى دمار أرض غزة، والذى تسبب فيه مجرم حرب وجيش إبادة ودولة عنصرية، يستكملون به جرائمهم ضد شعب فلسطين بالسطو على القطاع وتحويله إلى ريفيرا الشرق الأوسط!.
الفارق بين الفيلم والواقع أن شخصيات الفيلم تحركت منفردة أو مع بعضها بعضا، بينما شخصيات الواقع لا تتحرك وحدها، أمامها ما يقرب من مليونى إنسان بائس فى غزة، وشعوب عربية بحكامها، وأغلب دول العالم الرافضة لعملية «السطو»!.
تتمتع شخصيات الواقع بقدر هائل من اللا إنسانية وهى تتحدث عن أهل غزة، كما لو أنهم مجرد «أشياء» أو منقولات يمكن شحنها فى عربات أو طائرات أو سفن إلى أرض غير أرضهم، وليسوا بشرا ذوى إرادة وقرار وحق فى تقرير المصير، ويستميتون فى العيش وسط ركام وطنهم المهدم على أى مكان فى العالم، ويعلمون أن تعاطف الإدارة الأمريكية مع ظروفهم، هو نوع من الخبث الذى يقطع الصلة بينهم وبين أرضهم!.
ولا يتوقف التماثل عند حد الفوضى التى أحدثتها شخصيات الفيلم وصنعت بها مواقف هزلية ساخرة، مع الفوضى التى ستحدثها شخصيات الواقع وتُوسع بها مساحات الصراع والتوتر والتربص فى منطقة ملتهبة أصلا.
لكن أحداث الفيلم كانت أكثر سلاسة ومنطقية، من فكرة الواقع التى تبدو عشوائية ومفككة، إذ قال ترامب إنه سوف يتسلم غزة من الإسرائيليين بعد الحرب؟، بأى صفة يتسلمها؟، وكيف سيجبر أهلها على الرحيل منها؟.
عموما لا نتعجب من هذا التماثل أو عدم المنطقية، فصاحب الفكرة له تاريخ فى صناعة الثروة، وقد خرجت آلاف التقارير الصحفية والإعلامية والفيديوهات على شبكات التواصل الاجتماعى تلخص فكرته بأنه يتصرف بمنطق البزنس وليس رئيس دولة، همه الأول استثمارات سياحية على ساحل البحر المتوسط، لا مصالح الولايات المتحدة.
وقد وصف «جاريد كوشنر» صهر ترامب ومساعده السابق غزة بأنها «ملكية ذات قيمة على الوجهة البحرية»!. وكتبت المحامية المحافظة مارينا ميدفين على منصة إكس: ترامب يريد أن تسيطر أمريكا على غزة، هذه أفضل فكرة، نحن فى حاجة إلى قاعدة جيدة فى الشرق الأوسط نسميها قاعدتنا، وتكون ملكيتنا على شاطئ البحر، نعم، يجب أن نفعل ذلك.
أما خصومه الديمقراطيون فقد شنوا حملة انتقادات حادة، وقال السيناتور كريس مورفى على موقع إكس: انها نكتة شريرة وسخيفة، ستشعل حقبا من الحروب فى الشرق الأوسط.
وكتب السيناتور روبين جاليكو تويتة: ترامب يريد غزو بنما، وجرينلاند والان غزة، انه مشعل حروب!.
وقد عبر كثير من الأمريكيين العاديين عن دهشتهم وعدم فهمهم مشروع ترامب، وقد توقفت أمام فيديو أذاعته شبكة «مادِس تاتش»، وقدمه «بن ميسيلاس» بعنوان: ترامب يفجر العالم فى ضغوط نيتانياهو، مدته 11 دقيقة و22 ثانية، وشاهده 878 ألف متابع حول العالم فى أربع وعشرين ساعة، وعلق عليه عشرون ألفا و562 شخصا.. ومادِس تاتش شركة إعلامية أمريكية تقدمية أسسها ثلاثة أشخاص من لونج إيلاند، أهمهم «بن ميسيلاس» وهو محام، وقد وصف أفكار ترامب بأنها تهدد النظام العالمى بأسره.
وقد توقفت كثيرا أمام التعليقات واخترت بعضها، للتعرف كيف يفكر الأمريكيون على الضفة الأخرى لترامب..
قالت دبليو إف سي: عار على جون روبرتس (رئيس المحكمة العليا)، عار على المحكمة العليا التى سمحت لترامب بأن يعود مرة أخرى إلى المكتب.
قال: ناويل وارثين: بصفتى ضابطا بحريا متقاعدا، أقول لكل العسكريين الحاليين فى الخدمة، لا تنفذوا أمر غزو أمة ذات سيادة، إنه أمر غير قانوني، وقسمكم يتطلب منكم ألا تطيعوا الأوامر المخالفة للقانون!.
رد عليه كريس: هذا هو قلقى الحقيقى والاختبار الحقيقي، بغض النظر عن توجهك السياسي، لو قرر هذا الرجل الهجوم على بنما وكندا، أو غزو قطاع غزة، هل تعتقد أن الجيش سيطيع الأمر على الرغم من أنهم لا يعرفون طريقة لتكون النتائج إيجابية؟، من المؤكد سيكون أشبه بالمأزق الفيتنامى أو الأفغاني، ضحايا وجنود مصابون وإرهاب، هل الرسميون سيسمحون بحدوث هذا؟، وما هى الخيارات الأخرى، اتفاق لعزله؟.
ورد أيضا بيك بيكسي: أعتقد أن الأمر سيعود إلى رفض الجيش الأوامر وتحديهم لإنهاء هذا الكابوس، آمل أن أكون مخطئا، لأن الوصول إلى هذه النقطة سيكون كارثيا ليس فقط على الولايات المتحدة.
قالت سيندي: إنه أمرمؤلم، إنه لا يرى الفلسطينيين شعبا.
وقال بوني:على شخص ما أن يوقفه قبل أن يبدأ حربا عالمية ثالثة.
بالطبع يستحيل أن نسرد كل التعليقات المعادية للفكرة غير الإنسانية، واخترنا ما يشى بأن رفضها قد يتجاوز بالضرورة الحدود الطبيعية.
تبقى كلمة أخيرة قالها مواطن أسترالي: إنه لأمر محزن أن نرى ترامب يحول الولايات المتحدة إلى دولة معزولة!.