بطولات شعب مصر المنسية عبر التاريخ
موقعة أبومناع ضد الفرنسيين
سامح حنا طلعت
يرى المؤرخون أن معركة أبومناع 17 فبراير عام 1799م كانت هي الفاصلة والممهدة لانتصار المقاومة الشعبية على الفرنسيين، في 3 مارس 1799م بقرية البارود، والتي كان يطلق عليها قرية بقطر، وهو الذي تحتفل به محافظة قنا في الثالث من مارس من كل عام، بذكرى الانتصار على الحملة الفرنسية وإغراق الأسطول الفرنسي.
وشهدت محافظة قنا معارك من سمهود في الشمال إلى قوص جنوبًا، وخاضت قرية أبومناع التابعة لمركز دشنا، شمالي قنا، حركة مقاومة كبيرة ضد هجمات الحملة الفرنسية على صعيد مصر، والتي كانت من ضمن استراتجيات نابليون بونابرت لتوطيد أركان دولته والسيطرة التامة على الدولة، وخاصة الصعيد لما كان يحتويه من الخيرات إضافة إلى مطاردة المماليك الفارين من القاهرة ومطارده مراد بك بعدما شن الفرنسيون حملة على يد نابليون وهزيمته في معركة الأهرام وهروبه إلى الصعيد.
إن المراجع التاريخية أوضحت أن معركة “أبومناع” كانت في 12 رمضان 1213هـ، 17 فبراير 1799م، وبدأت حينما اتجه عرب الحجاز بقيادة الشريف حسن بالقرب من “أبومناع” -ورد ذكرها في القاموس الجغرافي للبلدان المصرية بأنها قرية تتبع مركز دشنا من الواجهة المالية أي إداريًا-، وذكرت في تاج العروس باسم “شرقية أبومناع”، وتقع بالقرب من الجبل الشرقي وتبعد عن النيل قرابة ساعة ونصف سيرًا بالأقدام.
الوثائق والمراجع التاريخية التي تكلمت عن سيرة الشريف حسن الينبعي تناولت وجهين، أولهما أنه كان أمير ينبع من ضمن الحجازيين القادمين للدفاع ضد الفرنسيين، بينما الوجه الآخر ذكره المؤرخ اليمني ابن الجحاف في كتابه “درر نحور العين بسيرة الإمام المنصور علي وأعلام دولته الميامين”، عندما تكلم عن الحملة الفرنسية أن للشيخ محمد الكيلاني ابن أخت أو أخ يطلق عليه الشريف حسن قدم إلى الديار المصرية بالقوة التي تكونت من الحجازيين قبل قدوم الشيخ محمد الكيلاني المغربي، وهناك رأي آخر يورد أن الشريف حسن أحد أبناء قبيلة الأشراف من محافظة قنا، لافتًا إلى أن كل الوثائق والمدونات التاريخية والمراجع لم تؤكد على ماهية الشريف حسن وتقديم تعريف مؤكد عن كنيته ونسبه.
الشريف حسن استطاع أن يقوي من عزيمة عرب الحجاز والأهالي المنضمين له من القرية، ولاسيما أن الجو الديني كان مسيطر عليهم خاصة في شهر رمضان، واستطاع بحماسه الديني أن يثير حماس الأهالي فحملوا السلاح وانضموا إليه وأسرع إلى أبومناع عدد وافر من الأهالي في ذلك الوقت لصد الفرنسيين ومنعهم من السيطرة على بلدانهم.
تمكن الشريف حسن من تكوين جيشًا كبيرًا من عرب الحجاز والأهالي يملئ قلوبهم المقاومة والجهاد ضد الفرنسيين، ولكي يرفع من همتهم وعزيمتهم وعدهم بقدرتهم على القضاء على الجيش الفرنسي وقدوم تعزيزات من القرى والبلدان المجاورة لمساندة الجيش.
بينما تورد المراجع الفرنسية وخاصة مذكرات “Memoires du General Bon Desvernois” عن معركة أبومناع أنه عندما علم الجنرال فريال بتواجد الشريف حسن شريف ينبع وجيشه بتلك المنطقة توجه إليها فوصلها يوم 17 فبراير، ووجدها مملوءة بالرجال المسلحين، وكان عرب الحجاز في المقدمة، فأعد الجنرال فريال جيشه ووضع خطة مكونة من حملة القنابل في وضع الاستعداد والمقدمة بقيادة رئيس الفرقة “كون روس”، ويساندهم من الخلف المدافع والبنادق المتطورة.
الجنرال فريال أمر بإطلاق القنابل على جنود الشريف حسن مع تقدم رماة البنادق باتجاههم، وبقي الجيش بقيادة الشريف يدافع بكل تماسك، ولكنهم لم يصمدوا كثيرا لاستخدامهم أسلحة بدائية يقابلها مدافع وقنابل وبنادق متطورة.
وتوصف المذكرات أن الجنرال فريال كون طابورين للالتفاف حول القرية ومهاجمتها بالمدافع، ومنعهم من الفرار والانسحاب، وطابور أخر يقوده “سيلي” قائد الفرقة 88، والذي ظل يطارد عرب الحجاز بعد انسحابهم من المعركة لمدة 5 ساعات في الجبال حتى تمكن من اللحاق بهم ومهاجمتهم، وتدمير معسكر الحجازيين المقام في الجبل الشرقي الذي كان معد له ونقطة تحرك للبلدان الأخرى المقاومة، وانتهت المعركة بانتصار الفرنسيين، وبلغ عدد القتلى حوالي 400 قتيل.
وتوجه بعد ذلك الجنرال فريال إلى جرجا تنفيذا لتعليمات الجنرال ديزيه، فوصلها يوم 21 فبراير 1799، وهذا ما ذكر أيضًا في كتاب تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر عبد الرحمن الرافعي بك الجزء الأول.
إلى أن المؤرخ الجبرتي كشف في تاريخه المسمى بمظاهر التقديس في زوال دولة الفرنسيس، أن أخبار تواترت مع ابتداء شهر رجب بأن رجلًا مغربيًا يقال له “الشيخ الكيلاني” كان مجاورًا بمكة والمدينة والطائف، فلما وردت أخبار الفرنسيس إلى الحجاز وأنهم ملكوا الديار المصرية انزعج أهل الحجاز، ويدعوهم إلى الجهاد ويحضرهم على نصرة الحق والدين، وقرأ بالحرم كتابًا مؤلفًا في معنى ذلك، فاتعظ جملة من الناس وبذلوا أموالهم وأنفسهم واجتمع نحو الستمائة من المجاهدين وركبوا البحر إلى القصير مع ما انضم إليهم من أهل ينبع وخلافه، وبدأت من هنا شعلة المقاومة ضد الفرنسيين في قري الصعيد وخاصة في قنا.
رغم هذه الانتصارات إلا أن الفرنسيين لم يستطيعوا بسط نفوذهم على بلاد الصعيدـ وظل مركز مضطربًا ومزعزعًاـ حيث كان العامل الأكبر هو مقاومة الأهالي ومساندة عرب الحجاز، والتي ظلت تلك المقاومات تشكل خطرًا كبيرًا على حاميتهم الفرنسية لعدم معرفتهم بتلك البلاد وجغرافيتها.