شارل فؤاد المصري
يكتب: الدبلوماسية العدوانية وسلام الأمر الواقع
منذ عاد ترامب إلى البيت الأبيض بفريق عمله الجديد وهو يضرب بعرض الحائط كل الأعراف الدبلوماسية، بداية من حضور الإعلام لمباحثات من المفروض أن تكون في الغرف المغلقة إلى إهانات يتم توجيهها إلى رؤساء دول مستقلة أعضاء في الأمم المتحدة وذات سيادة، بدءًا من إهانة رئيس فرنسا وانتهاءً بما يجوز أن نطلق عليه طرد رئيس أوكرانيا، ناهيك عن التلاسن اللفظي بينهما.
مقابلة ترامب وزيلينسكي سيئة للغاية وتأثيراتها المحتملة على الحرب الأوكرانية وأوروبا والعلاقات الروسية الأمريكية وتداعياتها ستكون سريعة جدًا.
إذا افترضنا أن مقابلةً مستقبلية بين دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي في حال عودته إلى البيت الأبيض، فإن ذلك سيثير تساؤلات حول سياسة ترامب تجاه الحرب الروسية-الأوكرانية التي اندلعت في 2022.
وتُعتبر مواقف ترامب السابقة تجاه روسيا وفلسفته “التعاملية” أساسًا لفهم السيناريوهات المحتملة، خاصةً بعد تصريحاته الداعية إلى إنهاء سريع للحرب عبر مفاوضات قد تتطلب تنازلات أوكرانية. ترامب الذي يمارس ضغوطًا هائلة لإنهاء الصراع مما قد يدفع زيلينسكي لقبول تسوية سريعة، ربما عبر التخلي عن مناطق مثل إقليم دونباس أو الاعتراف بضم منطقة القرم، مما يُنهي الحرب لكنه يُضعف السيادة الأوكرانية.
خاصة إذا قلص ترامب المساعدات العسكرية كأداة ضغط، ستفقد أوكرانيا ذراعًا استراتيجيًا، مما يعزز موقف روسيا.و سيكون له تبعات سيئة وردود فعل داخلية في أوكرانيا قد تواجه حكومة زيلينسكي عبر احتجاجات إذا قَبِلَت شروطًا مُجحفة، مما يهدد الاستقرار السياسي لها.
وقد تؤدي إلى انقسام في الاتحاد الأوروبي وربما تتفاوت ردود الفعل بين دول شرق أوروبا الرافضة لأي تنازلات، ودول غربية تفضل تقليل تبعات الطاقة والأزمة الاقتصادية. مما يجعل أوروبا قد تُسرع الخطى في خططها الرامية للاستقلال الدفاعي، كما في مبادرة “القوة الأوروبية” التي أطلقتها فرنسا.
إن أي تسوية غير متوازنة حتمًا ستؤدي إلى موجات نزوح جديدة وتزيد الضغوط على البنى التحتية الأوروبية.
هذا عن أوروبا تلك القارة العجوز الواقعة تحت مطرقة الصلف الأمريكي وسندان التبعية الأمريكية.
أما روسيا التي يحلم قيصرها وريث الاتحاد السوفيتي المنهار بإعادة إمبراطورية أجداده عبر الدخول في حروب، ستكون فرصة لذوبان جليد العلاقات الروسية الأمريكية وقد يسعى ترامب لصفقة مع فلاديمير بوتين تشمل رفع جزئي للعقوبات الأمريكية مقابل وقف دعم روسيا لدول معادية للغرب، أو تعاون في ملفات مثل الحد من الأسلحة النووية.
الابتزاز الذي مارسه ترامب ضد أوكرانيا بطلبه إعادة الأموال التي دعمت بها أمريكا أوكرانيا إبان فترة بايدن الذي وصفه ترامب بأنه مخرف ينم عن فكر وعقل الرئيس الأمريكي الذي يطبق المثل القائل “الكارت الذي تربح به العب به” رغم أن أمريكا لا تحتاج إلى ذلك فهي تملك جزءًا كبيرًا من أوراق اللعبة في عالم متعدد الأقطاب حاليًا.
فجمهورية أوكرانيا غنية بمعادن نادرة وقد تربط إدارة ترامب الدعم الأوكراني بصفقات استخراج مضمونة لصالح الشركات الأمريكية، مستغلةً حاجة أوكرانيا للتمويل المالي. ولكن أي تقارب أمريكي-روسي على حساب أوكرانيا قد يُضعف الثقة في الولايات المتحدة كحليف، لا سيما لدى دول حلف الناتو ولدول أخرى.
وأتذكر أن الرئيس السابق حسني مبارك رحمه الله عليه له كلمة شهيرة هي “المتغطي بأمريكا عريان”.
وإذا تركنا للخيال العنان نطرح سؤالًا: هل من الممكن أن نرى معاهدة سلام روسية-أمريكية؟ الإجابة تعود إلى طبيعة الصراع فالحرب تدور بين روسيا وأوكرانيا، لذا فإن أي معاهدة مباشرة بين واشنطن وموسكو ستكون غير تقليدية، إلا إذا تضمنت ضمانات أمنية أو ترتيبات جيوسياسية أوسع. وسيواجه ترامب معارضة من الكونغرس والإعلام الأمريكي حال تقديم تنازلات لروسيا، خاصةً بعد اتهامات بالتلاعب في الانتخابات السابقة.
أعتقد أن ما يفعله ترامب بسرعة وعصبية سياسية شديدة بصفقة مُعلنة كـ”انتصار للسلام” لتعزيز إرثه السياسي هو أن يحصل على جائزة نوبل للسلام في حياته حتى لو كان الحصول على الجائزة مثيرًا للجدل خاصة إذا جاءت على حساب مبادئ القانون الدولي.
إن أي تحرك من ترامب لفرض تسوية سريعة قد يوقف إراقة الدماء بشكل قصير وقصير جدًا لكنه يخاطر بتكريم روسيا وتقويض النظام الدولي القائم على احترام الحدود.
وبالنسبة لأوروبا، سيكون ذلك اختبارًا لوحدتها واستقلاليتها.
أما العلاقات الأمريكية-الروسية، فقد تشهد دفئًا مؤقتًا، لكنه سيبني على أسس هشة وضعيفة من المصالح الضيقة، لا على رؤية استراتيجية شاملة كمن بنى بيتًا على الرمال.
في النهاية، السلام الحقيقي يتطلب أكثر من صفقة؛ يتطلب عدالة تُرضي الأطراف دون إهدار كرامة الشعوب.