جاءت الدعوة للحوار الوطني التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي في توقيت غاية في الأهمية وفى ظل أزمة عالمية مركبة ناجمة عن الآثار السلبية التي خلفتها جائحة كورونا وعواقب الصراع الروسي الأوكراني .
تلك الازمة التي تسببت في إرتفاع مستويات التضخم العالمية وحالة من الكساد وأزمة سلاسل الإمداد كما أشار إلى ذلك وبحق الرئيس السيسي في كلمته خلال حفل إفطار الأسرة المصرية.
وجدير بالذكر أن الحكومة المصرية قد قامت بتنفيذ برنامج شامل للإصلاح الإقتصادي خلال الفترة الماضية إعتمد على ثلاثة محاور أساسية أولها تثبيت أوضاع الإقتصاد، أي تخفيض العجز في الموازنة العامة عن طريق إعادة النظر في سياسات الإنفاق العام، وذلك بخفضه في العديد من المجالات، خاصة الدعم السلعي. برنامج شامل وتعديل النظام الضريبي عن طريق إدخال الضريبة على القيمة المضافة وتطبيق الضرائب علي العقارات المبنية وتعديل هيكل الجمارك، مع اتباع سياسة جديدة للإستثمار الحكومي تركز علي البنية الأساسية من طرق وكباري وتطوير العشوائيات والإسكان الإجتماعي، وكذلك إصلاح الخلل في الحساب الجاري لميزان المدفوعات عن طريق تعديل أسعار الصرف وإعتماد سعر صرف مرن يكفل إلغاء التقييم المفرط للجنيه المصري. وإعادة بناء الإحتياطيات الدولية، وإلغاء القيود على المعاملات الجارية، والعمل على إحتواء التضخم من خلال أدوات السياسة النقدية.
وثانيا إعادة التوازن الداخلي على المستوى الجزئي في إطار الإصلاح الهيكلي الذي يهدف إلى تحويل الإقتصاد عبر التأثير في القرارات الخاصة بالإنتاج والتوزيع والتجارة وتحرير الأسعار، بحيث تترك في معظمها لتحدد وفقا لآلية السوق. وذلك بهدف تحسين تخصيص الموارد وتشجيع الإستثمارات الخاصة إنطلاقا من فرضية أساسية مؤداها أن الأسعار التي كانت سائدة تتسم بالجمود ولا تعكس التكلفة الحقيقية للسلع والخدمات.
كما تنطوي على درجة عالية من التشوه. وفي هذا السياق تم رفع أسعار العديد من السلع والخدمات الحكومية.
وثالثا علاج الآثار السلبية لهذه السياسة، على الدخول الحقيقية للفئات الفقيرة، بتقوية شبكات الأمان الإجتماعي وتعزيز المؤسسات الأخرى للتخفيف من وطأة هذه الإجراءات على الفئات المتضررة حيث تم التوسع في برامج تكافل وكرامة والأسر المعيلة وغيرهم.
وبعد أن قطعت هذه السياسة شوطا لا بأس به، يصبح التساؤل هو ما هي النتائج المترتبة على الأوضاع الإقتصادية عموما؟ وهل ستؤدى هذه السياسة إلى زيادة إنتاجية وتنافسية المجتمع المصري أم لا؟ ماهي تركيبة النمو ومدى قدرته على الاستمرارية؟ ماهي نوعية الوظائف التي ولدها هذا النمو وهل هي وظائف دائمة أم انها وظائف مؤقتة وتعمل في القطاعات غير الرسمية خاصة التشييد والبناء والنشاط العقاري؟ .
ويمكننا القول إن جوهر المشكلة الإقتصادية يكمن في أننا نستهلك وندخر ونستورد بأكثر بكثير مما ننتج ونستثمر ونصدر، حيث نلحظ أن هناك ثباتا نسبيا في قطاعات الإنتاج السلعي، بل تراجعها، إذا ما استبعدنا النفط ومنتجاته، ناهيك عن ضعف الإنتاجية، ولا يخفى ما لذلك من آثار خاصة أن القطاعات الإقتصادية تتشابك مع بعضها البعض، الأمر الذي يؤدى إلى إستمرار الإختلالات الهيكلية في الإقتصاد، والتي تظهر من خلال عدة مؤشرات.
أهمها إنخفاض معدل التشغيل وتراجع الطلب الكلى في المجتمع. هذا في الوقت الذي أهملت فيه الصيانة في مرافق الطاقة والنقل ومياه الشرب والصرف الصحي، وطغيان التوسع الحضري والعمراني على الرقعة الزراعية الخصبة، وكذلك مشكلة الزيادة السكانية وآثارها المختلفة. البدائل المثلي والتنمية هي الوسيلة المثلى لإحداث النقلة الموضوعية المطلوبة للمجتمع وبالتالي رفع مستوى الرفاه الإقتصادي والإجتماعي لجميع الأفراد.وهي ليست تطورا تلقائيا، تحدث من تلقاء نفسها، بل هي عمل إيجابي يهدف إلى النهوض بأوضاع وقدرات المجتمع، وبالتالي فهي عمل إرادي ينعكس فى سياسات واضحة يتقبلها المجتمع ككل فى ضوء أهداف واقعية محددة.
إذ أن اختيار بديل تنموي معين لا يعد عملا فنيا محايدا على الإطلاق، وذلك لأن كل بديل ينطلق من رؤية معينة ومصالح محددة وتترتب عليه نتائج مختلفة لفئات المجتمع، بل إن اختيار بديل معين قد يترتب عليه إتخاذ مواقف معينة تجاه قوى أو دول أخرى. من هنا تأتى أهمية الحوار المجتمعي للوصول إلى أفضل البدائل التنموية المتاحة لتحقيق الأهداف التنموية المنشودة.
ويمكننا القول إن الإنطلاق بأى عملية تنموية في مصر يواجهه تحد رئيسي هو كيفية تحول المجتمع إلى مجتمع منتج خاصة في ظل تراجع الإنتاجية بصورة كبيرة؟ ويدفعنا للتساؤل عن الكيفية التى يمكن بها إحداث النقلة المطلوبة فى المجتمع وجعله أكثر كفاءة وقدرة على التعامل مع الأساليب التكنولوجية الحديثة واستيعابها داخل الإقتصاد القومى؟
وهذه التساؤلات وغيرها من الأهمية بمكان بحيث يجب أن تحتل صدارة المناقشات الجارية حاليا حول سبل مواجهة تحديات الوضع الراهن بكل مافيها من مشكلات. وهو ما يشير إلى أن تحريك عملية الإصلاح الإقتصادي، إلى ما هو أبعد من وضعها الحالي يتطلب بالضرورة حوارا جادا ومكثفا حول هذه القضايا وإعادة تعريف العقد الإجتماعي مما يسهم كثيرا في إحياء الحياة السياسية المصرية.
إذ أن الحوار العلمي الجاد، البعيد عن المزايدات السياسية، حول قضايانا المستقبلية يمكن أن يؤدى إلى رؤية واضحة المعالم، ووضع خريطة كاملة للإصلاح الإقتصادي الشامل الذي يؤدى لإنهاض القدرات الكامنة في المجتمع. وهكذا فإن جدول أعمال المستقبل حافل بالعديد من القضايا الأساسية والمنهجية التى تحتاج إلى المزيد من التأمل وإعمال الفكر عبر دراسة التاريخ والتحليل العميق لأخطاء الماضي والإبتعاد عن التأكيدات السريعة والمشحونة بالإنفعالات. وهكذا يجب البعد عن الأفكار البالية والرجوع عن الكتب العتيقة المتربة والبحث فى آليات جديدة. وهو ما يحتاج وبحق إلى بناء العقل النقدي والخلاق بإعتباره إحدى الآليات الداعمة للنهضة المصرية المنشودة.