لا صوت يعلو على حتمية احتواء نمو الصين، تلك هي -باختصار- أبسط وصفة لفهم مغزى الجولة الآسيوية للرئيس الأمريكي، بايدن، وفيما تبدو طوكيو منسجمة مع هذا التوجه، أظهرت سول حرصًا على مصالحها الإقليمية، حتى لا تغضب بكين.
يوم الجمعة الماضي، بدأ بايدن جولة آسيوية، تشمل كوريا الجنوبية واليابان، وهي الزيارة الأولى للدولتين، الحليفتين، منذ توليه مهام منصبه في أوائل العام الماضي. سفير الولايات المتحدة في طوكيو، رام إيمانويل، صرح بأن جولة بايدن الآسيوية تمثل “تحذيرًا للصين بأن الوجود الأمريكي في المحيط الهادئ قوي”، في حين، أكد مستشار الأمن القومي في واشنطن، جاك سوليفان، أهمية زيارة بايدن في وقت يرد فيه العالم على الغزو الروسي لأوكرانيا، مشيرًا إلى أن الرئيس بايدن ينتوي اغتنام اللحظة للتأكيد على القيادة الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. القمة الكورية الجنوبية – الأمريكية، التي شهدها القصر الرئاسي الجديد، في منطقة يونجسان بالعاصمة سول، أمس الأول، السبت، استغرقت ساعتين بدلا من 90 دقيقة، وبايدن هو أول رئيس يزور القصر الجديد، بل هو أول رئيس دولة، يلتقيه الرئيس الكوري الجنوبي، يون صوك يول، بعد 11 يومًا -فقط- من تسلمه للسلطة.
كوريا : ظروف صعبة قبيل وصول بايدن لـ سول، وفي أول خطاب ألقاه الرئيس يون صوك يول أمام البرلمان الكوري، أشار إلى أن الظروف الاقتصادية، التي تواجهها كوريا الجنوبية صعبة للغاية، ووصفها بحالة أزمة معقدة ناجمة عن تداعيات كورونا، وصراعات الهيمنة بين الولايات المتحدة والصين، والتضخم العالمي، ومشكلة سلاسل التوريد العالمية، والغزو الروسي لأوكرانيا، وتهديدات عسكرية خطيرة، بسبب تعزيز كوريا الشمالية نظام أسلحتها النووية. لذلك، أعربت سول عن تطلعها إلى إعادة تأكيد التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن كوريا الجنوبية، على خلفية قيام الشطر الشمالي باستعراض قوته الصاروخية والنووية، كما رغبت في إعادة بناء الموقف الدفاعي والمناورات العسكرية المشتركة -بين سول وواشنطن- إلى مسارها الصحيح، بعد توقفها بأمر من الرئيس السابق، مون جيه-إن، بسبب محاولات إدارته لتسهيل الحوار مع بيونج يانج. أهم بند سعت كوريا الجنوبية إلى إثارته مع الجانب الأمريكي يتركز في وجوب استئناف التدريبات العسكرية، واسعة النطاق، وإعادة تنشيط المجموعة الإستراتيجية والاستشارية للردع، التي جرى تعليق عملها خلال ولاية مون.
ماذا يعني الردع يشير مصطلح الردع الموسع إلى نشر مجموعة كاملة من الأصول العسكرية والنووية الأمريكية، لتمكين واشنطن من الدفاع عن حلفائها، وفي حالة نشر هذه القدرات بأراضٍ بكوريا الجنوبية، سيستفز الشطر الشمالي والصين، بكل تأكيد. تلك التطلعات الكورية الجنوبية، ووفقًا لنتائج قمة الزعيمين، يون وبايدن، فقد ظهر تلبيتها، حيث أعلنا -في مؤتمر صحفي مشترك- أنهما ناقشا سبل تطوير التحالف الثنائي إلى تحالف إستراتيجي عالمي شامل، كما أكدا ضرورة نزع السلاح النووي من كوريا الشمالية بالكامل، مع الإشارة إلى أن باب الحوار لا يزال مفتوحًا. فيما يتعلق بالدفاع، اتفق الجانبان على بدء محادثات حول توسيع التدريبات العسكرية المشتركة، وإعادة تفعيل إستراتيجية الردع الموسعة، والمجموعة الاستشارية، التي تم تعليق عملها، كما أعادت الولايات المتحدة تأكيد التزامها بنشر الأصول الإستراتيجية، إذا لزم الأمر، وفي الوقت المناسب، وعلى نحو منسق.
فخ إيبف الأمر الأكيد الذي سيغضب الصين هو إعلان سول، رسميا خلال زيارة بايدن، مشاركتها في مبادرة الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، IBEF، وينظر إليها على أنها تحالف يستبعد الصين من سلاسل التوريد العالمية. كوريا الجنوبية تسعى لكي تصبح دولة محورية عالمية، وتستضيف على أرضها قواعد عسكرية، وقوات أمريكية، يبلغ قوامها 28.5 ألف جندي، وتبذل سول مجهودات لتبديد مخاوف الصين تجاه مبادرة الإطار الاقتصادي، مشيرة إلى أن التجارة البينية بين سول وبكين وصلت إلى أعلى مستوياتها العام الماضي. مبادرة الإطار الاقتصادي كشف عنها بايدن في قمة شرق آسيا خلال شهر أكتوبر الماضي، لتعزيز التعاون الاقتصادي الأمريكي مع شركاء المحيطين الهندي والهادئ في المجالات الرئيسية، مثل: التجارة العادلة ومرونة سلسلة التوريد والبنية التحتية والطاقة النظيفة وإزالة الكربون.
مبادرة التحالف الإقتصادي الرئيس الأمريكي وصل طوكيو أمس، وغدًا، الثلاثاء، سوف تعقد قمة للحلف الرباعي، المعروف باسم مجموعة كواد، بمشاركة بايدن ورؤساء حكومات اليابان والهند وأستراليا، أعضاء الحلف المناوئ للصين، إضافة إلى عقد أول قمة افتراضية لتدشين الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ. 8 دول، بما فيها الولايات المتحدة، أعربت -حتى الآن- عن نيتها الانضمام للمبادرة، وتتكون مسودتها من 4 ركائز، تتناول استقرار التجارة، وسلاسل الإمداد، والطاقة النظيفة والبنى التحتية والتخلص من الكربون، بالإضافة إلى الضرائب وإجراءات مكافحة الفساد. في لقاء جمعه مع وزير الخارجية الياباني، هاياشي يوشيماسا، عبر الفيديو في 18 مايو الجاري، وزير الخارجية الصيني، وانج يي، أشار إلى أنه “ما يثير القلق واليقظة هو أن الحديث عما سمّي بالتحالف الياباني- الأمريكي ضد الصين قد أصبح متداولا، حتى قبل بدء زيارة الرئيس الأمريكي”، وهو ما يعكس رغبة الجانب الأمريكي في استعمال قدراته على تعبئة الرأي العام في العالم لنشر وتبرير خطاب مناهضة الصين، “الصينو فوبيا”؛ مما يعد مقوضًا للسلام والاستقرار الإقليمي والعالمي. بكين ترى أنه بالإضافة إلى لعب “الورقة الأمنية” و”الورقة العسكرية” كما في السابق، سيجلب بايدن معه هذه المرّة “الورقة الاقتصادية المعادية للصين”. وكشفت وزيرة التجارة الأمريكية، ماري رايموندو، في 17 مايو الجاري، أن بايدن سيعلن رسميًا عن إطلاق مخطط “الإطار الاقتصادي الهندي والهادئ” خلال زيارته لليابان، مع التركيز على “بناء مجالات مهمة في الاقتصاد وسلسلة التوريد لعقود مقبلة”، وهي خطة تسعى الولايات المتحدة من خلالها إلى “فصل” دول المنطقة عن الصين، وتأسيس دائرة مصغرة تقصي فيها الصين أمنيًا واقتصاديًا. أشارت بكين إلى أن واشنطن تفتخر بكونها “قوة مقيمة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ”، وهذا يحتّم عليها واجب الاهتمام بمنطقة تمثل أرضًا ساخنة للتعاون والتنمية، بدلًا من جعلها “ساحة معركة” تعود بالضرر على الجميع.