بإنعقاد الجلسة الأولى لمجلس أمناء الحوار الوطنى، تكون العجلة قد دارت، في الإتجاه الصحيح. ويصبح على الجميع ضرورة المساهمة فيه حتى يخرج معبرا عن جميع الآراء والتوجهات.
من هذا المنطلق نرى أن القضية الإقتصادية والتحديات التنموية يجب أن تحتل الصدارة في النقاش. خاصة بعد أن ألقت الأزمة العالمية الحالية ومن قبلها كورونا بثقلها الشديد على الإقتصاد المصري وانعكست بالسلب على جميع المتغيّرات والمؤشرات الإقتصادية، بحيث أصبح الإنتاج المحلي لا يكفي لتغطية الإحتياجات المحلية مما يزيد من فاتورة الواردات وعجز الميزان التجاري.
وبعبارة أخرى فإن مشكلتنا الإقتصادية تكمن في أننا نستهلك وندخر ونستورد، بأكثر مما ننتج ونستثمر ونصدر.
ومازالت نسبة مساهمة القطاعات السلعية فى الناتج المحلى محدودة للغاية، بل وتتجه للإنخفاض عاما بعد آخر.
هذا فضلا عما تتصف به الصناعة التحويلية من قاعدة صناعية ضعيفة، مصحوبة بإنخفاض في الإنتاجية. بل والمشكلة الأكثر أهمية للصناعة المصرية تكمن فى كون القيمة المضافة منها مازالت تبنى على الموارد الطبيعية وهو مالا يشجع على النمو الإقتصادي المرتفع.
أعباء جسيمة علي المستقبل
ولذلك، فإن معدلات النمو المتواضعة بفعل تباطؤ دوران عجلة الإنتاج في القطاعات السلعية والخدمية، خاصة القطاعات ذات الإنتاجية المرتفعة والنمو السريع تُلقي أعباءً جسيمة على المستقبل من حيث إمكانية دفع الطاقات الإنتاجية لتوليد فرص العمل المستهدفة في ظل إنخفاض معدلات الإستثمار والإدخار المحلى،
فضلا عن عدم القدرة على توفير الموارد العامة للدولة بالقدر الكافي للوفاء بالإحتياجات التنموية. كل هذه الأمور وغيرها تشير إلى أن المهام الملقاة على عاتق الدولة كثيرة ومتنوعة في ظل تحديات داخلية غاية فى الصعوبة والتعقيد، وعالم يموج بالتغييرات العاصفة وهو ما يدفعنا بالضرورة إلى طرح رؤية تنموية تهدف إلى المساعدة في إخراج الإقتصاد القومي من عثرته وعلاج الإختلالات الأساسية فى بنية الإقتصاد القومي.
وذلك عن طريق وضع مخطط تنموي متكامل للنهوض بالبلاد.وحشد جميع الطاقات القومية من أجل الإستخدام الأمثل للموارد المتاحة سواء بالقطاع العام أو الخاص والتعاوني من خلال السياسات المؤثرة الهادفة إلى تحقيق الأهداف التنموية بسواعد وفكر الإنسان المصري بهدف توفير إحتياجاته الضرورية وتحسين مستوي معيشته والإرتقاء به في جميع مواقع وجوده وبالإمتداد بهذا الوجود لتتضاعف المساحة التي يشغلها في مناطق جديدة غير مأهولة ونقل النشاط الإقتصادي والإجتماعي إليها،
علي حساب الفقراء
وذلك من أجل تحقيق أحد الأهداف الإستراتيجية للتنمية بتصويب الخريطة السكانية وتحقيق التوازن المكاني علي جميع ربوع مصر. على أن تتم هذه العملية وفقا لمبدأين أساسيين أولا الإلتزام السياسى بألا يكون الإصلاح الإقتصادى على حساب الفقراء ومحدودى الدخل،
وثانيا الإرتباط الوثيق بين التنمية الإقتصادية والتنمية البشرية، وانه من واجب السياسات العامة وهى تعمل على تحقيق زيادة مطردة فى الناتج القومى أن تؤكد كل مايضمن أن تتوزع عوائد النمو بين جميع فئات المجتمع وبين مختلف أرجاء الوطن.والتحول من إقتصاد حمائى إلى إقتصاد تنافسي، ومن إقتصاد يعتمد على الدعم والمعونات الخارجية إلى إقتصاد يعتمد على الذات.
ولهذا يصبح من الضرورى العمل بمفهوم التنمية الإحتوائية الشاملة والتى ترى أن النمو وعدالة التوزيع وجهان لعملة واحدة وأن العدالة الإجتماعية تعد قوة دافعة للنمو الإقتصادى. وذلك انطلاقا من أن السياسات الملائمة للنمو الإقتصادي طويل الأجل، هي تلك التي ترتبط بتحسين توزيع العوائد الإقتصادية على جميع قطاعات وفئات المجتمع. وحجر الزاوية هنا هو زيادة التشغيل ورفع الإنتاجية.
وهذا لن يتم إلا عبر تفعيل آليات السوق الإجتماعية وتنشيط جهاز الأسعار وتدعيم القطاع الخاص مع رفع كفاءة الدولة فى إدارة العملية الإنتاجية.
تدعيم القواعد الإنتاجية
وهو ما يتطلب أولا إحداث التغييرات الهيكلية التي تساعد على زيادة القدرة على إيجاد فرص عمل وتوليد الدخول لكل فئات المجتمع. وذلك بتدعيم القواعد الإنتاجية القائمة وإزالة المعوقات التي تحول دون تفعيلها. مع مراعاة الفئات الإجتماعية الضعيفة ومحدودي الدخل عن طريق زيادة قدرتهم على الكسب وإصلاح سياسة الدعم. ومحاربة الفساد بمختلف أشكاله، وتحقيق الإصلاح الإدارى المنشود.
لكل ما سبق يجب العمل على تسهيل بناء القواعد الإنتاجية وتعبئة الموارد المحلية وإستخدامها أفضل إستخدام ممكن من خلال التوسع المنظم والفعال في بناء القواعد الإنتاجية وتطبيق سياسات عاجلة لتحفيز الإستثمار(الخاص والعام) والنشاط الإقتصادي عموما،
وذلك عن طريق إيجاد بيئة اقتصادية قوية ومستوى صناعي معقول ونمو زراعي يساعد على تلبية الاحتياجات الأساسية. والإستفادة المثلى من الطاقات المتاحة. على أن يتم ذلك من خلال تشجيع النمو المكثف للتشغيل ودعم القطاعات الحديثة سريعة النمو وقطاع الصناعات التصديرية والصناعة التحويلية بحيث ترتفع الإنتاجية وتزداد فرص العمل. وزيادة القدرة التنافسية للصناعات التصديرية.
ورفع معدل الإستثمار مع العمل على زيادته سنويا ليتراوح بين 30%و35% في الأجل المتوسط، ليتحقق معدل النمو المستهدف واللازم لإستيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل. وتوجيه الإستثمار العام نحو إستكمال وتطوير وتنمية البنية الأساسية.مع إحكام السيطرة على المنافذ لإيقاف التهريب والذى أغرق السوق المحلية بالعديد من السلع مما أثر بالسلب على الصناعة المحلية. وتفعيل قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الإحتكارية وقانون حماية المستهلك.
وكلها أمور تتطلب توفير بيانات حديثة عن حالة الإقتصاد، على أعلى درجة من الدقة والصحة حتى يتثنى للمستثمر الجاد إجراء دراسات الجدوى السليمة لمشروعاته المتوقعة مستقبليا.
تلك بعض القضايا التنموية المهمة التي ينبغي أن تكون محورا للنقاش في الحوار الوطنى القائم حاليا بغية إحداث النهضة التنموية المطلوبة للبلاد.