بقلم: سابين ستراتمان
مراكش، المغرب
طالبة في جامعة فرجينيا، متدربة في مؤسسة الأطلس الكبير، المغرب.
على بعد ثلاثين دقيقة من صخب الشوارع والأسواق المليئة بالثعابين في مراكش، يمتد وادي أوريكا البهيج. وبجنبات توبقال، أعلى قمم جبال الأطلس الكبير، تربعت تعاونية تبتبيرين نوزاغار النسائية بين المباني القديمة واتخذت هنالك مقرًا لها. وهو نفس المبنى الذي احتضن تنظيم ورشة التمكين الذاتي، دورة أشرفت عليها مؤسسة الأطلس الكبير على امتداد أربعة أيام في شهر يونيو. حضر اللقاء ست وعشرون امرأة، تتراوح أعمارهن بين 28 و63 عاما، يعشن في قرية بوطبيرا، جماعة أوريكا. حيث ركز هذا التكوين المجاني، الذي استمر أربعة أيام، على محاولة اكتشاف الذات، وفهم العواطف، والعلاقات، والحياة الجنسية، والجسد، والادارة المالية، والعمل الطموح بالرغم من القيود التي يضعها المجتمع أحيانا، والعائلة أحيانا أخرى.
استمعت الحاضرات، المتألقات بحجاب وفساتينهن طويلة تزينها العقد والألوان الزاهية، وأصغين باهتمام إلى مسيرة الورشة، جلسن في شكل نصف دائري تحت نافذتين بزجاج ملون وهواء منعش. أحضرت بعض النساء أطفالهن الرضع أو الأطفال الصغار معهن، واضطرت أخريات لمغادرة القاعة للاطمئنان على أطفالهن، ولو لهنيهة، في منتصف الحصص اليومية خلال مراحل التدريب الذي استمر ثماني ساعات. كانت الجدران، المحيطة بفضاء تدريب النساء على اكتشاف الذات، مليئة بالثقوب، مما صعب تجاهل صوت الماعز في الخارج إلى حد ما. ولأن أعضاء التعاونية استأجروا الغرفة، فقد وضعت كومة من السجاد والحقائب المصنوعة يدويا في زاوية القاعة المخصصة للتدريب. وتعكس السجادات، التي صنعتها أعضاء التعاونية، حالة فريدة من تألق النساء – وكانت كل أعمالهن الحرفية لافتة للانتباه بأشكالها وتصاميمها المبتكرة.
كم هو جميل معرفة أن اثنتا عشرة امرأة، ممن حضرن تدريب مؤسسة الأطلس الكبير، هن أعضاء في تعاونية تبتبيرين نوزاغار التي بزغ فجرها في بداية جائحة فيروس كورونا، الأمر الذي صعب لا محالة مهمة المجموعة لجذب المزيد من الأعمال. وتركز هذه النساء الطموحات على العمل الحرفي، حيث يصنعن السجاد الحديث والتقليدي والملابس والأعمال المطرزة يدويا. كانت الإيرادات المحدودة جدا المحصلة عقب تأسيس التعاونية سبب مباشرًا في قلة الأدوات والمواد اللازمة لمواصلة أعمالهن – الشيء الذي جعل عددًا من النساء مضطرة لدفع مصاريف المواد الأساسية لإنجاح الأعمال بأنفسهن.
يؤكد صندوق النقد الدولي أن 25٪ فقط من النساء يعملن في الاقتصاد الرسمي. وإضافة إلى أن العلاقات والأسر التقليدية تفرض على المرأة تقمص دور العاملة المنزلية في الأسرة، أي القائمة بأمور تربية الأطفال، والطهي، والتنظيف، وغيرها من المهام، فإن النساء في المناطق القروية عليها أيضا القيام بعمل مضن خارج البيت. ذكرت النساء المشاركات في ورشة التمكين الذاتي أن هذا الحكم المجتمعي المتمثل في الاهتمام بالآخرين فقط يثقل كاهلهن، وغالبا ما يؤدي إلى نسيان الرعاية الذاتية، أو أنه أحيانا يسبب لهن صدمات حادة.
وكان الشعور الأكثر شيوعا الذي عبرت عنه النساء هو أن احتياجات أسرهن ومجتمعهن المحلي تبدو وكأنها أهم وأولى من احتياجاتهن. وروت النساء قصصا عن المصاعب التي يعشنها بسبب هذا الشعور، حيث تذكرت إحدى النساء كيف أنجبت صديقتها الحامل في حقل أثناء مزاولة عملها اليومي، والغريب هو أنها واصلت عملها على الفور مع الطفل المربوط على ظهرها. على الرغم من انتشار ثقافة النظر إلى الجانب السلبي في الناس، إلا أن العديد من النساء شعرن بالضعف بما يكفي للتعبير عن آمالهن ومخاوفهن على أمل خلق الحياة التي يردنها أكثر من أي شيء آخر. عبرت النساء عن مجموعة من المشاعر الايجابية في كل مرحلة وعند نقاش مختلف المواضيع، تضمنت أحاسيسهن الكثير من الضحك، وبعض الدموع، وطغى عليها الأمل في مستقبل مشرق.
على دفات وصفحات الورشة، وبين سطور القصص المتداولة، عبرت النسوة لبعضهن البعض عن العزاء مرة، والمشورة مرة أخرى. وعندما طرح السؤال حول ما الذي ستفعله كل امرأة إذا أعطيت مبلغا لا حصر له من المال، أجمعن على توفير ذلك القدر لخدمة المجتمع الأكبر. هنا، وعلى الرغم من أنهن منحن فرصة افتراضية للاهتمام بأنفسهن، إلا أن بعضهن آثر تأسيس مدرسة ثانية للقرية، في حين أشارت أخريات إلى رغبتهن في إصلاح مشاكل السباكة التي استمرت 14 عاما. واستمر النقاش في هذا الاتجاه النبيل المتمثل في رعاية الآخرين طيلة مراحل الورشة، ولكن عبارات الاستعداد والجدية لم تغادر أوجه الحاضرات ولو لوهلة.
خلال هذه الأيام الأربعة، قررت ست وعشرون امرأة، تنحدر من قرية بوطبيرا، العمل على تحقيق أهدافهن، لا لغاية في أنفسهن فقط، ولكن لمساندة والمساهمة في تنمية مجتمعهن ككل أيضا. وبينما كان البعض يرضعن أطفالهن، الذين يبكون تارة ويضحكون أخرى خلال فترة التكوين، عم المكان شعور بالتفاؤل والإيمان بالمستقبل المشرق بين النساء. وساهم حس الرفقة والتآخي بين النساء في أن ينفتحن تماما في التعبير عن أنفسهن بأريحية وصراحة حتى أمام عدد قليل من الأشخاص لم يتعرفن عليهن إلا في التدريب. وبسبب هذه العفوية والانفتاح على التعلم من خلال المشاركة في الورشة التي استمرت 32 ساعة، عقدت النساء العزم على مراجعة الطبيب بسبب قلة نومهن، والعودة إلى المدرسة، ومتابعة أحلامهن في أن يصبحن فاعلات بجد، وفي تعلم القراءة والكتابة بحضور المزيد من التداريب. بالإضافة إلى ذلك، قررت النساء أن يجتمعن مع الممثلين في قريتهن ومناقشة سبل التوسط في معالجة مشاكل السباكة، وطرح آفاق حضور الورشات معا من أجل تحسين قنوات التسويق والإعلان لسلع تعاونياتهن، سعيا منهن لتحقيق والحفاظ على الاستقلالية المالية.
سابين ستراتمان،