قد يظن أحدهم أن السجاد مجرد قطعة عادية تُفرش في المنزل أو المكتب أو في فندق ما، وهو أمر سعى النساجون الشرقيون في مصر إلى تغييره. تقول ياسمين محمد فريد خميس، رئيس مجلس إدارة الشركة متعددة الجنسيات لتصنيع البسط والسجاد: “على مدار 15 عامًا الماضية، حاولنا تغيير فكرة السجاد من كونه ضرورة عند تجهيز غرفة ما، ليصبح عنصرًا مضافًا من الموضة إلى أناقة المكان وتصميمه”.
تصنيع السجاد
ويسهم ذلك ببيع الشركة نحو 48 قطعة من البسط والسجاد في الدقيقة الواحدة، بما يصل إلى 69,120 قطعة يوميًا. وكانت النتيجة تحقيق إيرادات مرتفعة، إذ بلغت حوالي 600 مليون دولار في عام 2021، والسيطرة على حصة %16من سوق السجاد العالمية، وفقًا للمجموعة. وقد أسس المجموعة رجل الأعمال المصري محمد فريد خميس عام 1979، وتعد من أكبر مصنعي السجاد المصنوع آليًا في العالم، كما لديها مصانع في مصر وأميركا.
كجزء من مجموعة الشرقيون تنتج الشركة 114 مليون متر مربع من السجاد سنويًا، وتصدر أكثر من %65 من السجاد، بينما تعد أميركا أكبر أسواقها وشركة ايكيا أكبر عملائها. وبلغت القيمة السوقية للشركة المدرجة 240 مليون دولار في أغسطس/آب 2022.
الجيل الثاني يتولى قيادة النساجون الشرقيون
أشرف خميس على إمبراطورية السجاد حتى وفاته عام 2020، تاركًا أعمال العائلة لأبنائه ال 3 للمساعدة في قيادتها.
في حين عُينت ياسمين، أكبر أبنائه، رئيسة لمجلس إدارة شركة النساجون الشرقيون في أكتوبر 2020.
وتشغل أختها فريدة مقعدًا في مجلس الإدارة، وتتولى منصب نائب رئيس مجلس الإدارة لشؤون التمويل، فضلًا عن رئاستها أعمال البتروكيماويات والتعليم التابعة للمجموعة. أما شقيقهما محمد، فهو أيضًا عضو في مجلس الإدارة. ومع تولي الجيل الجديد قيادة الشركة المصرية ذات السمعة المعروفة في المنطقة، تستمر النساجون الشرقيون بتعزيز إرثها لتظل في الريادة بين قادة القطاع.
توجه المجموعة تركيزها الرئيسي اليوم، نحو تطوير الأعمال وتقديم أفكار جديدة. توضح ياسمين: “نعمل حقًا على تشكيل ثقافة النساجون الشرقيون وتغييرها”. ويتضمن ذلك جذب مواهب جديدة إلى القوة العاملة التي أنشأها والدها، إذ كان يدعم فكرة تنمية الموظفين ليعرفوا كل شيء عن مجال الأعمال عن ظهر قلب، واستبقائهم على المدى الطويل.
توضح ياسمين: “لدينا الكثير من الأفراد المخلصين للغاية، وهم من أسسوا الأعمال حقًا”. لكن الأوقات تتغير، وقد أصبح على الشركة الآن التعامل مع سوق شديدة التنافسية في القطاع، إذ تتزايد الصادرات القادمة من تركيا والهند وغيرهما. وتضيف: “أصبحت صناعة السجاد مجالًا شديد التنافسية،ويرتفع المعروض عن الطلب بشكل كبير في جميع أنحاء العالم”.
تطوير الأعمال وتبني الاستراتيجيات الجديدة
وهذا يعني أن النساجون الشرقيون تركز على خطة التصنيع الخالي من الهدر والتفوق التشغيلي، بما في ذلك الدفع نحو رقمنة الأعمال. في عام 2021، طبقت النساجون الشرقيون نظام تخطيط لموارد المؤسسة، وتتطلع الآن إلى إدخال المزيد من الأدوات الرقمية في متاجرها. كما عملت أيضًا مع مستشارين من شركة ماكينزي في الأشهر الأخيرة لتطوير عملياتها.
يأتي ذلك ضمن استراتيجية جديدة تبنتها المجموعة لـ3 أعوام مقبلة، تركز على تحقيق النمو المربح. ولطالما شهدت النساجون الشرقيون نموًا متزايدًا، سيما أن المؤسس كان متعطشًا دائمًا لزيادة حصته في السوق وفقًا لياسمين. أما الآن، فالربحية محط اهتمام. وتفيد فريدة إن أعمال البتروكيماويات وقطاع التعليم التابع للمجموعة، تخضع أيضًا لتحديثات مماثلة. تقول: “تتمثل رؤيتنا في مواصلة إرث والدنا، وتطوير الأعمال، ومتابعة النمو دون التخلي عن أحلامه”.
حتى الآن، شهدت النساجون الشرقيون أداء جيدًا تحت إشراف الجيل الثاني. فقد ارتفعت إيرادات الشركة في عام 2021 بنحو %20 مقارنة بعام 2020، مع صافي أرباح بلغ نحو 62 مليون دولار، بزيادة قدرها %8.9. تقول ياسمين: “كان العام الماضي استثنائيًا من حيث البيع بالتجزئة والإيرادات وصافي الأرباح”. وتضيف: “شهدنا إحدى أكبر الكفاءات الإنتاجية لدينا في تاريخ المجموعة”.
مواجهة التحديات
وبالرغم من تحديات سلسلة التوريد، حظيت الشركة بارتفاع في الطلب. ونظرًا إلى الجائحة، إذ اضطر الكثير من الأشخاص للبقاء في المنزل والعمل عن بُعد، شغل العديد منهم وقته بالتسوق، لا سيما في العديد من الأسواق مثل أميركا وأوروبا. وكانت المفروشات المنزلية أحد أكثر المنتجات التي ارتفعت مبيعاتها.
لتلبية هذا الطلب، دفعت النساجون الشرقيون نحو تحسين قدرات الإنتاج حتى لا تُهدر هذه الفرصة. كما واصلت تطوير مجموعة منتجاتها، كجزء من استراتيجية إعادة ابتكار المنتجات باستمرار لجذب العملاء.
ومن هذا المنطلق، يُصنع سجادها آليًا، مما يسمح للشركة بتوفير قطع بأسعار معقولة مقارنة بنظيراتها المصنوعة يدويًا. وقد تمثل الهدف النهائي في جعل العملاء يغيرون سجادهم كل 3 إلى 5أعوام، مع المقارنة بالمنتج من علامات تجارية أخرى مثل (Zara)أو (H&M). تقول ياسمين: “السجاد الذي ننتجه يواكب أحدث صيحات الموضة، بتصاميم تشبه تلك المصنوعة يدويًا لكن بأسعار معقولة”.
فيما تعد شركة (Sobel) من بين أقدم عملائها، وهي موزع سجاد في شمال إيطاليا تبيع للسلاسل والمتاجر وتجار الجملة ونحوهم. يقول فرانشيسكو جيوردانو، مالك (Sobel): “نحتاج إلى مجموعة متنوعة من المنتجات لتناسب أنواعًا مختلفة من العملاء، مع تنوع الجودة وتراوح الأسعار من رخيصة إلى متوسطة السعر”. وقد وفرت شركة النساجون الشرقيون ذلك، مما جعلها موردًا رئيسيًا للشركة.
مع ذلك، عاد الطلب إلى مستواه العادي منذ ذلك الحين، إذ توجه المستهلكون إلى إنفاق أموالهم في السفر والترفيه عام 2022، لكن المزيد من الاضطرابات العالمية جلبت معها تحديات جديدة. تقول ياسمين إن هذا يجعل القطاع يعمل لأجل البقاء واجتياز هذه المرحلة، مما يؤكد أهمية التركيز على تغيير المنتجات وجعلها في متناول الجميع، لتحفيز المبيعات. بينما أعلنت الشركة مؤخرًا تصفية وحدة أعمالها في الصين. ورغم التوقعات المستقبلية القاتمة، يبدو أن الشركة تفعل ما بوسعها في ظل الوضع الراهن لتحقيق أقصى استفادة ممكنة.
أداء الشركة
تقول مارينا ويليام، محللة بحوث الأسهم في بنك الاستثمار المصري الأهلي فاروس: “كان أداء النساجون الشرقيون لعام 2022 إيجابيًا حتى الآن، نظرًا للعديد من الظروف الصعبة في السوق المحلية والعالمية”. وتوضح: “قد نشهد ارتفاعًا قويًا في المبيعات خلال النصف الأول من العام، على خلفية الأسعار وحجم المبيعات”. فيما مثّل سوق التصدير تحديًا خاصًا، إذ أدى التضخم إلى تغيير سلوك الإنفاق الاستهلاكي، حسب ويليام، التي أشارت إلى أن الشركة تمكنت من إعادة التوجيه نحو السوق المحلية، على الرغم من أن هذا يمثل تحديًا بسبب انخفاض قيمة الجنيه المصري.
مع ذلك، تتوقع ويليام أن تشهد النساجون الشرقيون تقدمًا في النصف الثاني من العام، مع انخفاض أسعار السلع العالمية. إلا أن المزيد من خفض قيمة العملة المصرية قد يؤثر على المبيعات المحلية. لذا، تهدف النساجون الشرقيون إلى تحقيق نمو بنسبة %11 في سوق التصدير في عام 2022، بينما تخطط أيضًا لافتتاح صالات عرض جديدة في مصر.
أما عن التوقعات المستقبلية، فتجد الشركة طرقًا جديدة للنمو والتقدم دائمًا، وفقًا لويليام، سواء عن طريق دخول أسواق جديدة أو من خلال توسيع قاعدة العملاء في المناطق الحالية. تقول: “قدرتها على مواكبة متطلبات السوق الحالية وديناميكياتها، ستؤدي دورًا حاسمًا في نموها عام 2023 وما بعده، إذ أسهمت منصتها الإلكترونية المؤسسة حديثًا في مبيعات النصف الأول بنسبة %20 تقريبًا”.
التحول نحو التجارة الإلكترونية
في ضوء ذلك، تعد التجارة الإلكترونية من بين اتجاهات عدة في القطاع ينبغي على النساجون الشرقيون مواكبتها. بينما الاتجاه الآخر هو الاستدامة، التي ذكرت ياسمين أنها أصبحت مهمة في أسواق مثل المملكة المتحدة والدول الإسكندنافية. لذلك أطلقت النساجون الشرقيون في عام 2021 خط إنتاج جديد مصنوع بالكامل من مواد معاد تدويرها، يمكن تتبع مصدرها خلال عملية التصنيع. فيما تلقت في عام 2017 تسهيلات تمويل الاقتصاد الأخضر من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، للمساعدة في تحول الشركة إلى استخدام آلات أكثر كفاءة من حيث الطاقة في منشآتها.
بالتالي، تدل هذه التطورات جميعها على كيفية تطور المجموعة. وإذا نظرنا إلى الماضي، كان محتملًا أن تتحول أعمال عائلة خميس نحو اتجاه آخر بسهولة، لكنها أصبحت كما هي اليوم بفضل الدافع الريادي لمؤسسها.
مؤسس المجموعة
درس محمد فريد خميس المحاسبة، وعمل في البنك الأهلي المصري. لكنه غادر مصر في عام 1967 بعد معارضة الحكومة، وتوجه إلى الكويت. هناك عمل في بيع السجاد، وأسس مشروعًا تجاريًا ناجحًا لاستيراد السجاد إلى الشرق الأوسط. وبوصفه تاجرًا، اشترى خميس المنتجات من المصانع في جميع أنحاء العالم لبيعها إقليمياً، مما منحه خبرة في القطاع عن الأسواق العالمية. وفي النهاية وضع خططًا لافتتاح مصنع، وهذا ما فعله بعد عودته إلى الوطن في عام 1979، بفضل سياسة “فتح الأبواب” التي نهجها الرئيس المصري الراحل أنور السادات.
في هذه المرحلة ساعدته فطنته وحسه التجاري، إذ تقول ياسمين: “كان مجازفًا كبيرًا،وكان حقًا رائد أعمال بمعنى الكلمة”. إذ خطط للتصدير إلى الخارج فورًا. كما كان البحث والتطوير موضع تركيز كبير، إذ أنفق خميس بقوة على التقنيات الجديدة، وسعى دائمًا لمضاعفة الإنتاج مرتين. وتطلع إلى تحقيق التكامل الرأسي في الأعمال أيضًا، الذي شهد إنشاء أعمال البتروكيماويات لإنتاج البولي بروبلين، إذ كانت من المواد الخام المهمة لشركته ولصناعة البلاستيك في مصر. كذلك أسفرت استراتيجيته في تجنب المخاطر أيضًا، عن إنشاء أذرع لأعمال العقارات والسياحة.
تستذكر فريدة: “اشترى الأراضي في مناطق محددة مثل البحر الأحمر، الخالية من المطارات للاستفادة من الطلب هناك”. وبالنسبة لتسويق العلامة التجارية، سعى نحو التعاون مع العديد من الجهات مثل: بوب ماكي وعمر الشريف، ومجلة ناشيونال جيوغرافيك وغيرها.
في عام 1997، طرح خميس النساجون الشرقيون في البورصة المصرية، مما عزز مكانته بوصفه رجل أعمال محليًا بارزًا، ومنحه منصة مهمة. وإلى جانب خدمته في البرلمان، كان خميس متحمسًا لرد العطاء، مما دفعه لإنشاء مؤسسة تعليمية وإطلاق الجامعة البريطانية في مصر عام 1998، التي يدرس فيها اليوم أكثر من 11 ألف طالب.
رحلة الجيل الثاني في تسلم الأعمال
خلال ذلك، كبر أبناؤه مع الشركة. لكن تقول الأختان إن والدهما لم يفرض عليهما اتباع خطاه أبدًا. لم يكن من النوع الذي يأخذهم معه إلى المكتب كل يوم عندما كانوا صغارًا، على الرغم من أنهم كانوا يتغيبون عن المدرسة كل عام للسفر معه إلى معرض ما لصناعة السجاد. لكن، مثل العديد من الشركات العائلية في المنطقة، كان الانضمام إليها أمرًا طبيعيًا. تقول ياسمين، التي انضمت إلى شركة النساجون الشرقيون في عام 1999: “كان دائمًا أمرًا بديهيًا”.
درست ياسمين الاتصال التسويقي المتكامل في الجامعة الأميركية في القاهرة، ثم التحقت لاحقًا بدورة دراسية في معهد برات في نيويورك لاستكشاف نظريات الألوان والتصميم. كما أمضت بعض الوقت في ولاية كارولينا الشمالية، التي تعد مركزًا لصناعة النسيج الأميركية، إذ درست أساسيات الصناعة.
انضمت بعد ذلك إلى شركة العائلة، وكان مكتبها ضمن مكتب والدها حتى تتمكن من الاستماع والتعلم منه. تستذكر قائلة: “بدأت المشاركة في أعمال تطوير المنتجات والتسويق، والعمل على مواقع الويب، وزيارة المصنع، وزيارة منافذ البيع”. ومن هناك شغلت العديد من المناصب التنفيذية، وعملت مديرة في الشركات التابعة للمجموعة.
في حين التحقت فريدة أيضًا بالجامعة الأميركية بالقاهرة، إذ درست إدارة الأعمال. وشاركت والدها اهتمامه بالتمويل والمصارف، إذ تدربت لدى مصرف “سيتي بنك” في نيويورك، كذلك مع بنك الاستثمار المصري “المجموعة المالية هيرميس” قبل انضمامها إلى الشركة في عام 2001.
أنشأت فريدة قسم علاقات المستثمرين في المجموعة، وعملت في مجال البتروكيماويات منذ البداية. بينما درس شقيقهما محمد التسويق في الجامعة البريطانية في مصر، وشغل أيضًا العديد من الأدوار في الشركة، وتولى منصب نائب رئيس ذراع التطوير العقاري التابع للعائلة.
وفي سبتمبر 2020، توفي خميس عن عمر يناهز 80 عامًا لتنتهي بذلك حقبة في تاريخ المجموعة. لكن حتى مع سعي أبنائه إلى تبني ثقافات وتوجهات جديدة، فإن ذكراه تظل باقية. تقول ياسمين: “علينا أولاً وقبل كل شيء، فضلًا عن كونه أمرًا بديهيًا، الحفاظ على إرثه”. وتضيف: “نشعر أننا مدينون له بذلك”.
كما تذكر فريدة سطرًا من خطابات والدها من حفلات التخرج في الجامعة، إذ كان يشير إلى عمله في دعم الجيل القادم، قائلًا: “إن أهم مصنع أسسته هو المصنع الذي يُعد الرجال والنساء لمصر”. وبينما يوجه أبناؤه مجموعة النساجون الشرقيون نحو المستقبل، يبدو أن رؤيته هذه لا تزال باقية.
نقلًا عن فوربس الشرق الأوسط