دكتور/ محمد زكي عويس
أستاذ الفيزياء بجامعة القاهرة
تحت رعاية السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي تستضيف مصر المؤتمر الدولي لتغيير المناخ الذي تنظمة هيئة الأمم المتحدة في الفترة من 8-18 نوفمبر 2022. يحضر المؤتمر قادة العالم من 197 دولة بالإضافة إلى الخبراء وممثلين من وزارات البيئة والتعليم والصناعة والطاقة والمياه وأيضا رجال الأعمال والشركات ومنظمات المجتمع المدني والشباب والمرأة. وقد أعلن الرئيس السيسي أن مصر سوف تعمل على جعل المؤتمر نقطة تحول جذرية في جهود المناخ الدولية بالتنسيق مع جميع الأطراف لصالح إفريقيا والعالم بأسره.
والجدير بالذكر أن يصادف عام 2022 مرور سبع سنوات على اعتماد اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ – وهي معاهدة دولية تاريخية لمعالجة أزمة المناخ. وتدعو الاتفاقية إلى الحد من الاحترار العالمي إلى أقل بكثير من 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة ومواصلة الجهود للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية. لتحقيق ذلك، ويحتاج العالم إلى خفض انبعاثات الكربون بمقدار النصف بحلول عام 2030.
في هذا الشأن نظمت هيئة اليونسكو للعلوم والثقافة والأداب، برنامجا للتثقيف بشأن تغير المناخ من أجل التنمية المستدامة. يهدف البرنامج إلى مساعدة الناس على فهم تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري اليوم وزيادة محو الأمية المناخية بين الشباب . ومن خلال البرامج التعليمية النظامية والغير نظامية يمكن العمل على تغيير الناس لمواقفهم وسلوكهم؛ مثل إعادة تدوير المخلفات، وترشيد الطاقة، أو تخفيض بصمات الكربون الفردية، أو بتشجيعهم على تطوير مهاراتهم في مواجهة التغير السريع للمناخ والضبابية التي تكتنفه والتغلب عليها، ومن خلال التفكير النقدي وحل المشاكل.
أو بنشر قيم معينة كاحترام الذات، واحترام الآخرين واحترام البيئة. كما أن التعليم في مجالات تغيير الظواهر المناخية يساعد على اتخاذ قرارات مستنيرة. فالتعليم النظامي يمكن الشباب من اكتساب المهارات للتعامل مع تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري وتعلم كيفية التكيف مع تغير المناخ ويحفزهم على اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تساعد في معرفة الحقائق والقضاء على الخوف من قضية غالبًا ما يتم تلوينها بالكآبة في الساحة العامة خاصة في عصر التغير المناخي السريع.
في العقد الماضي ووفقًا لإحصائيات مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، تبين أن عدد الكوارث الطبيعية المتعلقة بالمناخ زاد بأكثر من الضعف، مقارنةً بحقبة الثمانينيات من القرن الفائت. ومنذ عام 2000 وحتى الآن، كما صرحت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن الفيضانات وحدها على المستوى العالمي زادت بنسبة 134 في المائة ، مما أدى إلى ما يقرب من 6700 كارثة بيئية، وفقد حياة أكثر من مليون شخص، بالإضافة إلى تشريد عدد 4.2 مليون شخص وتهديد الثروة الحيوانية والزراعية. وقد تسببت هذه الكوارث في خسائر اقتصادية عالمية قدرت بنحو 3 تريليونات دولار أمريكي (أي ما يعادل 60 تريليون جنية مصري).
للأسف ينعقد مؤتمر المناخ هذا العام في ظل ما نشاهده اليوم من صراعات وتنافس القوى العظمى على مراكز النفوذ والسيطرة على مقدرات وثروات الأرض، مما أدى إلى نشوب الحروب المدمرة والتهديد بإندلاع الحرب العالمية الثالثة باستخدام كافة أسلحة الدمار الشامل وتهديد أمن الأرض وفناء الحياة. كما نشاهد تكالب الدول العظمي غلى تخزين احتياطات استراتيجية من النفط والغاز الطبيعي ما يكفي لفترات طويلة، ولا تزال الدول الصناعية مستمرة في القيام بالأشياء التي ليس من المفترض أن تفعلها – وزيادة الاعتماد على الوقود الأحفوري وأنماط الإنتاج والاستهلاك تكون عادة غير مستدامة.
في هذا الصدد تؤدي انعكاسات الحرب في أوكرانيا (بين دولة روسيا الاتحادية من ناحية ودعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الناتو من ناحية أخري) إلى إبطاء انتقال الطاقة. والجدير بالذكر أن الدول الأوربية تدفع ما يقرب من 640 مليون يورو يوميًا مقابل النفط والغاز، وشكلت عائدات البلاد من صادرات الهيدروكربون أكثر من 40٪ من ميزانيتها. إننا على يقين أن هذه الحرب ستعرقل كل الجهود المبذولة لتحقيق أهداف اتفاقية باريس وستزداد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بعد أن قررت بعض الحكومات استبدال الوقود الأحفوري الروسي بالاستيراد من دول أخرى وسد الفجوة باستخدام طاقة الفحم، ومن المؤكد أن بناء سلاسل إمداد جديدة،
ولوجستيات وبنية تحتية جديدة في محاولة لاستبدال الهيدروكربونات الروسية، سيؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة العالم بشكل لا رجعة فيه. إن أهم التحديات التي تواجه المؤتمرين يتعلق بقضية انقاذ الأرض والبشرية. نحن ما زلنا نرى ارتفاعًا في الانبعاثات الكربونية، ومخلفات الحروب في العديد من المناطق في جميع القارات. ولا ندري كيف نتكيف مع هذه الظروف الكارثية المتغيرة والمتسارعة.
لابد أن يتمسك المؤتمرين بالحلول في قضايا تغير المناخ التي تحقق فوائد اقتصادية خاصة مع تحسين سبل الحياة وحماية البيئة. الآن، لدينا أطر واتفاقات عالمية لتوجيه التقدم، مثل أهداف التنمية المستدامة، واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، واتفاق باريس. وهناك ثلاث فئات عريضة من الإجراءات هي: خفض الانبعاثات، والتكيف مع آثار المناخ، وتمويل التعديلات المطلوبة.
إن الجهود في تحويل أنظمة الطاقة من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح سيقلل من انبعاثات تغير المناخ.
ولكن علينا أن نبدأ الآن. كما يجب على الدول تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، على أن يكون حوالي نصف تخفيضات الانبعاثات بحلول عام 2030 للحفاظ على الاحترار أقل من 1.5 درجة مئوية. يجب أن ينخفض إنتاج الوقود الأحفوري بنسبة 10 في المائة (على أقل تقدير) سنويا بين عامي 2023 و 2030.
إننا ندعو الشعوب للتكيف مع عواقب المناخ الذي يحمي الناس والمنازل والشركات وسبل العيش والبنية التحتية والنظم الإيكولوجية الطبيعية. وهو ما يغطي الآثار الحالية والمحتملة لأمن الأرض في المستقبل وللحديث بقية إن شاء الله.