أدى التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا إلى تداعيات اقتصادية عديدة على الاقتصاد العالمي بأكمله، ظهر ذلك من خلال دوره في إبطاء النمو ورفع التضخم بمعدلات قياسية.
وبحسب صندوق النقد الدولي، فإنه إلى جانب المعاناة الإنسانية وتدفقات اللاجئين، جاءت الحرب لتعمق الأزمة الإنسانية، عبر رفع أسعار الغذاء والطاقة، وتقليص قيمة الدخل، في ظل تعطل التجارة وسلاسل التوريد والتحويلات في البلدان المجاورة لأوكرانيا.
وعليه خفض الصندوق، توقعاته السابقة للنمو الاقتصادي العالمي بنسبة 4.4% في عام 2022، وفي ضوء دور صندوق النقد الدولي الرئيسي في منح القروض، فإن الصندوق – منذ بداية الحرب –نهض في مساعيه لدعم البلدان المتعثرة أو التي تكابد الأزمة الاقتصادية الراهنة، غير أن دوره يتعرض للكثير من الانتقادات حول مدى فاعليته، والتحديات التي تواجه عمله في ذلك الإطار.
تحركات متشعبة
في أعقاب الحرب الأوكرانية، تحرك صندوق النقد الدولي في اتجاهات متشعبة، في سبيل تقديم دعم طارئ لعدد من البلدان؛ وذلك على النحو التالي:
1- طرح حزمة جديدة للاستجابة للأزمات: في أعقاب الحرب الأوكرانية، أدرك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حجم التحدي الاقتصادي الذي تسببت فيه الحرب؛ ما دفعهما نحو التصعيد بحزمة جديدة للاستجابة للأزمات مدتها خمسة عشر شهراً بقيمة 170 مليار دولار تقريباً لتغطية الفترة من أبريل 2022 حتى يونيو 2023، وذلك لمساعدة البلدان على التعامل مع تداعيات الحرب في أوكرانيا، بما في ذلك انعدام الأمن الغذائي والتوابع المستمرة للوباء.
2- الموافقة على نافذة جديدة لصدمات الغذاء: وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي (IMF) على إنشاء نافذة جديدة للصدمات الغذائية بموجب أدوات التمويل الطارئة، إضافة إلى برنامج معزز يخضع لمراقبة طاقم العمل، في الثلاثين من سبتمبر الماضي.
ومن المفترض أن تكون تلك النافذة الجديدة متاحة لمدة عام، بهدف توفير وصول إضافي إلى التمويل الطارئ للبلدان التي تتعرض بدرجة كبيرة لأزمة غذاء طاحنة.
وستكون النافذة كذلك بمنزلة قناة جديدة للبلدان الأعضاء التي لديها احتياجات ملحة لتمويل ميزان المدفوعات، من جراء انعدام الأمن الغذائي الحاد والزيادة الحادة في فاتورة وارداتها الغذائية.
3- تقديم دعم طارئ إلى العديد من الدول: بعد ثمانية أشهر من بدء الحرب الأوكرانية، لا تزال الخسائر الإنسانية والاقتصادية في أوكرانيا هائلة؛ حيث تقلص الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بشدة، مع ارتفاع التضخم بصورة حادة، وتعطل التجارة بشكل كبير، وزيادة العجز المالي بمستويات غير مسبوقة؛ ما تسبب في خلق احتياجات تمويلية وخارجية كبيرة وملحة، دفعت صندوق النقد الدولي للاستجابة لتلك المتطلبات.
ومؤخراً، وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، في شهر أكتوبر 2022، على تقديم 1.3 مليار دولار أمريكي في شكل دعم تمويلي طارئ لأوكرانيا؛ وذلك في إطار نافذة الصدمات الغذائية الجديدة كأداة للتمويل السريع، وهكذا أصبح لدى أوكرانيا بحلول 26 أكتوبر 2022، رصيد مستحق من حقوق السحب الخاصة بالصندوق – وهي أصل احتياطي صندوق النقد الدولي – يقدر بـ 7.7 مليار دولار.
وتعد أوكرانيا ضمن البلدان الخمسة الأكثر مديونية لصندوق النقد الدولي التي يأتي في مقدمتها الأرجنتين بنحو 32.2 مليار دولار.
4- منح تمويلات للتصدي لتغير المناخ: كان صندوق النقد الدولي قد تبنى في مطلع العام الجاري، أداة جديدة تهدف إلى مساعدة الدول على تعزيز دفاعاتها ضد تغير المناخ، ضمن الصندوق الائتماني للصلابة والاستدامة الجديد التابع للصندوق، الذي تقدر قيمته بـ50 مليار دولار. ورغم تعدد الملفات أمام الصندوق بعد الحرب الروسية، فإن ذلك لم يثنه عن المضي قدماً في دعم البلدان للتصدي لتبعات تغير المناخ.
وفي إطار ذلك، وافق صندوق النقد الدولي على إقراض رواندا نحو 310 ملايين دولار في 7 أكتوبر الماضي، وهو اتفاق يهدف إلى خفض تكلفة تمويل المشاريع للتخفيف من تداعيات تغير المناخ؛ حيث قدرت رواندا أنها ستتكلف 11 مليار دولار حتى عام 2030، من أجل جذب استثمارات جديدة لمكافحة الطقس الحار وتغيير أنماط هطول الأمطار والفيضانات.
وفي ذلك الإطار، أوصى تقرير المناخ والتنمية الصادر عن البنك الدولي في 29 سبتمبر الماضي، بأن تقوم الدولة بتنويع مصادر تمويلها، وإعادة تخصيص الإنفاق الحكومي وجذب المستثمرين من القطاع الخاص للمشاريع الخضراء.
حجج المنتقدين
بالرغم من هذه الأدوار، فإن صندوق النقد الدولي يتعرض لجملة من الانتقادات حول فاعلية دوره، ومدى أهميته، وهو ما يمكن تسليط الضوء عليه فيما يأتي:
1- الهيمنة الأمريكية على قرارات الصندوق: يمثل ذلك نقطة نقد تستند إليها الصين في رفض عمل الصندوق، باعتباره تعبيراً عن وجهة النظر الغربية، نظراً لهيمنة الولايات المتحدة على سياسات الصندوق؛ وذلك باعتبارها أكبر مساهم فيه وعضواً في المجلس التنفيذي للصندوق، ومن ثم فإنه بإمكان الولايات المتحدة الضغط من أجل اتخاذ قرارات معينة والاعتراض من جانب واحد على بعض قرارات مجلس الإدارة.
في المقابل، تطالب الصين وغيرها من الأسواق الناشئة الكبيرة بزيادة حصصها داخل المؤسسة، وهو الأمر الذي يرفضه الصندوق؛ حيث صرحتوزيرة المالية الإسبانية ناديا كالفينو، التي تترأس اللجنة التوجيهية لصندوق النقد الدولي، بأن تركيز الصندوق في الوقت الراهن ينصب على معالجة الأزمة الحالية وليس زيادة الحصص.
2- تقويض الدور الأساسي كمقرض الملاذ الأخير: بينما يتهم البعض الصين بالانخراط في دبلوماسية فخ الديون؛ حيث تعمل على توريط الدول في ديون ثقيلة. فإنه على الجهة المقابلة، توجه منظمات الحقوق المدنية الانتقاد ذاته ضد الصندوق؛ حيث يرون أن للصندوق دوراً في تقويض دوره الأساسي كمقرض الملاذ الأخير مع البلدان التي هي بالفعل في وضع ضعيف لتسديد الديون، في ظل تفاقم مخاطر أزمة الديون العالمية وارتفاع أسعار الفائدة، التي أصبحت القضية الأكثر إلحاحاً بالنسبة للبلدان التي تتطلع إلى تقليل عجزها باللجوء إلى قروض الصندوق.
المصدر: انتر ريجونال للتحليلات الإستراتيجية – كتبته: سهير الشربيني