مصطفى أبو لبدة
كاتب وروائي أردني
لكثرة مَن تحدثوا في أوروبا وبريطانيا والولايات المتحدة، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، عن المثليّة الجنسية في محيط كأس العالم، مثل: رؤساء ووزراء ومنظمات دولية ومراكز حقوق إنسان وصحف وناشطين، بدا للكثيرين وكأنه لم يعد في الدنيا من قضية أخرى تستحق رفع الصوت وتسجيل المواقف سوى هذه القضية.
تراجعت أخبار الحرب في أوكرانيا وقضايا التضخم وأسعار النفط والعلاقات الأمريكية الصينية والأوضاع في غزة والقدس، وكذلك أخبار الفساد وشح القمح، لتأخذ مكانها في الأولوية بالتغطية قضية حقوق المثليين.
قطعًا لا يمكن إقناع ذي منطق وبصيرة بأن كل هذا الإجماع الغربي أمرٌ طبيعي صادرٌ عن قناعة حقيقية لدى مَن يتحدثون عن رغائب المثليين وكأنها هي مباريات تجري في الهواء الطلق مبثوثة عبر القارات الخمس.
قبل عامين، أصدر أحد أشهر أكاديميي الإنثربولوجيا السياسية في الولايات المتحدة مارك جيفيسر، كتابًا بعنوان “الخط الوردي”، صنَّفته مجلة تايم بأنه واحد من عشرة مؤلفات لا يمكن الاستغناء عن قراءتها.
“الخط الوردي” قصد به المؤلف -المولود في جنوب أفريقيا من أصول يهودية ليتوانية- الإشارة إلى الشريط الافتراضي الذي يعبر المراكز الحدودية للدول والثقافات الأممية التي ترعى المثليين، وتلك التي تستنكرهم وتراهم شواذًا.
شاهدُ القول في كل هذا، هو أن التحشيد السياسي والإعلامي الغربي الذي يروج الآن للمثلية الجنسية، هو في حقيقته من تجليات حرب العولمة التي تواصلت منذ مطلع القرن الحالي، سيّست الرياضة ولن تتورع عن عسكرتها، إذا اقتضى الأمر.
أرقام المقبولية العامة للمثلية، كما اشتغلت عليها الماكينات الثقافية الغربية وموّلت لها منظمات في المجتمع المدني العربية، تثير الفزع في سرعة نموها، وفي غياب الإرادة للجمها.
في واحد من فيديوهات تيك توك عن المثلية، وقد أصبحت جزءًا من النشرات الرياضية، يعرض المذيع للنمو الصادم في الأرقام، وللتوسع المضطرد في التسهيلات التشجيعية، ليصل إلى القول “إذا استمرت الحال على هذا المنوال، فلن نفاجأ إذا ما جعلوا المثلية خدمة إجبارية”، ليعقّب عليه صاحب نكتة بالقول “أنا من طرفي مغادرٌ هذه الدنيا وتاركها لكم – لا تحسبوا حسابي”.