يشهد المجتمع المصرى حملة منظمة من بعض النقابات المهنية لرفض الخضوع لقانون الإجراءات الضريبية الموحد رقم 206، رغم انه صادر فى أكتوبر 2020، وماتضمنه من نصوص تتعلق بالفاتورة الإلكترونية والتسجيل الإجبارى بها، بحجة أنها تتعارض مع الدستور والقانون فضلا عن أنهم يقومون بأعمال فكرية عقلية وليست عملا تجاريا أو سلعيا.
وهو ما يطرح العديد من التساؤلات خاصة فيما يتعلق بالعدالة الضريبية. إذ أن الضرائب تعد إحدى الآليات الأساسية لتحقيق العدالة الإجتماعية، ولهذا نصت الفقرة الأولى من الدستور المصرى فى المادة 38 منها على انه “يهدف النظام الضريبى وغيره من التكاليف العامة إلى تنمية موارد الدولة، وتحقيق العدالة الإجتماعية، والتنمية الإقتصادية.
ولايكون إنشاء الضرائب العامة، أو تعديلها، أو إلغاؤها، إلا بقانون، ولايجوز الإعفاء منها إلا فى الأحوال المبينة فى القانون. ولايجوز تكليف أحد بأداء غير ذلك من الضرائب أو الرسوم، إلا فى حدود القانون”.
ويتعين تبعا لهذا النص أن يكون العدل من منظور اجتماعى مهيمنا عليها بمختلف صورها، محددا الشروط الموضوعية لاقتضائها. خاصة أن الحديث عن السياسة الضريبية لم يعد موضوعا إقتصاديا فحسب، بل أصبح موضوعا سياسيا فى المقام الأول، وذلك بعد أن أصبح عجز الموازنة والدين العام المرتفع مدعاة للقلق، حيث يقوضان إمكانية الحكومات المختلفة فى إجراء إصلاحات مالية تسهم فى دعم الإقتصاد القومى وتحقيق النمو الإحتوائي.
توزيع العبئ علي الجميع
وتشير العدالة الضريبية إلى توزيع العبء الضريبى على الأفراد والمشروعات توزيعا عادلا، ويرتبط بتحقيق العدالة الضريبية عدد من المفاهيم والمبادئ المهمة،
منها مبدأ المنفعة، ويعنى أن الأفراد يدفعون الضرائب بناء على المنافع التى يتلقونها من الخدمات الحكومية المقدمة لهم. وهنا كمبدأ القدرة على الدفع ويعنى أن الأفراد يدفعون الضرائب وفقا لقدرتهم على تحمل عبئها،
وينبثق عن هذا المبدأ مفهومان أساسيان مرتبطان بالعدالة، وهما العدالة الأفقية وتشير إلى معاملة جميع الممولين أصحاب المراكز المتماثلة معاملة متساوية، أى أن الممولين ذى القدرة المتشابهة على الدفع يسهمون بنفس المقدار.
والعدالة الرأسية، وتشير إلى معاملة الممولين الذين تختلف مراكزهم معاملة ضريبية مختلفة.
فدافعو الضرائب ذو الدخل الأكبر أو القدرة الأكبر على الدفع يجب أن يسهموا بمقدار أكبر من دخولهم فى الضرائب عن الأقل دخلا.
وهنا تطرح عدة أسئلة هل العبء الضريبى موزع بالتساوي؟هل تفرض على جميع الدخول والأنشطة؟بالإضافة إلى ذلك هل الأوعية الضريبية الفعلية قريبة قدر الإمكان من الأوعية الضريبية المحتملة؟ وهل يسدد الممول الضرائب المستحقة دون فترات تأخير طويلة وفى أوقات مناسبة أم لا؟كل هذه الأسئلة وغيرها ضرورية للحكم على مدى عدالة وكفاءة النظام الضريبي.
مساهمة الضرائب محدودة
وتشير الإحصاءات الختامية إلى الإنخفاض الكبير فى مساهمة الضرائب فى الإقتصاد القومى والضعف الشديد فى الطاقة الضريبة إذ إنخفضت نسبة الحصيلة الضريبية إلى 13% من الناتج المحلى الإجمالى لعام 2021/2022وهى نسبة ضئيلة للغاية لا تتناسب مع الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية السائدة، بل وتنخفض كثيرا عن الدول المماثلة.
على الجانب الآخر فإن الضريبة على المهن الحرة، والمفروضة على جميع المهن غير التجارية مثل المحاماة والطب والهندسة ( بما فى ذلك الهندسة الزراعية) والصحافة وتأليف المصنفات العلمية والأدبية والمحاسبة والمراجعة والخبرة، بما فى ذلك مهنة الخبير المثمن والترجمة والقراءة والتلاوات الدينية والرسم والنحت والغناء والعزف والتمثيل والإخراج وعروض الأزياء والتخليص الجمركي، والإعلام وغيرها،
ورغم إتساع هذه المجموعة فإنها مازالت لاتشكل قيمة يمكن الإعتداد بها فى الحصيلة إذ تشير الإحصاءات الختامية إلى أن الحصيلة من هذا النوع بلغت 5.6 مليار جنيه عام 2021/2022 بينما بلغت حصيلة الرواتب والأجور 91.9 مليار جنيه. الأمر الذى يشير إلى إرتفاع التهرب منها.
ولذلك يحتاج هذا النوع إلى بذل المزيد من الجهود لحصر المجتمع الضريبى ووضع القواعد التى تساعد فى الحصول على الضرائب المستحقة عليه، خاصة أن معظم من ينضوون تحته هم من شرائح الدخول المرتفعة، بل والأغرب من ذلك أنهم يستطيعون نقل عبء الضريبة دون عناء يذكر.
وهنا نلحظ أن القانون رقم 91 لسنة 2005 قد توسع فى الإعفاءات المقررة للضرائب من المهن الحرة، حيث أعفى إيرادات تأليف وترجمة الكتب والمقالات الدينية والعلمية والثقافية، وكذلك إيرادات هيئات التدريس بالجامعات والمعاهد وغيرهم عن مؤلفاتهم ومصنفاتهم التى تطبع أصلا لتوزيعها على الطلاب.
وإيرادات أعضاء نقابة الفنانين التشكيليين من إنتاج مصنفات فنون التصوير والنحت والحفر، وإيرادات المقيدين كأعضاء عاملين فى نقابات مهنية لمدة ثلاث سنوات من تاريخ مزاولة المهنة.
فى هذا السياق جاء قانون الإجراءات الضريبية الموحد، الهادف إلى توحيد الإجراءات على جميع أنواع الضرائب (الدخل والقيمة المضافة والدمغة ورسوم التنمية.. إلخ) وذلك سعيا لتبسيط النظام الضريبى وتسهيلا للإجراءات وتجنبا للتكرار، الأمر الذى يسهم فى رفع كفاءة الإدارة الضريبية، ويساعد فى حل العديد من المشكلات التى تؤثر بالسلب فى العلاقة بين الممول والمصلحة، وتحد كثيرا من التهرب الضريبى.
وهنا نلحظ انه بينما بلغ عدد الممولين بضرائب الدخل 5.325 مليون إلا أن الإقرارات الضريبية لم تتجاوز 2.408 مليون بنسبة 45%، فيما يعتبر جريمة فى حق المجتمع يجب محاربتها بقوة. وهو ما حاول القانون التعامل معها عن طريق تشديد العقوبات على عدم تقديم الإقرارات فى مواعيدها القانونية وتنظيم عملية الكشف عن سرية الحسابات.