من بين تبعات الحرب الروسية – الأوكرانية، تراجع الطلب على القمح الروسي بسبب العقوبات الغربية على روسيا التي تَحول دون سير عمليات توريد القمح على النحو السابق، في الوقت عينه تزداد الحاجة المصرية لاستيراد القمح بعد تراجع المحصول الأوكراني الذي كانت تعتمد عليه مصر قبل الحرب. معادلة جمعت مصر وروسيا على طاولة المصالح المشتركة.
وصرّح نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، بأن «مصر ستصبح مركزاً للحبوب الروسية في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا». وقال في مقابلة مع برنامج «نيوز ميكر» على «آر تي أربيا»، (الأربعاء)، إن «مصر اعتمدت خلال السنوات الأخيرة على الحبوب الروسية، لا سيما القمح، بسبب جودتها وسعرها». وأضاف أن «جميع الشروط تنطبق على مصر لتصبح مركزاً للحبوب الروسية لتوريد مجمع الصناعات الزراعي الروسي».
شهد القمح الروسي أكبر تراجع في الأسعار خلال مارس (آذار) الماضي، حسب تقرير نشرته وكالة أنباء «تاس» الروسية، الثلاثاء الماضي، وذكر التقرير أن «أسعار القمح لم تشهد هذا الانخفاض منذ 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، بعدما وصل سعر القمح من الدرجة الثالثة في روسيا إلى 11550 روبلاً للطن في 29 مارس الماضي». وأرجع خبراء هذا الانخفاض إلى تحقيق فائض من القمح على خلفية قلة الطلب من المصدّرين.
من جانبه يرى الدكتور سعد نصار، أستاذ الاقتصاد الزراعي ومستشار وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، أن «مصر أفضل الدول المرشحة لتكون مركزاً للحبوب الروسية»، ويوضح، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «مصر تسعى لأن تضم مركزاً لوجيستياً لتخزين الحبوب وإعادة تصديرها للدول العربية والأفريقية، لا سيما أنها تتوفر لديها الشروط اللازمة للوفاء بهذا الدور المحوري، بدايةً من الصوامع التي زادت طاقتها من نحو 1.4 مليون طن في 2014 إلى 5.5 مليون طن راهناً».
ويضع نصار موقع مصر الجغرافي شرطاً ثانياً يؤهلها لأن تجتذب الرهان الروسي، ويضيف أن «مصر أكبر دولة زراعية في المنطقة سواء من حيث الإنتاج أو الاستهلاك، غير أن ما تراهن عليه روسيا ليس التوريد للسوق المصرية فحسب بينما الاعتماد عليها في التخزين والتوريد لبقية الدول لا سيما بعد تبعات الحرب».
ويعدد نصار أسباب الاتجاه الروسي نحو مصر، ويقول إن «مصر لديها موانئ عدة فضلاً عن قناة السويس، هذه الشبكة تعزز أواصر العلاقات المصرية بالعالم، كما أن اتفاقيات التجارة الدولية التي أبرمتها مصر سهّلت المهمة، مثلاً اتفاقية المشاركة المصرية – الأوروبية التي تسمح لمصر بتصدير سلع زراعية من دون تعريفة جمركية. أيضاً منطقة التجارة الحرة العربية منذ 2005، ومنطقة التجارة الحرة الأفريقية التي انطلقت في 2019».
واتجه البنك المركزي الروسي، مطلع العام الجاري، لإدراج الجنيه المصري ضمن سلة أخرى من العملات تمهيداً لتطبيق آلية تسوية مدفوعات التبادل التجاري بالعملات المحلية بدلاً من الدولار.
وشهد حجم التعامل التجاري بين مصر وروسيا «انتعاشة» ملحوظة، فمن جانبها علّقت يلينا تيورينا، مديرة قسم التحليلات باتحاد الحبوب الروسي، قائلة إن «مصر هي الدولة صاحبة الريادة في استيراد القمح الروسي»، حسب تصريحات أدلت بها لـ«آر تي أربيا». أيضاً في مارس الماضي، استقبل ميناء دمياط «أكبر» شحنة من نوعها من القمح الروسي، وبلغت حمولتها 100 ألف طن من القمح، لصالح الهيئة العامة للسلع التموينية.
ورأى الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي في جامعة القاهرة، أن التعامل التجاري بين مصر وروسيا بالعملات المحلية خطوة ستغيّر وجه العلاقات، وقال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «ارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه المصري (الدولار يعادل 30.9 جنيه) أجّج الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تعاني منها مصر جراء الحرب، من ثم إدراج عملات أخرى ضمن التعاملات التجارية الدولية من شأنه حلحلة الأزمة وتخفيف الضغط على الدولار، لا سيما إذا كانت السلعة المقصودة هي سلعة استراتيجية مثل القمح».
وعن اتجاه روسيا لتعزيز العلاقات التجارية مع مصر، يرى أستاذ الاقتصاد الزراعي أنه اتجاه «صائب» وله تبعات كثيرة، ويوضح أن «الحلول المستدامة تأتي من رحم الأزمات، صحيح أن الحرب رمت بظلالها على العالم، غير أنها نبهت مصر لضرورة التحرك بوتيرة أسرع في ملف الأمن الغذائي، من ثم حدثت تحركات دولية حثيثة على شاكلة توطيد العلاقات الروسية – المصرية سواء في منطقة تجارة حرة، أو اعتبار مصر مركزاً استراتيجياً لتخزين وتصدير الحبوب الروسية وعلى رأسها القمح».