خريطة طريق للديمقراطية ذات الخصائص الصينية
كمال جاب الله
كاتب صحفي ومحاضر جامعي
kgaballa@ahram.org.eg
بكين- ضمن فعاليات المنتدى الدولي الثالث بعنوان “الديمقراطية.. قيمة مشتركة للبشرية جمعاء”، بمشاركة 300 مسئول وخبير من 70 دولة ومنطقة، جاء دوري رقم 5 بالجلسة الموازية الثالثة، عن “الذكاء الاصطناعي ومستقبل الديمقراطية”.
المتحدث السابع بالجلسة -نفسها- كان الصحفي الأمريكي لي كامب، وقال نصًا: “إن الأغنياء الذين يشترون انتخاباتنا لا يريدون الديمقراطية، واصفًا الديمقراطية التمثيلية في الولايات المتحدة بأنها باطلة ومزورة وزائفة ومثيرة للضحك”!
أشار الزميل لي كامب إلى “أن الأمريكيين العاديين لا رأي لهم في السياسات والإجراءات الحكومية، مستشهدا بدراسة قامت بها جامعة برينستون عام 2014، والتي وجدت أن الرأي العام كان له تأثير “شبه معدوم” على القانون الأمريكي”.
أكد الصحفي الأمريكي “أن العامل الرئيس يكمن في المال السياسي، إذ مع استيلاء صفوة الـ1 في المائة من الأمريكيين على ما يقرب من 40 تريليون دولار أمريكي، وهي ثروة ضخمة جدا تتجاوز الثروات المجمعة للطبقة الوسطى الأمريكية بأكملها.
أضاف كامب: “حكومتنا (الأمريكية) مملوكة بنسبة 100% من قبل دولة الشركات، والأمريكيون العاديون غير مهمين على الإطلاق، ونحن نوجه مسار الولايات المتحدة بقدر ما تغير الحشرات مسار مقطورة جرار ذات 18 عجلة عندما تتناثر على زجاجها الأمامي، نحن مجرد تناثر للحشرات بالنسبة للنخبة الحاكمة”.
أشار لي كامب إلى أن السياسيين الأمريكيين أطاحوا بدول في جميع أنحاء العالم عبر الانقلابات، التي دبرتها وكالة الاستخبارات المركزية، والحروب والعقوبات الاقتصادية والدعاية التي لا نهاية لها، من أجل تعزيز سلطتهم وتقوية قبضتهم”.
مداخلة الكاتب الصحفي لي كامب أثارت اهتمام الحاضرين، ليسلكونها جاءت عبر الفيديو من “عقر دار” الولايات المتحدة، ولكن لأنها عبرت عن التناقض بين ما تمارسه واشنطن على أرض الواقع، وبين ما تروجه- عن نفسها- باعتبارها منارة للديمقراطية، والمدافعة الأولى لحقوق الإنسان، والنظام الدولي القائم على القواعد.
العالم تنبه لمثل هذا التناقض، وقد أظهر استطلاع – أجراه مركز بيو- أن 65% من الأمريكيين يعتقدون أن النظام الديمقراطي الأمريكي يحتاج إلى إصلاحات كبيرة، في حين يعتقد 57% من المستطلعين أن الولايات المتحدة لم تعد نموذجًا للديمقراطية.
رئيس وزراء إيطاليا السابق ماسيمو داليما، تحدث عن ديمقراطية الغرب العليلة، وقال: “لقد انتهى الموسم المجيد الذي كان فيه المبدأ الديمقراطي هو رأس واحد، صوت واحد، وحل مكانه المبدأ الجديد “دولار واحد، صوت واحد” محذرا من أن التحكم في وسائل الإعلام الحديثة يمكن المال المفرط من التلاعب بالرأي السياسي.
أضاف قائلا أمام الجلسة الافتتاحية للمنتدى: “إن الدول الغربية يجب أن تعيد بناء الديمقراطية بسياسات عامة يمكن أن تخفف من عدم المساواة والظلم الاجتماعي وتحد من قوة المال”، مشيرًا إلى أن الدول الغربية خضعت لعملية تاريخية طويلة في الديمقراطية، ولهذا السبب – بالتحديد- يجب على الغرب أن يرى أن نموذجه “لا يمكن تصديره وفرضه على الأجزاء الأخرى من العالم، كما أظهرت التجارب في أفغانستان أو العراق، أو في الشرق الأوسط -مرة أخرى- في السنوات الأخيرة”.
وزير خارجية اليونان السابق جورجيوس كاتروجكالوس أكد – أن عدم المساواة يشكل تهديدًا للديمقراطية، مستشهدًا باستطلاع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية جاء فيه: “أن الأغلبية في جميع الدول الغربية تعتقد بأن حكوماتها لا تعمل على تعزيز المصالح العامة، ولكنها تعمل من أجل تعزيز مصالح الأثرياء والأقوياء”.
نائب رئيس مجلس النواب الماليزي السابق أونج تي كيت، قال: “إن الديمقراطية الانتخابية توصف على نطاق واسع بأنها صنيعة غربية وأصبحت المعيار الوحيد الذي يناسب الجميع للحكم الديمقراطي في أنحاء العالم، وهذا الأمر فيه مغالطة”.
أضاف قائلا: “إن فرض الديمقراطية الانتخابية، إما من خلال التدخل العسكري أو التغيير الوحشي للنظام، كما بدأته واشنطن في العالم النامي، لم يؤد إلا إلى إضافة المزيد من الدول الفاشلة والكوارث الإنسانية، في حين أن النية الأساسية للولايات المتحدة هي استخدام الديمقراطية كسلاح ضد التحديات الجيوسياسية أو الخصوم.
قائمة المتحدثين أمام منتدى بكين للديمقراطية تطول، وقد اشتملت على أسماء معتبرة مثل: رئيسي مجلسي وزراء مصر وتايلاند الأسبقين عصام شرف وأبهيست فيجاجينا، ورئيس محكمة بيرو الدستورية سيزار لاندا، وعمدة طوكيو الأسبق يوشي ماساؤزا، ومدير معهد كوريا الجنوبية الأسبق للعلاقات العامة بان وي.
غير أني أختتم بفقرات من الورقة القيمة التي قدمها للمنتدى الخبير بالشئون الصينية، مدير معهد كونفوشيوس بجامعة قناة السويس، الدكتور حسن رجب، وجاء فيها: “أن تجربة الديمقراطية ذات الخصائص الصينية تثبت أنها من الممكن أن تتكيف مع الظروف المحلية، فيما تواجه ديمقراطية النمط الغربي –في كثير من الأحيان- مقاومة، وتتكشف عيوبها بشكل متزايد بالبلدان النامية، كما أن نتائجها عندما يتم فرضها بالقوة- تتعارض مع رؤى السلام والاستقرار والازدهار”.
فيما يمكن وصفه بخريطة طريق لفهم الديمقراطية ذات الخصائص الصينية، يقول مدير معهد كونفوشيوس: “إن الصين، باعتبارها دولة تضم 56 مجموعة عرقية، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 1.4 مليار نسمة ولها تاريخ يمتد لأكثر من 5000 عام، ونظام سياسي مختلف عن الغرب، تعطي أهمية كبيرة للديمقراطية ذات الخصائص الصينية، في عالم متعدد الأقطاب، وتقدم رؤى جديدة للقيم المشتركة للإنسانية”.
منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، مرت بكين بعملية فريدة من نوعها في البناء الديمقراطي، وشكلت تدريجيا ديمقراطية اشتراكية ذات خصائص صينية تناسب ظروفها الوطنية، وكان التطور الديمقراطي في الصين بمثابة عملية استكشاف وإصلاح مستمرين. في الوقت نفسه، أنشأت الصين نظامًا قانونيًا سليمًا، وحافظت على الحقوق والمصالح المشروعة للمواطنين والاستقرار الاجتماعي.
وفقا لنتائج استطلاع أجرته كلية هارفارد كينيدي- لأكثر من 10 سنوات متتالية في الصين- ظل رضا الشعب الصيني عن الحكومة أعلى من 90٪، ومن خلال الدورتين السنويتين الأخيرتين، للمجلس الوطني لنواب الشعب، والمؤتمر الاستشاري السياسي، يمكن للعالم أن يفهم التشغيل المجهري للديمقراطية، ومزاياها المؤسسية، وأسباب التنمية والتقدم الديمقراطي في الصين.
أيضًا، فإن الخلاصة التي يمكن الخروج بها من أعمال المنتدى الدولي الثالث للديمقراطية ببكين، تؤكد أن الديمقراطية ليست براءة اختراع لأحد، ولا يجب فرضها بالقوة، بل ينبغي أن تكون غنية وملونة، ولا يجوز أن تصبح الديمقراطية سلاحًا لمهاجمة الآخرين.