أم الضفيرة المجدولة والفيتو الأمريكي د.خديجة حمودة أدهشتنى ملامح تلك الجميلة الفلسطينية ذات الخمسة عشر عاماً، وتمتمت بالمعوذتين بعد انبهارى بضفيرتها المجدولة ولون شعرها البديع السنجابى، وقد أسدلتها على صدرها وكتفها، إلا أن الصدمة التى آلمت قلبى وأبكته عندما رفع الطبيب تلك الضفيرة التى حاولت الصغيرة بها إخفاء مكان ذراعها الذى بترته قذيفة إسرائيلية أثناء الهجوم على بلدتها.
وازداد ألمى عندما توجّعت وخرجت من فمها كلمة ناعمة كملامحها ترجو الطبيب ألا يلمس مكان الجرح، لأنه يؤلمها بشدة. واستمعت إلى قصتها التى لا بد أن تصيب المجتمع الدولى بالخوف والهلع، مما هو قادم لنا من السماء إذا وصلت شكوى تلك الفتاة إلى الخالق العادل الجبار، فقد قالت إنها فقدت بنات عمومتها فى هذا القذف واستُشهدوا أمام عينيها وأعمامها وجدتها.
وكان السؤال الذى تبادر إلى ذهنى فى الحال، حيث كان رد الفعل الطبيعى لتلك المشاهد التى أصبحت يومية وتتجدّد مع دقات الساعة واختفاء الشمس وظهور القمر والنجوم، فمع ميلاد كل نجمة صغيرة يصعد للسماء ملاك صغير يجاورها ويحكى لها قصة رحيله وصحبته وأهله وجيرانه، ما رد الفعل الذى يجب أن نُظهره، خاصة بعد أن قامت الولايات المتحدة باستخدام حق الفيتو فى مجلس الأمن ضد مشروع قرار منح فلسطين صفة الدولة فى الأمم المتحدة.
ومع كل تلك الأخبار اندس الخبر الذى كان لا بد أن يتصدّر أحداث الساعة والدقيقة والثانية، وكان لا بد أن يُترجم لكل لغات العالم وأن تبث صورة مصاحبة له تظهر سفير فلسطين الذى بكى أمام العالم عندما استمع إلى القرار الأمريكى الذى يمنع عن دولته الحياة.
الفيتو هو ذلك الحق المعروف لدى كبار العالم فقط، فوحدهم يملكونه ويعبثون به بمقدرات الشعوب وحياة الأطفال والنساء والشيوخ، الفيتو هو الذى بتر ذراع الجميلة الصغيرة وقتل أبناء عمومتها. ويعرف فى الموسوعات العربية والإنجليزية بأنه حق النقض أو حق الاعتراض، وقد تم منحه للأعضاء الخمسة دائمى العضوية فى مجلس الأمن (الصين وفرنسا وروسيا وأمريكا وبريطانيا)، وهى الدول التى تمتلك أسلحة نووية بموجب شروط معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
ومن المعروف أن غياب أو امتناع العضو الدائم عن التصويت لا يعيق اعتماد مشروع القرار، ومن المهم أن نلاحظ أن حق النقض هذا لا يمتد إلى التصويت الإجرائى، وهو القرار الذى يتّخذه الأعضاء الدائمون أنفسهم، بالإضافة إلى ذلك يمكن للعضو أن يعيق اختيار الأمين العام دون الحاجة إلى حق النقض الرسمى، حيث يتم التصويت بشكل سرى.
ورغم كل تلك المآسى التى أصابت العالم بسبب استخدام الفيتو والجدل المثار حوله فإن هناك أصواتاً عالمية تؤيده وتؤكد أنه يُعزّز الاستقرار الدولى، كما أنه رادع ضد التدخّلات العسكرية وضمانة حاسمة ضد الهيمنة المحتملة من قِبل أى دولة منفردة، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
وفى نفس الوقت يحاول النقاد له تأكيد أنه هو الجانب الأكثر بُعداً عن الديمقراطية فى الأمم المتحدة، كما أنه عامل أساسى فى تقاعس المنظمة عن اتخاذ إجراءات بشأن جرائم الحرب وللجرائم ضد الإنسانية، لأنه يمنع بشكل فعّال الأمم المتحدة من اتخاذ إجراء ضد الأعضاء الدائمين وحلفائهم.
ولم يرد لفظ (نقض) فى ميثاق الأمم المتحدة، بل ورد لفظ (حق الاعتراض)، وهو فى واقع الأمر حق إجهاض للقرار وليس مجرد اعتراض، إذ يكفى اعتراض أىٍّ من الدول الخمس دائمة العضوية ليُرفض القرار ولا يمرّر نهائياً حتى إن كان مقبولاً للدول الأربعة عشر الأخرى. وقد اعتمد هذا القرار فى التصويت بمجلس الأمن لتشجيع بعض الدول على المشاركة فى الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية بعد أن شك البعض أنها قد تخسر بعض الامتيازات فى حال شاركت فى منظمة تحترم الديمقراطية.
ومن مساوئ الفيتو أنه ساعد الولايات المتحدة على تقديم أفضل دعم سياسى للكيان الإسرائيلى، وذلك بإفشال أى قرار من مجلس الأمن يُلزم إسرائيل بضرورة وقف احتلال الأراضى الفلسطينية وأعمال العنف ضد الشعب الفلسطينى أو إفشال أى قرار يدين إسرائيل باستخدام القوة المفرطة، خاصة فى حرب لبنان عام ٢٠٠٦ والحرب على قطاع غزة فى نهاية عام ٢٠٠٨، الأمر الذى أدى إلى الشك بمصداقية الأمم المتحدة بسبب الفيتو الأمريكى.
وقد ظهرت فى السنوات العشر الأخيرة أصوات تطالب بتعديل نظام الأمم المتحدة وتوسيع مجلس الأمن، بإضافة دول أخرى مقترحة كاليابان وألمانيا والبرازيل، كما اقترحت أصوات أخرى صوتاً لأفريقيا وأمريكا الجنوبية، كما سعت بعض الأصوات الداعية لإلغاء نظام التصويت بالفيتو نهائياً واعتماد نظام أكثر شفافية وديمقراطية وتوازناً قد يعيد الحق لضحايا تلك القذائف غير الإنسانية.