بمناسبة المولد النبوى الشريف، ستكر الأسئلة تلقائيا، سؤال يجر سؤالا، وسؤال يفضى إلى سؤال، ومن سؤال لسؤال يا قلبى لا تحزن.. سؤال من مسلم ورع تقى والمسبحة فى يده، عن جواز الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، وكأن المصريين سيحتفلون بالمولد أول مرة، وبالتبعية جواز شراء حلاوة المولد، وهل يمكن إهداء حلاوة المولد لإخوتنا فى الجوار، باعتبار السائل كريما بالفطرة من نسل حاتم الطائي؟! من إصدارات «دار الإفتاء المصرية» فى السنوات العشر الأخيرة، ما يسمى «موسوعة الفتاوى الموسمية»،
صدرت فى أحد عشر مجلدا تجمع بين دفتيها كل الفتاوى التى تهم المسلم فى المناسبات المختلفة.. يقينا عرجت الإفتاء فى موسوعتها المهمة على «فتاوى حلاوة المولد»، باتت من الفتاوى الموسمية المقررة علينا من قبل سلفيى العصر والأوان، عادة ما ينشطون فى الأعياد والمواسم الدينية لفتن المجتمع حول ما يمكن تسميته «محدثات الأمور»، باعتبار كل محدثة بدعة..
بمناسبة سؤال حلاوة المولد، نستعيد من المعجم ما يسمى اصطلاحا «الإلحاف»، بمعنى التكرار والإلحاح، وألحف يعنى ألح، ومنها اللحوح بمعنى الكثير السؤال المديمة… مفتى الجمهورية العلامة الدكتور «شوقى علام» بأريحية، لايرد سائلا، سيجيب بجواز الاحتفال بالمولد، وشراء حلاوة المولد، وجواز ما يدخل السرور على أهل بيتك.. يتلطف المفتى دوما بالسائل، ولكنه يتعجب من تكرار الأسئلة المكرورة، ومن الإلحاح عليها.. يستنكفها تماما.
سؤال الحلال والحرام مقرر علينا، يترجم ما يمكن تسميته «الهسس»، وتعريفه معجميا، صوت الإنسان الخفي، هسس الحلال والحرام فى الحالة المجتمعية، يعالجونه عادة بالسؤال، وهذا يحتاج دراسة مجتمعية نفسية معمقة، على نسق «ماذا حدث للمصريين» للعلامة طيب الذكر «جلال أمين»؟!
أقراص الفتاوى، (الفتاوي) كأقراص السلفا، تعالج عرضًا مؤقتا لا تعالج مرضا مقلقا، وهذا ليس من ادوار دار الإفتاء، ولكنها من أدوار مؤسسات بحثية غائبة عن المشهد.
هل هناك تفسير اجتماعى منطقى وواقعى لزيادة الطلب على الفتوي، هل هى نوبة تدين طارئة، وكأنهم يتعرفون مجدداً على دينهم، على الحلال والحرام، وما هو جديد الفتوى الذى تكالب عليه المصريون فى السنوات الأخيرة. ما يقلق قلقة الاستقرار المجتمعى بحديث الحلال والحرام، حتى تحية الصباح «صباح الخير» توزن بالحلال والحرام؟!
ما الذى يقلق المصريين دينيًّا إلى حد طلب (3500 فتوى يوميا) من دار الإفتاء وعبر آلياتها البشرية والإلكترونية، وما الترجمة المجتمعية لزيادة معدلات طلب الفتوي؟ إقبال العامة على طلب الفتوى من دار الإفتاء، يترجم ثقة فى المؤسسة الدينية الرسمية، ونزوع حميد إلى تلقى الإجابات من مؤسسة وطنية وسطية، بعد عقود من اللجوء إلى مفتيى الفرق والجماعات، ولكن تديين الحالة المجتمعية هكذا جد خطير، يترجم فرط تدين!
معلوم الفتاوى تصدر لأصحابها، وتنشر على العامة، فإذا صدر مليون فتوي، فهناك ملايين يستقبلونها على هواتفهم النقالة، تصدر الفتاوى لتشيع كالوصفات الطبية، التى يبخُّها نفر من (الأطباء المستشيخين) على وسائل التواصل الاجتماعي، وخطرها داهم. نزوع المصريين إلى طلب الفتوى بشراهة مفرطة يشى بأن كثيرين باتوا مقلقلين حلالًا وحرامًا، صار السؤال حلالًا أم حرامًا السؤال الرئيس فى حياة الناس، ويخرق السؤال أدق الخصوصيات، وفى قضايا أبعد ما تكون عن الحلال والحرام،
ومسّت الفتوى قرارات سياسية وسياسات أقتصادية خلوًّا من الحلال والحرام، أخشى عيشتنا أصبحت بين حلال وحرام. المفتى بالمعنى العام (وليس فضيلة الدكتور شوقى علام) صار رقمًا صعبًا فى حياة المصريين، أخشى من خشية البعض من أنصار الدولة المدنية، سؤال الحلال والحرام، يعطى رجال الدين سلطةً ليست لهم فى تيسير الحياة، و هكذا يتحكمون فى حياة البشر، وإذا استمر حال المصريين فى رهن إرادتهم الحرة عند المفتيين ستكون آثارها وخيمة، تديين الحياة على هذا النحو خطير جدًا، وتسييد المراجع الدينية سيخلّف آثاره فى مقتبل الأيام.