من يقرأ مقالة الدكتور عبد الفتاح الجبالي عن نظم المرتبات والإجور في مصر ، لابد أن يتعرض للدوار ، وربما يسقط مغشيا عليه من كثرة الفروقات والتفاصيل المزعجة … شكرا للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يحاول أن يصلح ماأفسدته أيادي الشيطان ..
اختلالات الأجور فى المجتمع وسبل العلاج
بقلم ــ عبد الفتــــــــــــــاح الجبـــــــــــــــــالى
حسنا فعل الرئيس السيسى حينما أعلن خلال الاحتفال بيوم المرأة، عن سلة الإجراءات الهادفة إلى زيادة دخول متحصلى الأجور وأصحاب المعاشات، والتى من ضمنها رفع الحد الأدنى لأجور العاملين بالدولة من 1200 الى 2000 جنيه ، مع تحريك السلم الوظيفى وزيادة باقى الدرجات بنسب متدرجة حتى الدرجة الممتازة، وذلك للحفاظ على التدرج الوظيفى وحقوق العاملين .
بالإضافة الى منح علاوة استثنائية مقطوعة للجميع بمبلغ 150 جنيها شهريا، فضلا عن رفع قيمة العلاوة الدورية السنوية والمستحقة بنسبة 7% من الأجر الوظيفي، وبنسبة 10% من الأجر الأساسى لغير المخاطبين وبحد أدنى 75 جنيها للعلاوتين، هذا فضلا عن رفع الحد الأدنى للمعاشات وزيادتها بنسبة 15%، وكلها أمور تصب فى مصلحة الموظفين وأصحاب المعاشات، وهى الشرائح التى تحملت العبء الاكبر لبرنامج الإصلاح الاقتصادي.
وتأتى هذه الإجراءات فى إطار الجهود لإصلاح الخلل فى هيكل الأجور وصولا الى تحقيق ما يطلق عليه العمل اللائق، وهو مفهوم يشير الى توفير فرص عمل مناسبة تدر دخلا عادلا وآمنا فى مكان العمل، وحماية اجتماعية للأسر، وأفاقا أفضل للتنمية الذاتية للأفراد وكذلك الاندماج فى المجتمع.
إذ تدلنا الخبرات الدولية المختلفة على أن النمو الاقتصادى يؤدى إلى المزيد من العمل مقابل أجر، وبعبارة أخرى فإن تطور المجتمعات غالباً ما صاحبه زيادة فى علاقات العمل الأجرية، مع تأكيد ضرورة ألا يقتصر النظر إلى الأجور باعتبارها مجرد عنصر من عناصر التكاليف فحسب، بل يجب أن يتعداه ليشمل النظر إليها باعتبارها مصدر الدخل الأساسى لقطاع عريض من المجتمع.
هذا فضلا عن أن زيادة الأجور تعد من أهم الطرق التى تستطيع بها الحكومات ضمان الحد الأدنى من المستويات المعيشية اللائقة لقطاعات لا بأس بها من السكان. خاصة ان الأصل الأساسى لدى الفقراء هو العمل، باعتباره السبيل الوحيد أمامهم لكى يتغلبوا على فقرهم، وهنا يشير بحث الدخل والإنفاق الى ان 54% من إجمالى الأسر الفقيرة التى يرأسها رجال يعملون بأجر نقدي، وكذلك فان 53% من إجمالى الفقراء يعملون فى القطاع غير الرسمى مقابل 35% فى القطاع الخاص و12% فى القطاع الحكومي، كما أن الأجور تعد المصدر الأساسى للإنفاق الاستهلاكى لقطاع عريض من المجتمع، وبالتالى فهى تسهم فى إنعاش الاقتصاد القومي، وذلك فى ضوء الميل المرتفع للاستهلاك لدى هذه الشريحة.
يضاف إلى ما سبق ما يتميز به المجتمع المصرى من سمة أساسية تبرز فى ارتفاع معدل الإعالة، والذى يقاس عن طريق العلاقة بين القوى العاملة وعدد السكان، بصورة كبيرة، إذ تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن قوة العمل المصرية، لا تمثل سوى 30 % من السكان.
وهنا نلفت النظر الى قضية مهمة وهى ان معظم المشتغلين بأجر يعملون لدى القطاع الخاص المنظم (33% من إجمالى المشتغلين بأجر) يليه القطاع الخاص غير المنظم (32% من الإجمالي) مقابل 30% لدى القطاع الحكومى و4% لدى القطاع العام وقطاع الاعمال العام والباقى لدى القطاع الاستثمارى والتعاوني، مع ملاحظة أن 72% ممن يعملون بأجر يشتغلون بشكل دائم نظرا لان معظمهم يعمل فى الحكومة والقطاع العام، وبينما تصل نسبة العاملين بعقد قانونى الى 46% من إجمالى العاملين بأجر فى المجتمع ككل، فان هذه النسبة تصل الى 4% فقط لدى القطاع الخاص خارج المنشآت.
ووصلت نسبة المشتركين بالتأمينات الاجتماعية إلى 48% على صعيد المجتمع فأنها تصل الى 10% فقط لدى هؤلاء. وكذلك تبلغ نسبة المشتركين فى التأمين الصحى نحو 40٫7 % لدى المجتمع ككل ولكنها تهبط الى 2 % لدى هذا القطاع.
ومن هنا فان التركيز على إصلاح الخلل فى الأجور يجب ان يتم على مستوى المجتمع ككل وليس فقط القطاع الحكومي، وهنا تجدر الإشارة إلى إن إجمالى قيمة الأجور المدفوعة فى الاقتصاد المصرى تشكّل نحو 33% من الناتج المحلى الإجمالي، وهو ما يمثّل خللاً هيكلياً فى «التوزيع الأوّلي» للدخل لمصلحة أصحاب الأعمال ورؤوس الأموال والأصول (الأرباح والفوائد والريع) ولغير مصلحة العمال (الأجور)، علماً بأن هذه النسبة تصل إلى نحو 60% مثلاً فى البلدان المتقدمة وهى المسألة التى لم تحظ بالاهتمام حتى الآن. مع ملاحظة ان أجور الحكومة قد استحوذت على النصيب الأعلى يليها قطاع الصناعات التحويلية ثم قطاع تجارة الجملة والتجزئة ثم قطاع التشييد والبناء.
وعلى الجانب الآخر تشير الإحصاءات إلى انه وعلى الرغم من استيعاب القطاع الخاص لنحو 70 % من العمالة إلا أن نصيبه من الأجور على المستوى القومى قد وصل إلى 55 % من الإجمالى مما يعكس انخفاض متوسط الأجر فى القطاع الخاص مقارنة بقطاعات الاقتصاد القومى الأخرى.
وهنا تشير البيانات إلى أن المتوسط الشهرى للأجور النقدية لدى القطاع العام أعلى من مثيله فى القطاع الخاص، وتختلف هذه المسألة بين القطاعات المختلفة، إذ ترتفع أجور العاملين فى القطاع الخاص فى قطاعات الوساطة المالية وأنشطة العقارات والتعليم، بينما تزيد أجور العاملين فى القطاع العام عن مثيلتها فى القطاع الخاص فى الأنشطة التالية الزراعة والصناعة التحويلية والتشييد والبناء وتجارة الجملة والتجزئة والنقل والتخزين..
ومن المفارقات المهمة فى هذا الصدد أن بعض القطاعات التى تزيد فيها أجور العاملين فى القطاع العام عن القطاع الخاص هى القطاعات التى تتزايد فيها العمالة بالقطاع الخاص وليس العكس مثل الزراعة. وهكذا يتضح لنا التشتت الكبير فى الأجور سواء بين المهن المختلفة داخل الاقتصاد القومى أو فيما بين العمال الذين يؤدون مهام متشابهة ونفس ظروف العمل.
وعلى الجانب الآخر فإن الأطر القانونية والمؤسسية المنظمة للأجور تحتاج الى المزيد من التنسيق والاتساق مع السياسات الاقتصادية، وهى مسألة ضرورية، خاصة ان الدستور المصرى يشير فى العديد من مواده الى هذه المسألة ويضع الحدود الرئيسية لوضع سياسة الأجور، والتى يمكننا إجمالها فى الحق فى الحصول على أجر عادل مقابل أداء العمل، وضرورة وضع حد أدنى للأجور على مستوى المجتمع ككل، مع العمل على الحد من التفاوتات فى الأجور وربطها بالإنتاج والإنتاجية. وكلها أمور يجب ان تتم فى إطار القانون الذى يضع القواعد والأسس التى تنظم عملية الحصول على الأجر والترقيات الوظيفية وغيرهما من الامور المرتبطة بها.
وجدير بالذكر أن هناك نوعا من التشتت فى الإطار القانونى المنظم لسياسة الأجور، حيث يوجد قانون العمل رقم (12) لسنة 2003 وهو القانون العام الذى يحكم علاقات العمل فى المجتمع، وفقا لما جاء فى المادة الثالثة منه. حيث يطبق على جميع العاملين فى المجتمع باستثناء العاملين بأجهزة الدولة. فضلا عن القانون رقم 48 لسنة 1978الذى يتعامل مع العاملين بشركات القطاع العام فينظم أوضاعهم الوظيفية والمالية.
ويختص القانون رقم 203 لسنة 1991 بأوضاع العاملين بشركات قطاع الأعمال العام، وقد جاء بنص يشير الى ضرورة أن تضع الشركة بالاشتراك مع النقابة العامة المختصة اللوائح المتعلقة بنظام العاملين بها وتتضمن وضع نظام للأجور والعلاوات والبدلات طبقا للتنظيم الخاص بكل شركة، وتعتمد هذه اللوائح من الوزير المختص. وأشارت المادة 43 من القانون الى ضرورة ان تراعى هذه اللوائح التزام نظام الأجور بالحد الأدنى المقرر قانونا، وربط الأجر ونظام الحوافز والبدلات والمزايا المالية بما تحققه الشركة من نتائج أعمال أو رقم أعمال وما تحققه من أرباح.
ولذلك نلحظ التباينات الشديدة فى الأجور بين هذه الكيانات والوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة والتى تتمثل فى وحدات القطاع العام الخاضعة لأحكام القانون 97 لسنة 1983 وعددها 47 وحدة، ويعمل بهذه الكيانات نحو 213 ألف عامل يحصلون على أجور نحو 35 مليار جنيه. مع ملاحظة ان العاملين فى بنوك القطاع العام 14% من إجمالى هذه المجموعة يحصلون على 25% من إجمالى اجورها، كذلك العاملون بشركات البترول (نحو 30%) يحصلون على 49% من الاجمالى وفى المقابل فان المقاولون العرب التى يعمل بها 31% يحصلون على 16%.
أما فيما يتعلق بالشركات الخاضعة للقانون رقم 203 لسنة 1991 وعددها ثمانى شركات قابضة يتبعها عدد من الشركات التابعة، ويعمل بها 225 ألف عامل بلغت اجورهم نحو 15 مليار جنيه مع ملاحظة الاختلالات الأجرية فيما بينهم، اذ بينما يعمل بقطاع الغزل والنسيج نحو 60 ألف عامل (نحو 27% من إجمالى القطاع) لا يحصلون إلا على 18% من إجمالى الأجور، بينما القابضة للتأمين والتى يعمل بها نحو 5% يحصلون على 10% من الأجور وكذلك القابضة للكيماويات التى يعمل بها 15% يحصلون على 21% من الأجور.
هذا فضلا عن 13 شركة قابضة اخرى تتبع وزارات الدولة المختلفة ويعمل بها نحو 389 ألفا، مثل القابضة للصناعات الغذائية التابعة لوزارة التموين، والقابضة لمصر للطيران والقابضة للمطارات والملاحة الجوية والخاضعة لوزير الطيران المدني، والمستحضرات الحيوية واللقاح الخاضعة لوزير الصحة، يضاف الى ما سبق الشركات الخاضعة لقانون 159 لسنة 1981 وهى القابضة للكهرباء والمصرية للاتصالات التى تملك الدولة فيها (80%).
وهنا تجدر الإشارة الى ان فاتورة الأجور بختامى الموازنة العامة عام 2017/2018 بلغت 240 مليار جنيه، مع الأخذ بالحسبان انها لا تشمل الجهات ذات البند الواحد التى تحصل على موازناتها فى الباب الخامس، تضاف الى ما سبق الهيئات الاقتصادية التى يعمل بها نحو 457 ألفا يحصلون على أجور وصلت الى 30 مليار جنيه.
وقد زادت الامور تعقيدا، حيث يخضع بعض العاملين بأجهزة الدولة لقانون الخدمة المدنية وعددهم 2٫5 مليون موظف بنسبة 47% من الإجمالي، والبعض غير مخاطب بالخدمة المدنية وعددهم 2٫9 مليون (بنسبة 53% من الإجمالي).
وهنا تظهر اولى المشكلات، حيث غير قانون الخدمة المدنية من نظام الأجور تغييرا جذريا ليصبح الحديث هنا عن الأجر الوظيفى والذى يساوى الأجر الأساسى للموظف فى 30/6/2015 متضمنا العلاوات الخاصة المضمومة وغير المضمومة، والعلاوة الاجتماعية الموحدة والإضافية ومنحة عيد العمال وعلاوة الحد الأدنى وما يعادل نسبة 100% من الأجر الأساسى فى 30/6/2015. والعاملون وفقا لهذا القانون يحصلون على علاوة دورية 7% من الأجر الوظيفى بينما يحصل غير المخاطبين على علاوة دورية لا تزيد عن 6٫5 جنيه شهريا.
ومما زاد من تعقيد المشكلة ما نصت عليه المادة الخامسة من القانون رقم 16 لسنة 2017 والتى بمقتضاها تم تحويل الحوافز والبدلات والمكآفات وغيرها من بنود الأجر المتغير الى فئات مالية مقطوعة وليست نسبا من الأجر الأساسى كما كان متبعا من قبل، ومع تسليمنا الكامل بعدالة هذا التوجه تماما إلا أن المشكلة تكمن فى ان هذه الجهات لم تضع حتى الآن سياستها للأجر المكمل ومن ثم اصبحوا لا يحصلون إلا على هذه العلاوة الضئيلة للغاية.
وفى إطار العمل على عدم تضرر الموظف من النظام الجديد تم الحفاظ على باقى ما يصرف له وسمى بالأجر المكمل (مادة 74) وهو جميع ما يصرف للموظف، فى 30/6/2015 بخلاف ما ورد بالأجر الوظيفي، ويشمل المكافآت بأنواعها والحوافز بأنواعها والبدلات بأنواعها بذات القواعد والشروط، بعد تحويلها من نسب مئوية مرتبطة بالأجر الأساسى إلى فئات مالية مقطوعة.
هذا مع ملاحظة ان التحويل الى ارقام مطلقة لا يخفض الأجر المكمل نهائيا، ولا يثبته. ولكنه يسهم إلى حد بعيد فى تنظيم الرواتب والأجور للدرجات الوظيفية بمختلف الوزارات والجهات العامة ليحد من تفاوتهات بين جهة وأخري. وتقليل الفروق بين الجهات الداخلة فى القانون وبعضها البعض، وكذلك بين المستويات الوظيفية المختلفة. لكل هذه الأسباب جاءت المادة 41 من القانون لتضع نظاما واحدا للأجر المكمل يراعى طبيعة عمل الوحدة ونوعية الوظائف بها وطبيعة اختصاصاتها ومعدلات أداء موظفيها، بناء على عرض الوزير المختص وبعد موافقة وزارة المالية ودراسة الجهاز.
وكان من المفترض ان تقوم الجهات المختلفة بوضع تصوراتها للأجر المكمل وعرضه على وزارتى المالية والتخطيط تمهيدا لإقراره من مجلس الوزراء، وهو مالم يتم إلا فى عدد محدود للغاية من هذه الوحدات، ولذلك شعر البعض بنقص فيما كان يحصل عليه من دخول، ولا ندرى أسباب التقاعس عن هذه المسألة حتى الآن.
وهكذا يتضح لنا التشتت الكبير فى سياسة الأجور بين جداول رواتب جامدة، وترك الحرية الكاملة لبعض الشركات فى تنظيم هذه العملية. ولذلك فإن إصلاح الخلل على المستوى القومى يتطلب العمل أولا على تعميم الحد الأدنى للأجور على المجتمع ككل، مع مراعاة ضرورة أن يتسم بالكفاءة والمرونة، عبر أنواع العمل بما يلائم مختلف مرونات العرض والطلب.
فاذا كان الهدف الأساسى من وضع حد أدنى للأجور هو تعزيز العمل اللائق ورفع الإنتاجية وتقليل الفقر بين العمال، إلا انه يجب ان يأخذ بعين الاعتبار التوازن بين حماية العمال من جهة وإيجاد الحافز لدى الشركات على الاستثمار والتشغيل من جهة أخرى. وبمعنى آخر فإذا كان الحد الأدنى أعلى من اللازم (كأن يفوق متوسط الأجر السائد فى المجتمع) فإنه يؤدى بالضرورة إما إلى خفض العمالة أو تقليل فرص العمالة الأقل مهارة.
وبالتالى فمن المهم ألا يكون الحد الأدنى مغالى فيه. ويتوقف تأثير الحد الأدنى للأجور، من نتائج إيجابية أو سلبية، فى قدرته على التأثير على فرص العمل والإنتاجية وهو ما يتوقف بدوره على هيكل السوق ومستوى الحد الأدنى للأجور، بالإضافة الى قدرة الحكومة على إنفاذه، على ان يتناسب مع مستويات المعيشة، ويتحرك سنويا وفقا لمعدلات التضخم المعلنة من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، ويكون هذا الحد جزءا لا يتجزأ من عقود العمل الجماعية والفردية ويضمن الحفاظ على مستوى ملائم من العمالة فى المجتمع.
أما عن الجهة المنوط بها وضع هذا الحد فهى المجلس القومى للأجور، وهو ما يتطلب تفعيل دوره ليصبح الفاعل الرئيسى فى هذا المجال الذى يضع الإستراتيجية المناسبة للتعامل مع جميع الأمور المرتبطة بالأجور والرواتب فى المجتمع، مع منحه الصلاحية الكاملة لتنفيذ ما يراه مناسبا من سياسات.
وهو ما يتطلب بدوره تعديل المادة (34) من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 لتعطى للمجلس الصلاحية الكاملة فى إقرار العلاوة السنوية وفقا لما يراه من متغيرات اقتصادية واجتماعية معينة وما يتوقعه من سياسات وإجراءات. وذلك بدلا من الوضع الحالى الذى حددها بـ7% من الأجر الأساسى كحد أدنى، لأن ذلك أفقد المجلس أهم آليات التعامل فى هذه المسألة، كما أن تحديد العلاوة بالأجر الأساسى فقط فيه ظلم شديد للعاملين، وبالتالى يجب أن يعطى المجلس الصلاحية الكاملة فى هذه المسألة.
وترتبط بهذه المسألة مشكلة تطبيق الحد الأقصى للدخول وذلك بعد صدور العديد من الفتاوى الخاصة بعدم إخضاع بعض الفئات للقانون رقم 63 لسنة 2014 بشأن الحد الأقصى للدخول، والقواعد التنفيذية لأحكامه الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1265 لسنة 2014 استنادا الى المادة 27 من الدستور والتى نصت صراحة على أن الحد الأقصى للدخول ينطبق على العاملين بأجر لدى أجهزة الدولة، وهى أجهزة السلطة التنفيذية ولا يجوز امتداده لغيرها، من هنا جاءت الفتاوي.
لذلك أصبح من الضرورى العمل على تفعيل القانون المشار اليه آنفا وتلافى سلبيات التطبيق، وأبرزها انه يتحدث عن العاملين بأجر لدى أجهزة الدولة المختلفة، الأمر الذى يفهم منه أنه لا ينطبق على غير العاملين بأجر، مثل أعضاء مجالس الإدارة من ذوى الخبرة، وبذلك يكون قد أغفل تماماً الهدف الأساسى من وضع الحد الأقصى وهو الحفاظ على المال العام.
والأهم من ذلك أنه يُعطى رسالة سلبية بأن الهدف هو معاقبة الموظف العام مقارنة بنظيره الذى يعمل خارج الجهاز الإدارى (وللأسف فان هذا النص جاء مطابقا لما جاء به الدستور، الأمر الذى يضعنا فى مأزق حقيقى أمام هذه المشكلة). من هذا المُنطلق، فإننا نقترح أن يتم تعديل القانون لينص على أنه لا يجوز لأى شخص سواء كان عاملاً بأجر أو دون أجر، وسواء كان يعمل داخل أجهزة الدولة أو خارجها، بحيث تصبح العبرة هنا هى المال العام وليس الموظف العام.
ومن الجدير بالذكر ان القواعد التنفيذية الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء عن الجهات التى يطبق عليها، القانون المذكور قد جاءت على سبيل الحصر وليس المثال، الأمر الذى يتطلب التعديل إما بإضافة جميع الجهات التى ينطبق عليها، أو النص على سبيل المثال وليس الحصر. وعلى الجانب الآخر لم توضح القواعد التنفيذية موقف العديد من الجهات ذات الطبيعة الخاصة والوضعية القانونية المختلفة.
يضاف الى ما سبق ان القانون قد استثنى من تعريف الدخل، مصاريف الانتقال، وهى مسألة رغم أهميتها إلا أنها تفتح الباب واسعاً للتحايل على القانون. خاصة بعد التعديلات التى أدخلها قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1026 لسنة 2013 على لائحة بدلات السفر ومصاريف الانتقال. وقد حاول القرار الوزارى رقم 9 لسنة 2014 والصادر عن رئيس مجلس الوزراء وضع حدود لهذه المصاريف بخمسة آلاف جنيه شهرياً وبحد أقصى اثنتا عشرة جلسة سنوياً، إلا أننا نرى ضرورة التحديد القاطع لهذه المسألة.
كما لم توضح القواعد التنفيذية أسس المحاسبة التى سيتم التعامل بها. فهل ستتم المحاسبة على الأساس النقدي، أى حين يحصل الشخص على المبلغ، أم على أساس استحقاق، أى عندما يتقرر له مبلغ محدد. فعلى سبيل المثال، إذا قررت الجمعية العمومية صرف مكافأة فى شهر نوفمبر من العام وقامت الجهة بالصرف فى شهر يناير من العام الذى يليه، فعن أى سنة مالية سيتم التعامل؟، هل السنة التى تقررت فيها المكافأة أم السنة التى صرفت فيها؟
ومن المشكلات المهمة أيضا ما نصت عليه المادة الرابعة من القواعد التنفيذية والتى ألزمت العامل برد المبلغ الزائد إلى الوحدة الحسابية للجهة التابع لها خلال ثلاثين يوماً، والسؤال عن الأفراد والأشخاص المستقلين من ذوى الخبرة، ماذا يفعلون؟ وإلى أى جهة يتم الرد؟.
تنص القواعد التنفيذية على قيام الجهة الإدارية باستقطاع قيمة الزيادة من أى مبالغ مستحقة للموظف فى موعد غايته شهر ديسمبر من العام التالى لعام الصرف، ولكنها لم تحدد كيف يمكن الحصول على باقى المستحقات إذا كانت مستحقاته خلال السنة، لا تفى بالمبالغ المطلوبة.
نص القانون على معاقبة مراقبى وزارة المالية والجهاز المركزى للمحاسبات، عند عدم الإبلاغ، ولكنه لم يتحدث إطلاقاً عن الموقف من الشخص الذى حصل على المبالغ الزائدة ويرفض ردها، مع العلم بأن قرار رئيس مجلس الوزراء والذى وضع القواعد التنفيذية للمرسوم السابق، كان قد وضع عقوبات محددة، وهى مسألة ضرورية ومهمة يجب إعادتها من جديد.
وهنا ايضا تبرز مشكلة المعاملة الضريبية لكل منهما اذ انه وبمقتضى الخدمة المدنية تم ضم كل من العلاوات الاجتماعية والعلاوات الخاصة والبدلات المعفاة بقوانين خاصة.. الخ. الى الأجر الوظيفى وبالتالى إلغاء الإعفاء الذى كانت تتمتع به واصبحت ضمن الوعاء الضريبي، وهنا نلحظ ان العلاوات الخاصة تشكل نحو 345% من الراتب الأساسى فى نهاية يونيو 2013، كانت معفاة من الضرائب، قبل ان يتم إلغاء هذا الإعفاء فى العلاوات التى قررت بعد ذلك التاريخ، وبعبارة أخرى فان هؤلاء بمقتضى هذا القانون يدفعون ضرائب اكثر من زملائهم غير الخاضعين.
وتشير الإحصاءات الى ان هناك زيادة مستمرة فى اعتماد النظام الضريبى المصرى على ضريبة الأجور والرواتب، حيث إن معدل الزيادة فى الحصيلة من هذا النوع يزيد عن معدل زيادة الحصيلة الضريبية ذاتها، وذلك على العكس من الأنواع الضريبية الأخرى خاصة المهن الحرة وهو الخلل الاساسى فى النظام الراهن.
يضاف الى ما سبق الخلل داخل هذا النوع من الضرائب نتيجة لاختلافات النظم الأجرية ومن ثم المعاملة الضريبية، حيث يخضع العاملون بالدولة الى قوانين مختلفة كما اوضحنا، ناهيك عن إعفاء دخول بعض الفئات خاصة اعضاء البرلمان المصرى وفقا للائحة الداخلية للمجلس الصادرة بالقانون رقم (1) لسنة 2016، وطبقا لذلك توجد انواع معاملة ضريبية مختلفة لمكتسبى الأجور وهو ما يشير الى عدم مراعاة المقدرة التكليفية للممول والاختلال الكبير فى المعاملة الضريبية بين متحصلى نفس الأجر.
مع ملاحظة ان العبء الضريبى للرواتب والأجور يختلف كثيرا عن الاسعار المحددة بالشرائح المنصوص عليها فى القانون، وذلك لان القانون قد أعفى العديد من الإيرادات من الخضوع لهذه الضريبة، فهناك إيرادات غير خاضعة للضريبة (وهى المعاشات ومكافأة ترك الخدمة ومقابل الإجازات) فضلا عن حصة العاملين من الأرباح التى تقرر توزيعها طبقا للقانون، وكذلك المزايا العينية الجماعية. ويضاف إلى ما سبق الاعفاء الشخصى لمبلغ 7000 جنيه سنويا، ناهيك عن الشريحة المعفاة التى تبلغ 8000 جنيه والخصم الضريبى الذى يصل الى 85% للشريحة الثانية، فضلا عن اشتراكات العاملين فى صناديق التأمين الخاصة وأقساط التأمين على الحياة والتأمين الصحى على الممول لمصلحته او مصلحة زوجته او اولاده القصر واى أقساط تأمين لاستحقاق المعاش بشرط ألا تزيد جملة هذه المبالغ على 15% من صافى الإيراد او ثلاثة آلاف جنيه ايهما أكبر.
وهناك إعفاءات من هذه الضريبة يخضع لها البعض وليس الكل وهى الإعفاءات المقررة بقوانين خاصة مثل العلاوات الخاصة (المضمومة الى الراتب الاساسى وغير المضمومة)، والعلاوات الاجتماعية والإضافية والبدلات المعفاة بقوانين خاصة.. الخ.
كما ميزت الضريبة بين العاملين فى القطاع الحكومى والعام، وبين العاملين بالقطاع الخاص لأن العلاوات الخاصة والتى تشكل نحو 345% من الراتب الأساسى نهاية يونيو 2013، للموظف الحكومى معفاة من الضرائب، قبل أن يتم إلغاء هذا الإعفاء فى العلاوات التى قررت بعد ذلك التاريخ، وهو ما لا يتمتع به العاملون بالقطاع الخاص.
وهنا ايضا تبرز مشكلة ثالثة تتعلق بالمعاملة الضريبية لكل منهما، اذ انه وبمقتضى الخدمة المدنية تم ضم كل من العلاوات الاجتماعية والعلاوات الخاصة والبدلات المعفاة بقوانين خاصة.. الخ.
الى الأجر الوظيفى وبالتالى إلغاء الإعفاء الذى كانت تتمتع به وأصبحت ضمن الوعاء الضريبي، الامر الذى أدى الى ان يدفع هؤلاء ضرائب أكثر من زملائهم غير الخاضعين، وهذه الأوضاع أدت إلى اختلالات عديدة فى توزيع الأجور بالجهاز الحكومى ككل، نتيجة لأوضاع قانونية لا علاقة لها بالإنتاجية، وهى جوهر المشكلة، وبالتالى فان التعامل مع الاختلالات الأجرية بالمجتمع يجب أن يتم فى إطار منظومة متكاملة ومتسقة من الإجراءات والسياسات وتدعيم المجلس القومى للاجور.
التركيز على إصلاح الخلل فى الأجور يجب أن يتم على مستوى المجتمع ككل وليس فقط القطاع الحكومي، وهنا تجدر الإشارة إلى أن إجمالى قيمة الأجور المدفوعة فى الاقتصاد المصرى يشكّل نحو 33% من الناتج المحلى الإجمالي، وهو ما يمثّل خللاً هيكلياً فى «التوزيع الأوّلي» للدخل لمصلحة أصحاب الأعمال ورءوس الأموال والأصول