لماذا تخلت إيران عن سوريا؟
شارل فؤاد المصري
هذا السؤال يدور في أذهان الكثيرين ولا يجدون عليه إجابة قاطعة محددة ثابتة الدلالة، خاصة بعد أن انقسم الناس إلى فريقين. فريق حزين لسقوط الدولة السورية وليس النظام، إذ يمكن لأي نظام أن يسقط ويتغير، ولكن سقوط الدول يكون بلا رجعة. وهم أنفسهم فرحون بسقوط نظام تعفن في مكانه وكان يتمنى التغيير أن يكون سلمياً. وفريق هلل لنجاح “الثورة” على حد قولهم، ولكنهم سيعضون بنان الندم على تمكن 37 جماعة مسلحة مدرجة على قوائم الإرهاب العالمي من سوريا، مما أدى إلى تمكن دولة الكيان من استقطاع أراضٍ وهم الآن على مقربة من دمشق، على بعد 40 كيلومتراً حتى كتابة هذا المقال، وتدمير الأسطول البحري والجوي تماماً .
نعود إلى السؤال: لماذا تخلت إيران عن سوريا؟
الإجابة تكمن في تداعيات الحرب الأهلية الطويلة في سوريا والضغط الدولي المتزايد على إيران لتقليل تأثيرها في المنطقة وقطع أذرعها، سواء كانت هذه الأذرع أنظمة أو ميليشيات. او كان النظام السوري السابق أو حزب الله أو جماعة الحوثي أو حتى الحشد الشعبي.
كما أن الحرب الطويلة في سوريا أدت إلى تدهور اقتصادي وسياسي كبير لدى إيران نفسها وهي الداعم الرئيسي، مما جعل نظامها هشاً، وبخاصة بعد الضربات الأخيرة التي تلقتها وكانت مؤثرة ولم تعلن عنها إيران مؤخراً. خاصة الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع عسكرية إيرانية. هذه الضربات لم تؤثر فقط على القدرات العسكرية الإيرانية، بل أيضاً على قدرتها على دعم حلفائها في المنطقة .
ومن وجهة نظر بعض الخبراء الأوروبيين، فإن الضغوط الاقتصادية والعسكرية المتزايدة على إيران تجعلها تعيد تقييم أولوياتها في المنطقة. في حين يرى بعض الخبراء الأمريكيين أن هذه الضربات تهدف إلى تقليل النفوذ الإيراني في سوريا ومنعها من تعزيز وجودها العسكري هناك، وهو أحد أسباب فشل دعمها، وبالتالي سهلت سقوط النظام السوري
ويتبادر إلى الأذهان سؤال آخر وهو: هل تخاف إيران الولايات المتحدة حقاً؟
أعتقد أن العلاقات الإيرانية علاقات متشابكة ومعقدة، ولا نستطيع مع تشابكها وتعقيدها الإجابة على السؤال بشكل مبسط، ولكن أعتقد أن إيران لا تخشى الولايات المتحدة بالشكل التقليدي، لكنها تدرك تماماً التحديات والضغوط التي يمكن أن تفرضها واشنطن، خاصة فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني والنفوذ الإقليمي .
فإيران تحاول إدارة علاقتها مع الولايات المتحدة بحذر شديد لتجنب تصعيد التوترات إلى مستوى لا يمكن السيطرة عليه. على سبيل المثال، الرئيس الإيراني مسعود بشكيان أشار إلى أن إيران يجب أن تدير المواجهة مع الولايات المتحدة بنفسها على المستويين الدولي والإقليمي .
وفي ظل الضغوط الاقتصادية والعسكرية المتزايدة، الخبيرة في الشؤون الدولية، ماندي واكر، أكدت أن ترامب الرئيس الأمريكي المنتخب الذي سيتولى سدة الحكم يناير المقبل “يحمل ضغائن شخصية تجاه إيران، مما يجعل أي تقارب مستقبلي معقداً وصعب المنال. “
أيضاً، فإن إيران تحاول الحفاظ على نفوذها في المنطقة مع تجنب التصعيد المباشر مع الولايات المتحدة. وتمسكها بأذرعها وبمشروعيها الصاروخي والنووي، ولن تتراجع عنهما خلال الولاية الثانية لترامب .
ويجب أن نعرف أن الوضع الداخلي لإيران معقد ومتغير. فإيران تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، بما في ذلك ضغوط العقوبات الاقتصادية وارتفاع التضخم. ومع ذلك، فإن إيران لا تزال تمتلك قوة عسكرية واقتصادية معقولة تؤخذ في الحسبان .
الأيام القادمة ستتغير ملامح المنطقة، ويولد حالياً “شرق أوسط جديد”.. قد يستغرق 10 سنوات كاملة وربما أقل لتتشكل ملامحه النهائية التي بدأت الان في ظل خطط موضوعة مسبقاً ويجري تنفيذها بكل دقة.
حفظ الله مصر وحفظ قواتها المسلحة.