كفاح محمود
تضخم المدن واضمحلال القرى
كاتب سياسي ومناضل كردي
kmkinfo@gmail.com
تعرضت غالبية مدن الشرق الأوسط خاصة في الدول العربية المتعددة المكونات القومية والدينية والمذهبية منذ اكتشاف النفط وفي دول أخرى بُعيد انقلابات العسكر على النظم السياسية الى تضخم مريع في التركيب السكاني، وتغيير ديموغرافي حاد في ظل أنظمة اجتماعية قروية وسياسية شمولية، حولت المدن الى قرى مسرطنة بعد ان فعل الفقر والجهل والتصحر والعقلية السياسية المغلقة فعلته في اضمحلال القرى وهجرة أو تهجير سكانها الى مراكز المدن أو أطرافها طلبا للماء والكلأ تارة والغزو والاستيطان تارة أخرى!
ولعل ابرز الأمثلة على هذا التضخم في مراكز المدن واطرافها ما حصل في الدول العربية وخاصة في العراق وسوريا والأردن وليبيا ومصر وغيرها، حيث فقدت كثير من المدن الكبرى هويتها بسبب هذا التضخم العبثي الذي يعود في أصله الى الفقر وانعدام فرص العمل والفشل في تطوير القرى والأرياف الذي دفع ملايين من سكانها الى ترك قراهم والهجرة الى اطراف المدن في احزمة وعشوائيات بائسة، شوهت مداخل المدن ومخارجها، ناهيك عن الفقر والبؤس والعادات والسلوكيات الغريبة التي رافقت هذه المجاميع وشكلت عبئا ثقيلا على المدن، وتسببت في ابطاه او منع تطورها في كثير من الخدمات المتعلقة بالحاجيات الضرورية كالماء والكهرباء والمواصلات والصحة والتعليم،
وبنظرة سريعة وفاحصة لتلك المدن يدرك المرء هذا التضخم العبثي الذي تتحمل وزره الحكومات التي ركزت جل اهتماماتها على المدن وتركت الريف وقراه يأن من البؤس والفقر والتخلف.
واذا كان هناك ثمة مبرر للتضخم الأول الذي تحدثنا عنه فان ما حصل في العراق وسوريا والدول متعددة المكونات القومية والدينية والمذهبية كان ممنهجا ضمن برامج حكومية وبميزانيات كبيرة وخلفية أيديولوجية عنصرية او دينية مذهبية طائفية نفذته على مراحل الحكومات ذات التوجه الشمولي احادي القومية او الدين والمذهب، حيث عملت منذ أواسط القرن الماضي على احتواء وإذابة المكونات الأصغر قوميا أو دينيا ومذهبيا، وذلك بتهجير السكان الأصليين واستقدام سكان آخرين من قومية النظام او مذهبه لإحداث تغيير في التركيب السكاني والجغرافي لتلك المناطق كما حصل في مدن الحدود الجنوبية والغربية والشرقية لإقليم كوردستان العراق منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا،
وكذا الحال في سوريا وفي حزامها المسمى بالحزام العربي الذي نفذه النظام السوري باستقدام سكان عرب واسكانهم في قرى ومجمعات على حساب تهجير السكان الكورد الأصليين وبعثرتهم في المدن والقرى البعيدة عن جغرافيتهم الأصلية وهذا ما حصل بالضبط في العراق أيضا.
لقد تركت عمليات التغيير الديموغرافي آثارا مؤلمة واشكاليات يعاني منها العراق وسوريا حيث لم ينجح النظام البديل بحل تلك الإشكاليات المتراكمة منذ عقدين من الزمان رغم تضمينها في مواد دستورية واضحة دون التباس او تأويل، مما عقد الأمور ومنع تلك المناطق ومنذ عقدين من أي تقدم وازدهار، بل أصبحت مرتعا للتنظيمات الإرهابية بسبب تواجد الميليشيات والفصائل المسلحة المستقدمة من خارج المنطقة والتي تمارس هي الأخرى إرهابا منظما بحق سكان تلك المناطق وتضطرهم الى ترك بيوتهم ومزارعهم لاستكمال عملية تغيير ديموغرافي على خلفية طائفية اكثر بشاعة من تلك التي استخدمتها الأنظمة السابقة على خلفية التطهير العرقي.
انه تحدي كبير امام تلك الحكومات سواء في العراق او في سوريا التي بدأت تعيش نظام جديدا يتأمل فيه المواطن من كل المكونات انصافه وانهاء عمليات التغيير الديموغرافي بكل اشكالها ومعالجة آثارها وتداعياتها قبل أن تنفجر تلك الأورام والالغام وتقود البلاد الى حروب أهلية عرقية او طائفية تأتي على ما تبقى من تلك البلاد التي دمرتها الحروب وشوهت نظامها الاجتماعي والسيكولوجي.