بوتين وترمب يستعدان للمحادثات وزيلينسكي يعرب عن قلقه
الرئيس الروسي يكشف عن عرضه لوقف القتال ونظيره الأوكراني يؤكد “استحالة” ذلك إذا لم تدرج كييف في عملية التفاوض
سامي عمارة
كاتب وصحافي
كشفت مصادر الكرملين أنها تنتظر أن يجري ترمب محادثة هاتفية مع بوتين خلال الأيام القليلة المقبلة (أ ف ب)
ملخص
قال بوتين “إن المفاوضات مع أوكرانيا بدأت مع بداية العملية العسكرية الخاصة، وعرضت موسكو على كييف مغادرة أراضي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك”. وكشف عن أن الجانب الروسي أبلغ القيادة الأوكرانية بأن مواطني هاتين “الجمهوريتين” لا يريدون البقاء تحت سيطرة أوكرانيا. وعرض وقف القتال مقابل انسحاب القوات الأوكرانية.
ما بين “العلاقات الجيدة” التي تربطه مع الرئيس الروسي، بحسب ما قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، و”الموقف المتشدد” الذي يتخذه فلاديمير بوتين يوماً بعد يوم بحسب مراقبين كثر، تراوح التعليقات والتوقعات قبيل اللقاء المرتقب بين الرئيسين الروسي والأميركي. وما بين هذا وذاك تتباين التقديرات حول مستقبل الصراع الروسي – الأوكراني – الأميركي بين الحذر والأمل، الذي ثمة من يعزوه إلى أن ترمب “سياسي غير تقليدي، يمكن أن تتوقع منه بعض المفاجآت”.
وذلك خلال وقت تعكف موسكو على دراسة ما يتناثر بين الأوساط السياسية المحلية والعالمية من توقعات، ومنها ما كشفت عنه مصادر الكرملين حول أنها تنتظر أن يجري ترمب محادثة هاتفية مع بوتين خلال الأيام القليلة المقبلة. وتعمد الرئيس الروسي الكشف عن أنه عرض خلال الأيام الأولى للعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وقف القتال وانسحاب قواته مقابل انسحاب القوات الأوكرانية من جنوب شرقي أوكرانيا.
منطلقات بوتين
وكانت المصادر الروسية الرسمية كشفت عما ستستند إليه مواقف بوتين في المحادثات المرتقبة، التي سبق وأشار إليها في أكثر من مناسبة، وعاد ليؤكدها حول “حتمية تخلي أوكرانيا عن طلب انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي وحول وضعيتها الحيادية وإخلاء أراضيها من الأسلحة الاستراتيجية، فضلاً عن احتفاظ روسيا بكل ما توصلت إليه من مكاسب تتمثل في ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، والمقاطعات الأربع التي انضمت إليها خلال سبتمبر (أيلول) 2022. وذلك ما أوجزه بوتين بالأمس في حديثه الأخير إلى برنامج “موسكو – الكرملين – بوتين”،
في معرض تناوله لاتفاق إسطنبول الذي توصل إليه الجانبان الروسي والأوكراني خلال مارس (آذار) 2022، من منظور تمسكه بهذا الاتفاق الذي سحب الجانب الروسي بموجبه قواته التي تمكنت خلال الأيام الأولى من العملية الروسية العسكرية من فرض حصارها حول العاصمة كييف. وأعاد بوتين إلى الأذهان ما سبق وطالب به في رسالتيه اللتين بعث بهما إلى الإدارة الأميركية السابقة وحلف شمال الأطلسي خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، حول “سحب البنية التحتية العسكرية لحلف شمال الأطلسي من الحدود الغربية لروسيا”.
وكان مساعد الرئيس الروسي لشؤون السياسة الخارجية يوري أوشاكوف عاد إلى تأكيد ذلك في ما قاله حول ضرورة إجراء مفاوضات أكثر شمولاً حول موضوع البنية الأمنية الأوروبية، وسحب حلف شمال الأطلسي من الحدود الغربية لروسيا (إلى حدود عام 1997)، نظراً إلى أن “هدف التسوية لا ينبغي أن يكون هدنة قصيرة ولا بعض الراحة، بل سلام طويل الأمد يعتمد على احترام المصالح الروسية الموضوعية”.
ولعل ما سبق وقاله بوتين تعليقاً على ما طرحه كل من فيكتور أوربان رئيس حكومة المجر وروبرت فيتسو رئيس حكومة سلوفاكيا خلال زيارتيهما لموسكو، من اقتراحات حول وقف إطلاق النار يظل ساري المفعول تحسباً لما تحتاج إليه القوات الأوكرانية من فسحة زمنية لالتقاط الأنفاس، وحشد ما تحتاج إليه من قوات، إلى جانب الحصول على التسليح اللازم لتعويض ما تكبدته من خسائر خلال الفترة الماضية. على أن ذلك لم يمنع مراقبين كثراً من توقع “أن بوتين سيجد لغة مشتركة مع الرئيس الأميركي، وسيحقق ما يريد”.
وكان المستشار السابق لشؤون الأمن القومي الأميركي جون بولتون حذر من ذلك، ما يعيد إلى الأذهان ما تعالى من صخب وضجيج واسع النطاق داخل واشنطن في أعقاب لقاء الزعيمين الذي جرى داخل العاصمة الفنلندية هلسنكي خلال يوليو (تموز) 2018، واتهامات تعالت في حق ترمب بالتنازل أمام نظيره الروسي.
وكان بولتون الذي أقاله ترمب من منصبه، ولم يكن مضى على شغله إياه أكثر من بضعة أشهر، أعرب خلال الأيام القليلة الماضية عن مخاوفه تجاه أن “بوتين سيكون قادراً على خداع ترمب في المفاوضات المرتقبة”، على حد تعبيره. وعلى رغم كل ما تتسم به تعليقات وتصريحات عدة صدرت عن الجانب الروسي، وبكل ما يغلب عليها من طابع التفاؤل و”المهادنة”، فإن أحداً في موسكو لم يغفل يوماً أن العلاقات الروسية – الأميركية لم تكن خلال الولاية الأولى لترمب على ما يرام، وأن ترمب يظل صاحب أكبر قدر من العقوبات التي أقرتها الإدارة الأميركية ضد روسيا في التاريخ.
بوتين عرض انسحاب قواته
وتعمد الرئيس بوتين في برنامج “موسكو – الكرملين – بوتين” الذي عرضته القناة التلفزيونية الرسمية أكثر من مرة، أن يستبق المحادثات المرتقبة مع نظيره الأميركي بحديث إلى هذا البرنامج الذي يكتسب يوماً بعد يوم الصفة الرسمية، أوجز فيه بعضاً من رؤيته تجاه الصراع مع أوكرانيا. وقال بوتين “إن المفاوضات مع أوكرانيا بدأت مع بداية العملية العسكرية الخاصة، وعرضت موسكو على كييف مغادرة أراضي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك”. وكشف عن أن الجانب الروسي أبلغ القيادة الأوكرانية بأن مواطني هاتين “الجمهوريتين” لا يريدون البقاء تحت سيطرة أوكرانيا. وعرض وقف القتال مقابل انسحاب القوات الأوكرانية.
وننقل عن “ريا نوفوستي” ما أشار إليه الرئيس الروسي حول “أن العملية الروسية العسكرية الخاصة كانت إجراء قسرياً، ولم تترك لروسيا أية فرصة لفعل خلاف ذلك. ونشأت أخطار أمنية لدرجة أنه كان من المستحيل الرد بوسائل أخرى”. وأضاف أن “روسيا تحاول منذ 30 عاماً التوصل إلى اتفاق مع ’ناتو‘ حول مبادئ السلامة في أوروبا”، لكنها واجهت في المقابل إما الخداع والأكاذيب الساخرة أو محاولات الضغط والابتزاز، في حين أن ’ناتو‘ في هذه الأثناء وعلى رغم احتجاجات الجانب الروسي يتوسع بصورة مطردة ويقترب من حدود روسيا الاتحادية”. ووصف بوتين الهدف من العملية الخاصة في أوكرانيا بأنه “حماية الأشخاص الذين تعرضوا للانتهاكات والإبادة الجماعية على يد نظام كييف لمدة ثمانية أعوام”.
ماذا عما في جعبة ترمب؟
سارع الرئيس الأميركي إلى أساليب الوعيد والتهديد التي كثيراً ما عُرف بها في تعامله على الصعيدين الداخلي والخارجي. فمن إعلانه عن “حبه للروس” وما قاله حول “العلاقة الجيدة” التي تربطه ببوتين، وغير ذلك من “المجاملات” والعبارات الفضفاضة التي تضمنها حديثه خلال أول مؤتمر صحافي يعقده في البيت الأبيض، تحول ترمب إلى التلويح بتهديداته التي لم تلتفت لها موسكو. وكان ترمب هدد بفرض “رسوم جمركية باهظة وضرائب وعقوبات خطرة على كل ما تبيعه روسيا للولايات المتحدة”، إذا لم يوافق بوتين على اتفاق سلام مع أوكرانيا. وسارع إلى إطلاق مختلف التصريحات التي وعد فيها بإنهاء الصراع المسلح بين روسيا وأوكرانيا خلال 24 ساعة.
وقال إن مثل هذه الصراع لم يكن لينشب لو كان رئيساً للولايات المتحدة، فيما كشف عما كان يمكن أن يفعله في مثل تلك الظروف. وأضاف قوله إنه يكفيه أن يعلن “وقف صادرات السلاح إلى كييف، لتكون أوكرانيا عاجزة عن الاستمرار في القتال لأكثر من أسبوع واحد”. وذلك فضلاً عما اتسمت به تقديرات الجانب الأميركي من “ارتباك” تجاه تحديد وقت تحتاج إليه الإدارة الجديدة لوقف الصراع الدائر. فمن 24 ساعة ارتفعت حتى ستة أشهر، لتعود ثالثة وتهبط إلى “100 يوم”.
وها هو ترمب يعود مرة أخرى ليهدد بوتين بفرض عقوبات أكثر صرامة على موسكو لإجباره على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. إلا أن روسيا وعلى رغم كل هذه “العبارات والتهديدات القاسية”، لم تعر ما يصدر عن ترمب اهتماماً ذا وزن يذكر. كما أن ما صدر ويصدر عن ترمب من تهديدات لم يجد الصدى المناسب في الداخل الأميركي. وتداولت الصحف الأميركية تعليقات كثر من أعضاء الكونغرس الأميركيين ومنها أن بوتين “سيتمكن من الحصول على ما يريد من الرئيس الأميركي خلال اللقاء وإبرام الصفقة التي يريدها”. ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن مصدر جمهوري متعاطف مع روسيا، طلب عدم كشف هويته، ما قاله حول أن “ترمب سيظهر على أنه أوقف الصراع. لكنه سيستسلم. وسيحصل بوتين على ما يريد”.