حمدي رزق
«إحنا ولاد النهارده» محو الذاكرة الضرائبية المخيفة!
وليس ببعيد، ومن ذاكرتنا الضرائبية العابرة كانت مصلحة الضرائب بعبعًا يُخيف الممولين يتهربون منها، يتخفون منها وراء الأبواب الموصدة، ويخفون أرباحهم خشية المتلصصين من مأمورى الضرائب.
كان مرور المأمور من المخيفات السبع فى مخيلة المصريين، وكان لقبه «مأمور» مقلقًا، مخيفًا مثل «أبورجل مسلوخة» فى الذاكرة الطفولية، يخيف صغار الممولين.
مرور المأمور كان عاصفًا مثل مرور «أمشير»، شهر الزوابع والأعاصير، كانوا يتشاءمون من قدومه ويغلقون دونه الأبواب، المحال تغلق أبوابها، ويبلغون فرارًا.
كانت المحاكم فى أرجاء القُطر المصرى الكبير تعج بقضايا التهرب الضريبى، حكايات ومآسٍ يشيب من هولها الولدان، وتستمر طويلًا طويلًا بلا نهاية، لا تنقضى أبدًا، ربما يلقى الممول وجه كريم ومأمور الضرائب على الغسل يحاسبه حساب الملكين.
والشىء لزوم الشىء، تخصص رهط من دهاقنة المحامين والمحاسبين فى هذه النوعية من القضايا المزعجة التى تعكر المزاج، مصدر عكننة، وكان الحكى الشعبى على المقاهى وقتئذٍ بغيضًا.
واستمرت لعبة «القط والفأر» دواليك، المصلحة تربط الضريبة جزافيًا، والممول يتفنن فى التهرب منها تلقائيًا، لا المصلحة حصدت ربطها، ولا الممول قام بتأدية حق الدولة فى أرباحه.
مصلحة الضرائب المصرية فى عهدتها الجديدة، وعبر حملة ترويجية مخططة جيدًا، تطل على الممولين بوجه باسم، تصبح عليهم وتمسى، مع تمنيات بالتوفيق فى الأعمال ومزيد من الأرباح.
المصلحة تخارجت من كل الجزافيات الماضوية البغيضة، باتت سندًا للممولين، تسهل عليهم، وتبسط لهم، وتفرد لهم جناحها، وتتفاهم معهم، وتمنحهم حزمة حوافز تترجم جوائز.
المصلحة لا تكذب على الممول ولا تتجمل شعبيًا، تغلق الملفات القديمة المزمنة، وتعفى المستحقين، وتطلق شعار «إحنا ولاد النهارده»، وتتصالح مع المتعثرين لحين ميسرة، وتقف منهم موقفًا رحيمًا.
تغيير مفهوم الضرائب من «الجباية»، وهو لفظ كريه، إلى «حق الدولة» يغير كثيرًا من المفاهيم البغيضة التى سادت لعقود، إزاء تغيير جذرى فى الفكرة المؤسسة لمصلحة الضرائب المصرية.
مصلحة الضرائب المصرية تتحدث عن نفسها، اسمعوا منا ولا تسمعوا عنا، «مبادرة التسهيلات الضريبية» التى تترجمها الحملة الترويجية التى تحتل مساحات فى الفضاء العام، وتلقى قبولًا حسنًا لحسن لغتها وأفكارها المبتكرة ومنطقها العقلانى فى حفز الممولين لتأدية حق الدولة بعدالة وكرامة.
لافت فى المبادرة عنوان «شراكة» تتسم بالوضوح والشفافية والعدالة واليقين، وكلها مفردات منهجية لحصد ثقة الممول، لم يعد الممول متهمًا حتى تثبت براءته، بل هو برىء ابتداء وانتهاء، مواطن يؤدى حق الدولة دون تعريض بسمعته أو تلويم ينتهى فى المحكمة.
شراكة تعكس روح الانتماء والمعرفة الحقيقية بالدور الذى تؤديه حصيلة الضرائب فى دعم موارد الدولة لتأدية خدماتها المستوجبة لعموم المواطنين.
خذ من أموالهم ضريبة تزكى أموالهم، والمراجع الدينية تحض على أداء الضريبة كالزكاة على وقتها، ليست استلابًا، وليست غصبًا، ولا على طريقة «احلبى لأكسر قرنك»، بالحق والمستحق، وتحضر، والمبادرة الشخصية بتأدية حق الدولة رضائيًا وليس جزافيًا وعبر إقرارات يحررها الممول بنفسه.
مبادرة مصلحة الضرائب المصرية ملخصها فى ٢٠ عنوانًا، كلٌّ منها يحمل تسهيلًا على الممولين، لعل أهمها الحوافز والمكافآت، عدم المطالبة بأى مستحقات سابقة لمن يبادر بالتسجيل، وأول فحص ضريبى بعد خمس سنوات، ما يشجع على المبادرة بالتسجيل دون خشية من ربط فورى أو مستحقات قديمة تُربك الحسابات وتُعرقل صيرورة الأعمال، عين المصلحة ديمومة الأعمال لتوليد أرباح يذهب جُعل منها إلى المصلحة بعين الرضا.