ماحدث في البيت الأبيض صباح ٢٨ فبراير ، لم يخطر علي بال أحد . لم يدركة الخيال الجامح أو الساكن . لم يسجلة التاريخ في التو واللحظة صوت وصورة . نعم هناك وقائع سابقة . لكنها لم تصل الي الكاميرات ، ولمايشاهدها ملايين الملايين اللايف . بل ظلت مجرد مذكرات ممنوعة النشر أو حتي الإطلاع .
أن يلتقي رئيسان ويتبادلان اللكمات الكلامية عيني عينك . وأن يكون اللقاء في المكتب البيضاوي للرئيس الأمريكي ، وأمام الصحفيين ، وفي حضور نائب الرئيس الأمريكي .
الرئيس الضيف فلودومير زيلنسكي ، والرئيس المضيف دونالد ترامب ..
الظروف المحيطة بالمشادة الكلامية وقعت فوق ساحة من الأسلاك الكهربائية العارية .. كل الموجودات موصلة للكهرباء .. كان الرئيس ترامب ينتفض غضبا ، بينما يتشنج الرئيس زيلنسكي بفعل الصدمات المتتابعة ..
وقائع المعركة
وقعت مواجهة كلامية حادة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في البيت الأبيض “الجمعة” بشأن ضرورة التوصل إلى تسوية في الحرب مع روسيا.
ووبخ ترامب زيلينسكي أثناء جلوسهما في المكتب البيضوي، وطلب منه أن يكون أكثر “امتنانا”، قائلا “أنت لست في وضع يسمح لك بأن تملي علينا ما نشعر به”.
كذلك، توجه لنظيره الأوكراني قائلا “شعبك شجاع جدا، لكن إما أن تبرم صفقة أو سننسحب، وإذا انسحبنا، فسوف تقاتل حتى النهاية”.
وأضاف “لا أعتقد أن الأمر سيكون جميلا، ستقاتل حتى النهاية، ولكنك لا تملك أي أوراق مساومة”.
وهاجم نائب الرئيس الأمريكي جاي دي فانس الجالس إلى جانبهما، زيلينسكي أيضا معتبرا أنه “قلل من احترامه” للأمريكيين.
وبدا أن زيلينسكي حاول الرد، لكنه قوطع.
أتت هذه المواجهة الاستثنائية بعدما قال ترامب إن أوكرانيا ستضطر إلى تقديم “تنازلات” لإنهاء الحرب مع روسيا التي شنت عمليات واسع النطاق لجارتها قبل ثلاث سنوات.
وقال الرئيس الأمريكي “لا اتفاق بدون تنازلات. لذلك ستكون هناك حاجة بالتأكيد لتقديم تنازلات، لكنني آمل ألا تكون كبيرة كما يعتقد البعض”.
لكن زيلينسكي الذي عرض على ترامب صورا لفظائع الحرب، قال إنه “لا مساومة مع قاتل على أراضينا”.
واستشاط ترامب غضبا قائلا “أنت لا تتصرف على الإطلاق وكأنك ممتن. هذا ليس تصرفا لطيفا”.
وأضاف “إنك تخاطر بحياة ملايين البشر، تخاطر (بإشعال فتيل) حرب عالمية ثالثة، وما تفعله يقلل بشدة من احترامك للبلاد، هذه البلاد”.
جاءت المواجهة بعد بداية ودية للقاء بين الرئيسين.
وقال زيلينسكي “أعتقد أن الرئيس ترامب يقف في صفنا”.
وأضاف إنه سيتحدث مع الرئيس الأمريكي حول الحاجة “الحيوية” لوجود ما سماها “شبكة أمان” أمريكية لأي قوة حفظ سلام لضمان الهدنة المحتملة.
أثار ترامب قلق كييف والحلفاء الأوروبيين بتغييره المفاجئ للسياسة الأمريكية، مع التراجع عن فكرة دعم أوكرانيا، وقدم نفسه كوسيط بين بوتين وزيلينسكي.
وكشف الرئيس الأمريكي في المكتب البيضوي أنه “تحدث عدة مرات” مع بوتين مؤخرا، فيما لم يكشف سابقا سوى عن المكالمة المطولة بينهما في وقت سابق من فبراير
وفيما وصف أحد المشرعين الأوكرانيين، الذي طلب عدم الكشف عن هويته في تصريح لـ”واشنطن بوست”، المشهد قائلًا: “أنا فقط أبكي بسبب ما أسمعه”، كان تعليق أوليكساندر، وهو ضابط أوكراني يقاتل في منطقة كورسك الروسية، أكثر اختصارًا، حيث قال ببساطة: “واو”، مضيفًا: “ما زال أمامنا الكثير من العمل، الحرب أفضل من السلام المخزي”.
وغادر زيلينسكي البيت الأبيض في وقت مبكر من يوم الجمعة، متخليًا عن مؤتمر صحفي كان مخططًا له، بينما سارع ترامب لتوضيح موقفه عبر منشور على “تروث سوشيال”، قال فيه: “زيلينسكي ليس مستعدًا للسلام، لقد أهان الولايات المتحدة في مكتبها البيضاوي العزيز، يمكنه العودة عندما يكون مستعدًا للسلام”.
أوروبا تتضامن مع زيلينسكي
في أعقاب اللقاء، دعم المسؤولون الأوروبيون زيلينسكي مساء الجمعة، حيث أعرب العديد من المشرعين والدبلوماسيين عن صدمتهم وفزعهم مما حدث، بينما لم يصدر رد فعل فوري من مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل.
لكن رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك كان من أوائل من عبروا عن دعمهم لأوكرانيا، حيث كتب على منصة “إكس”: “أصدقائي الأوكرانيين الأعزاء، لستم وحدكم”.
من جهتها، انتقدت ناتالي لوازو، النائبة الأوروبية وحليفة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ما جرى في البيت الأبيض، قائلة: “كان هناك رجل واحد فقط في المحادثة، وهو الضيف”، بينما أعرب جيرارد أرود، السفير الفرنسي السابق في واشنطن، عن أسفه قائلًا: “أين هي اللياقة العامة العزيزة على قلوب الأمريكيين؟ لا شيء أضيفه، إنه أمر محزن للغاية”، وأرفق منشوره بمقطع فيديو لترامب ونائبه جيه دي فانس وهما يوبخان زيلينسكي.
تداعيات في بريطانيا
في المملكة المتحدة، قوبل اللقاء بالصدمة والغضب عبر الطيف السياسي، خاصة بعد أن جاء عقب اجتماع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر مع ترامب، والذي كان يُنظر إليه على أنه إشارة مبدئية لإمكانية إشراك واشنطن في دعم أوكرانيا.
لكن هذا التفاؤل سرعان ما تبدد بعد انتشار أنباء المشادة الكلامية في المكتب البيضاوي، ما دفع العديد من أعضاء البرلمان البريطاني لمطالبة ستارمر بإلغاء الدعوة التي وجهها للرئيس ترامب لزيارة الملك تشارلز.
ووصف روبرت جينريك، النائب البارز في حزب المحافظين، ما حدث بأنه “مشهد مهين”، قائلًا في منشور على “إكس”: “شعرت بالاشمئزاز، وأعتقد أن تمثال ونستون تشرشل كان في نفس الغرفة التي جرى فيها هذا اللقاء، لو كان تشرشل سمع ذلك لكان قد تقلب في قبره، فقد حارب شعب أوكرانيا بشجاعة لصد بوتين”.
أما إيد ديفي، زعيم حزب الديمقراطيين الليبراليين، فقد اعتبر أن “ترامب وفانس يتنمران على زيلينسكي لإجباره على القبول بصفقة تمنح النصر فعليًا لروسيا”، محذرًا من أن “أي تراجع من المملكة المتحدة وأوروبا سيكون خيانة لأوكرانيا”.
الدعم الأوكراني
في أوكرانيا، وعلى الرغم من التوترات الناجمة عن الاجتماع، أشادت المحللة السياسية الأوكرانية ماريا زولكينا بأداء زيلينسكي خلال اللقاء، مؤكدة أنه نجح في تمثيل الإرادة الأوكرانية بكرامة، قائلة: “لم يكن زيلينسكي يمثل نفسه فقط، بل جسّد أيضًا كل واحد منا: عندما تكون بطاقتك الوحيدة هي حقك في أن يكون لديك بلدك، وكرامتك، والشجاعة للدفاع عنها”.
ويرى مراقبون في هذه التطورات، أن العلاقات بين كييف وواشنطن تمر بمرحلة اختبار صعب، مع تصاعد المخاوف من “انقطاع” الدعم الأمريكي، وهو ما قد يعيد تشكيل معادلة الحرب والسلام في أوكرانيا خلال الأشهر المقبلة، بشكل يخدم روسيا.