بعد أن فرغت من هذه المذكرات المثيرة.مذكرات صلاح دياب..كتبت هذا المقال عنها.
خير الخطائين..
خارج السطر
صلاح دياب خير الخطائين
مصطفى عبيد
mostafawfd@hotmail.com
“يا أجمل وأعز مَن في الوجود.. عجز لساني الملعون وفكري الضال عن التعبير عن حقيقة حالي وشعوري تجاهك أيتها العزيزة الغالية.. أضن بقلبك أن يحترق من أجلي وبفمك أن يتلوث باسمي. أضن بدموعك الغالية .. تأكدي مرة وألف مرة أنني لم أقصد أن أكون كاذبا ولا مجرما وهذا عزائي الوحيد..”
يبدو النص السابق مُفتاحا مُهما لقراءة شخصية المهندس صلاح دياب، المستثمر والاقتصادي وصانع الصحف، والذي صدرت مذكراته مؤخرا عن المصرية اللبنانية تحت عنوان “هذا أنا”.
فالنص السابق مقتطع من خطاب أرسله وهو شاب جامح إلى والدته يعتذر لها عن متاعب تسبب فيها بسبب طيشه.
أول مُلاحظة تنتابك بعد الفراغ من قراءة 399 صفحة دوّنها لحياته، أنك أمام إنسان خطآ، يتهور حينا، يطيش أحيانا، يأثم، وما يلبث أن يندم فيعود مُصححا، وتائبا.
فمرة أنشأ مطعما فاخرا ألحق به ديسكو يقدم كحوليات، وحقق شهرة واسعة وأرباحا خيالية، ثُم جمعه لقاء مع والده، فأخبره أنه ربح من المطعم مالا وفيرا، ففوجئ بوالده يخبره إنها أموال حرام. وحاول صلاح أن يشرح أن معظم الأرباح تحققت من المطعم وليس من بيع الخمور، فرد والده بأن الأموال الحرام اختلطت مع الحلال ويصعب فصلها. فقال مجادلا أنه يمكن أن يتبرع ببعض المال للمساجد، لكن والده واصل استنكاره قائلا “أموال حرام.. لبيوت الله؟” وما كان منه إلا أن أغلق المطعم وتبرع بأمواله كلها لإنشاء جمعية استهلاكية بقريته.
ومرة أخرى سنحت له فرصة اتمام صفقة لشركته في مجال البترول، واتفق على شراء حقل صغير لانتاج البترول في الزعفرانه، ووسوس له الشيطان أن يخفي الأمر عن شركاءه ليفوز بالصفقة وحيدا، وهو ما يعني تحقيق ربح يزيد عن مليون دولار كل عام. ثُم سافر إلى لندن للاحتفال بالمكسب واختار جناحا رئاسيا في فندق كارلتون تاور الفخم، وتجول في شوارع لندن فوجد محلا لشطائر المرتديلا التي تحتوي على لحم الخنزير، فاشتهاها واشترى واحدة والتهمها، وعندما عاد إلى الفندق وجد برقية من البائع تبلغه أن الصفقة لاغية لظرف طارىء. ونزل عليه الخبر كالصاعقة، لكنه فكر بأن الله أنقذه من نفسه حيث كاد أن يخون شركاءه، وأكل شطيرة الخنزير وهو يعلم. وشعر أنه خسر مليون دولار سنويا وربح نفسه. وهكذا تكررت خطوات غير محسوبة، سعى إلى تصحيحها، بعد أن تعلم منها.
لقد حظي بمحبة وتدليل جده لأمه توفيق دياب الصحفي الكبير صحب جريدة “الجهاد”، وكان يناديه بابا حتى عرف وعمره إحدى عشر عاما أنه جده وأن والده انفصل عن والدته قبل ولادته. التحق بالكلية الفنية العسكرية، وتزامل مع اللواء محمد العصار في الدفعة ذاتها، لكنه رسب بسبب طيش الشباب وانصرافه عن دروسه، فالتحق بهندسة عين شمس، حيث واجه صعوبات في الدراسة دخل بسببها في انعزال شديد.
ولم يلبث أن عمل خلال الدراسة في مشروع مقاولة مع زوج خالته في السويس أثبت فيه كفاءة وحقق ربحا، ثُم استغل العطلة الصيفية للسفر إلى ايطاليا وشراء سيارات مستعملة وبيعها في مصر.
في السبعينات فكر بعد اعلان مصر عودة الملاحة في قناة السويس في الاتفاق مع شركات أمريكية لذلك الغرض، ثُم قرأ بعقلية واعية مستقبل الانفتاح ليؤسس شركات خدمات بترولية، واستثمار زراعي، كما افتتح محلات لابوار وكان أول فرع عبارة عن جراج تم تأجيره تحت اشراف الأوقاف.
ولد مشروع “المصري اليوم” بتعاطف مع الكاتب مجدي مهنا حيث شعر صلاح دياب أنه المتسبب في منعه من الكتابة، وقرر إنشاء جريدة خاصة، لكن الأعداد الزيرو حولت “مهنا” من رئيس تحرير إلى كاتب عامود يومي، ثم انطلقت الجريدة برئاسة تحرير أنور الهواري.
مد الرجل علاقات واسعة وقوية برجال السياسة والثقافة والاقتصاد في العالم العربي، وكان أحد مؤسسي حزب الوفد الجديد، وعضوا بالهيئة العليا فيه، ومن الأسرار التي يذيعها في مذكراته أن منصور حسن رجل الدولة القوي طلب منه يوما التوسط لدى فؤاد سراج الدين ليصبح سكرتيرا عاما لحزب الوفد، وبالفعل تحدث مع الباشا الذي أخبره أن منصور حسن الذي طلب ذلك لن يقبل إن وافقت، وبالفعل وجد رؤية الباشا صحيحة إذ فوجئ بمنصور حسن يبدي تردده.
وتمضي المذكرات لتقدم قصصا مثيرة وطريفة في السياسة والبزنس والثقافة، ونجد خلاصتها في آخر سطور الكتاب إذ يقول صاحبها “أتعلم من مشاهداتي، من كل خطأ مررت به”. وهذا أملنا جميعا : أن نتعلم من أخطائنا.
والله أعلم