مصير غامض لتحالفات “أمريكا أولاً” في آسيا
كمال جاب الله
كاتب صحفي ومحاضر جامعي
kgaballa@ahram.org.eg
في ضوء ما تتداوله الأنباء من شمال شرق آسيا، مؤكد أن هناك حالة من “الارتباك الأمني” – التي قد تصل إلى درجة الترقب والقلق – وإعادة التوازنات والحسابات، بين إدارة الرئيس ترامب، والحلفاء الآسيويين التقليديين، في سول وطوكيو وتايبيه.
لعل قراءة فاحصة لعناوين صحف، صدرت – مؤخرًا – في العاصمة الكورية الجنوبية، تعطي الإشارة والبرهان، لما آلت إليه مسيرة التحالف بين أهم عاصمتين شريكتين في المنطقة – تحديدًا سول وواشنطن – وتأثيرها على الملف النووي الكوري الشمالي.
بداية وعلى سبيل المثال، نقرأ عنوانًا رئيسيًا، أوردته صحيفة “كوريا تايمز”، الصادرة باللغة الإنجليزية، صباح 4 مارس، جاء فيه نصًا: “كوريا الجنوبية تواجه مخاوف بشأن التحالف مع الولايات المتحدة بعد الخلاف بين ترامب وزيلينسكي”.
أيضًا، اتخذت صحيفة “كوريا هيرالد” عنوانًا جاء فيه نصًا: “لماذا لم يعد نزع السلاح النووي من كوريا الشمالية أولوية لفريق ترامب”. في الوقت نفسه، أبرزت صحيفة “هانكوك يوريه” عنوانًا: “ترامب ضد العالم”. وكذلك، صحيفة “هانكوك” نشرت عنوانًا: “ترامب يسيطر على العالم باستخدام الرسوم الجمركية والأسلحة”.
التفاصيل التي نشرتها صحيفة كوريا تايمز أشارت إلى “ميل ترامب إلى التخلي عن حلفاء ينظر إليهم على أنهم لا يخدمون المصالح الأمريكية، وقد لا تكون كوريا الجنوبية استثناء، وأن الولايات المتحدة أصبحت – بشكل متزايد في عهد ترامب – حليفًا لا يمكن التنبؤ بأفعاله، وأن واشنطن لن تتسامح مع ما تراه ركوبًا مجانيًا”!
الباحث في معهد كوريا لتحليلات الدفاع، دو جين-هو، اقترح تقليل اعتماد سول على الضمانات الدفاعية الأمريكية، والتعاون مع الدول ذات التفكير المماثل، وإدارة العلاقات مع الدول المجاورة مثل الصين وروسيا لردع التهديدات النووية الشمالية.
أيضًا، قال ليم يون-تشول، رئيس مكتب الأبحاث بمعهد دراسات الشرق الأقصى (IFES): “ليس هناك ما يضمن أن ترامب – الذي ينظر إلى الدبلوماسية على أنها صفقات – لن يعامل زعماء كوريا الجنوبية بالطريقة المهينة – نفسها – كزيلينسكي”.
أضاف ليم: “التحديات الأكبر، التي ستواجه سول، تتمثل في موقف ترامب من نزع السلاح النووي الكوري الشمالي. ومن الناحية الواقعية، لا يوجد سبب يفرض على الرئيس الأمريكي الاستجابة لمطلب سول للعب دور رئيسي، والأسوأ – بالنسبة لكوريا الجنوبية – هو أن ترامب قد يهدد – مرة أخرى – بسحب القوات الأمريكية من شبه الجزيرة الكورية، كورقة مساومة لاستمالة الزعيم كيم جونج-أون، كما فعل في المفاوضات السابقة”، مشيرًا إلى الفراغ القيادي في كوريا الجنوبية باعتباره نقطة ضعف، وقال: “في غياب القيادة الفعالة، والجمعية الوطنية المنقسمة، والرأي العام المنقسم، فإن عدم الاستقرار الداخلي في كوريا الجنوبية يضعها في موقف ضعيف في المفاوضات مع أي دولة، ناهيك عن أقوى دولة في العالم”.
المسألة الأكثر وضوحًا في إظهار حالة الهلع في سول، من سياسات ترامب، بدت في تصريحات – صدرت عقب اجتماع لمجلس الوزراء الكوري الجنوبي يوم الأربعاء الماضي – منسوبة للرئيس المؤقت، تشيه سانج-موك، وجاء فيها نصًا: “إن سهام سياسات “أمريكا أولاً للرئيس ترامب” بدأت في التصويب تجاه كوريا الجنوبية”.
فيما بدا كرد فعل على الخلاف العلني بين ترامب وزيلينسكي، قال الرئيس الكوري المؤقت: “في هذه الأيام، أصبحت مدركًا تمامًا للنظام الدولي القاسي، حيث لا يوجد حلفاء – أو أعداء – أبديون، ولا يجب الاعتماد – فقط – على النيات الحسنة للقوى الكبرى لحماية أمننا، وصناعاتنا وتقنياتنا، ومستقبل شبه الجزيرة الكورية، وازدهارها”.
الأمر الذي ربما لم يخطر على البال إطلاقًا في سول، هو مدى صحة تقارير أفادت بأن وزارة الطاقة الأمريكية – المسئولة عن سياسات الطاقة الذرية والنووية – تسعى إلى تصنيف كوريا الجنوبية باعتبارها “دولة ذات وضع حساس”، بالضبط كما يجرى التعامل مع قائمة سوداء، تضم: الصين وروسيا وسوريا وكوريا الشمالية. معروف إنه يتعين على الباحثين من هذه الدول – ذات الوضع الحساس – الخضوع لإجراءات اعتماد أكثر صرامة، للعمل في وزارة الطاقة، أو المؤسسات، أو حتى المشاركة في أبحاث ذات صلة، أو مسئولة عن الطاقة الذرية والنووية الأمريكية.
إذا جرى التحقق في سول من صحة هذه التقارير، وتصنيف إدارة ترامب لكوريا الجنوبية ضمن القائمة السوداء، باعتبارها “دولة ذات وضع حساس”، فإنه ينظر إليه على أنه تحذير بشأن الطموحات النووية لكوريا الجنوبية، وتزداد المخاوف في سول – كذلك – من صعوبة مشاركة خبرائها في الأبحاث التكنولوجية والطاقة النووية.
في الاجتماع الافتتاحي لجمعية البرلمانيين الكوريين والأمريكيين يوم الإثنين الماضي، طرح البروفيسور في جامعة سول الوطنية، جين جيه-صونج، سؤالًا بشأن المخاوف من أنه إذا تحسنت العلاقات بين واشنطن وموسكو في المستقبل، واكتسبت روسيا القدرة على التوسط في القمة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، فإن كوريا الجنوبية قد يتم تجاوزها، ورد القائم بأعمال السفير الأمريكي موضحًا أنه لا وجود لما يسمى بـ “تجاوز لكوريا الجنوبية” على الإطلاق، لأن الولايات المتحدة تدرك جيدًا ضرورة مساعدة سول في الحوار مع كوريا الشمالية.
هذه المخاوف – وغيرها – التي تتردد بشدة في كوريا الجنوبية تتماهى مع ما أفصح عنه وزير خارجية أوكرانيا السابق، ديميتري كوليبا، بقوله: “الولايات المتحدة تقوم بتدمير العالم الذي كانت تتزعمه وتقوده، وعلينا أن نتعلم كيف نتعايش معه”.
بقي أن أشير إلى أن المخاوف الأمنية والدفاعية – نفسها – تتردد – كذلك – في جميع أرجاء حليفتين، وركيزتين رئيسيتين، لواشنطن بشرق آسيا، هما طوكيو وتايبيه.
الرئيس ترامب كان قد أعرب – مؤخرًا – عن استيائه من بنود المعاهدة الأمنية الثنائية، التي لا تلزم اليابان بحماية الولايات المتحدة في المقابل، ورغم هذه التصريحات، أكد المتحدث الحكومي الياباني، هاياشي يوشيماسا، أن رئيس مجلس الوزراء، شيجيرو إيشيبا، كان قد جدد التأكيد على التزام واشنطن بالدفاع عن طوكيو، بما في ذلك استخدام جميع قدراتها النووية، خلال اجتماعه مع ترامب.
في سياق متصل، أشار هاياشي إلى جهود تبذلها اليابان لتعزيز تعاونها الدفاعي مع الولايات المتحدة، من خلال إقرار تشريعات تتيح لها ممارسة حق الدفاع الجماعي عن النفس، مما يسهم في تحقيق “الدعم المتبادل السلس في جميع الظروف”.
وفيما يتعلق بسياسة ترامب الغامضة تجاه تايوان، التي لم تتضح فيها الإجابة عما إذا كانت واشنطن ستتدخل عسكريًا لحماية الجزيرة، ذكرت وكالة أكسيوس أن هذه السياسة فرضت حالة من الغموض وعدم اليقين، مما يترك تايوان وحلفاء الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في حالة متزايدة من الترقب والقلق.
Share Facebook Twitter WhatsApp Telegram
في ضوء ما تتداوله الأنباء من شمال شرق آسيا، مؤكد أن هناك حالة من “الارتباك الأمني” – التي قد تصل إلى درجة الترقب والقلق – وإعادة التوازنات والحسابات، بين إدارة الرئيس ترامب، والحلفاء الآسيويين التقليديين، في سول وطوكيو وتايبيه.
لعل قراءة فاحصة لعناوين صحف، صدرت – مؤخرًا – في العاصمة الكورية الجنوبية، تعطي الإشارة والبرهان، لما آلت إليه مسيرة التحالف بين أهم عاصمتين شريكتين في المنطقة – تحديدًا سول وواشنطن – وتأثيرها على الملف النووي الكوري الشمالي.
بداية وعلى سبيل المثال، نقرأ عنوانًا رئيسيًا، أوردته صحيفة “كوريا تايمز”، الصادرة باللغة الإنجليزية، صباح 4 مارس، جاء فيه نصًا: “كوريا الجنوبية تواجه مخاوف بشأن التحالف مع الولايات المتحدة بعد الخلاف بين ترامب وزيلينسكي”.
أيضًا، اتخذت صحيفة “كوريا هيرالد” عنوانًا جاء فيه نصًا: “لماذا لم يعد نزع السلاح النووي من كوريا الشمالية أولوية لفريق ترامب”. في الوقت نفسه، أبرزت صحيفة “هانكوك يوريه” عنوانًا: “ترامب ضد العالم”. وكذلك، صحيفة “هانكوك” نشرت عنوانًا: “ترامب يسيطر على العالم باستخدام الرسوم الجمركية والأسلحة”.
التفاصيل التي نشرتها صحيفة كوريا تايمز أشارت إلى “ميل ترامب إلى التخلي عن حلفاء ينظر إليهم على أنهم لا يخدمون المصالح الأمريكية، وقد لا تكون كوريا الجنوبية استثناء، وأن الولايات المتحدة أصبحت – بشكل متزايد في عهد ترامب – حليفًا لا يمكن التنبؤ بأفعاله، وأن واشنطن لن تتسامح مع ما تراه ركوبًا مجانيًا”!
الباحث في معهد كوريا لتحليلات الدفاع، دو جين-هو، اقترح تقليل اعتماد سول على الضمانات الدفاعية الأمريكية، والتعاون مع الدول ذات التفكير المماثل، وإدارة العلاقات مع الدول المجاورة مثل الصين وروسيا لردع التهديدات النووية الشمالية.
أيضًا، قال ليم يون-تشول، رئيس مكتب الأبحاث بمعهد دراسات الشرق الأقصى (IFES): “ليس هناك ما يضمن أن ترامب – الذي ينظر إلى الدبلوماسية على أنها صفقات – لن يعامل زعماء كوريا الجنوبية بالطريقة المهينة – نفسها – كزيلينسكي”.
أضاف ليم: “التحديات الأكبر، التي ستواجه سول، تتمثل في موقف ترامب من نزع السلاح النووي الكوري الشمالي. ومن الناحية الواقعية، لا يوجد سبب يفرض على الرئيس الأمريكي الاستجابة لمطلب سول للعب دور رئيسي، والأسوأ – بالنسبة لكوريا الجنوبية – هو أن ترامب قد يهدد – مرة أخرى – بسحب القوات الأمريكية من شبه الجزيرة الكورية، كورقة مساومة لاستمالة الزعيم كيم جونج-أون، كما فعل في المفاوضات السابقة”، مشيرًا إلى الفراغ القيادي في كوريا الجنوبية باعتباره نقطة ضعف، وقال: “في غياب القيادة الفعالة، والجمعية الوطنية المنقسمة، والرأي العام المنقسم، فإن عدم الاستقرار الداخلي في كوريا الجنوبية يضعها في موقف ضعيف في المفاوضات مع أي دولة، ناهيك عن أقوى دولة في العالم”.
المسألة الأكثر وضوحًا في إظهار حالة الهلع في سول، من سياسات ترامب، بدت في تصريحات – صدرت عقب اجتماع لمجلس الوزراء الكوري الجنوبي يوم الأربعاء الماضي – منسوبة للرئيس المؤقت، تشيه سانج-موك، وجاء فيها نصًا: “إن سهام سياسات “أمريكا أولاً للرئيس ترامب” بدأت في التصويب تجاه كوريا الجنوبية”.
فيما بدا كرد فعل على الخلاف العلني بين ترامب وزيلينسكي، قال الرئيس الكوري المؤقت: “في هذه الأيام، أصبحت مدركًا تمامًا للنظام الدولي القاسي، حيث لا يوجد حلفاء – أو أعداء – أبديون، ولا يجب الاعتماد – فقط – على النيات الحسنة للقوى الكبرى لحماية أمننا، وصناعاتنا وتقنياتنا، ومستقبل شبه الجزيرة الكورية، وازدهارها”.
الأمر الذي ربما لم يخطر على البال إطلاقًا في سول، هو مدى صحة تقارير أفادت بأن وزارة الطاقة الأمريكية – المسئولة عن سياسات الطاقة الذرية والنووية – تسعى إلى تصنيف كوريا الجنوبية باعتبارها “دولة ذات وضع حساس”، بالضبط كما يجرى التعامل مع قائمة سوداء، تضم: الصين وروسيا وسوريا وكوريا الشمالية. معروف إنه يتعين على الباحثين من هذه الدول – ذات الوضع الحساس – الخضوع لإجراءات اعتماد أكثر صرامة، للعمل في وزارة الطاقة، أو المؤسسات، أو حتى المشاركة في أبحاث ذات صلة، أو مسئولة عن الطاقة الذرية والنووية الأمريكية.
إذا جرى التحقق في سول من صحة هذه التقارير، وتصنيف إدارة ترامب لكوريا الجنوبية ضمن القائمة السوداء، باعتبارها “دولة ذات وضع حساس”، فإنه ينظر إليه على أنه تحذير بشأن الطموحات النووية لكوريا الجنوبية، وتزداد المخاوف في سول – كذلك – من صعوبة مشاركة خبرائها في الأبحاث التكنولوجية والطاقة النووية.
في الاجتماع الافتتاحي لجمعية البرلمانيين الكوريين والأمريكيين يوم الإثنين الماضي، طرح البروفيسور في جامعة سول الوطنية، جين جيه-صونج، سؤالًا بشأن المخاوف من أنه إذا تحسنت العلاقات بين واشنطن وموسكو في المستقبل، واكتسبت روسيا القدرة على التوسط في القمة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، فإن كوريا الجنوبية قد يتم تجاوزها، ورد القائم بأعمال السفير الأمريكي موضحًا أنه لا وجود لما يسمى بـ “تجاوز لكوريا الجنوبية” على الإطلاق، لأن الولايات المتحدة تدرك جيدًا ضرورة مساعدة سول في الحوار مع كوريا الشمالية.
هذه المخاوف – وغيرها – التي تتردد بشدة في كوريا الجنوبية تتماهى مع ما أفصح عنه وزير خارجية أوكرانيا السابق، ديميتري كوليبا، بقوله: “الولايات المتحدة تقوم بتدمير العالم الذي كانت تتزعمه وتقوده، وعلينا أن نتعلم كيف نتعايش معه”.
بقي أن أشير إلى أن المخاوف الأمنية والدفاعية – نفسها – تتردد – كذلك – في جميع أرجاء حليفتين، وركيزتين رئيسيتين، لواشنطن بشرق آسيا، هما طوكيو وتايبيه.
الرئيس ترامب كان قد أعرب – مؤخرًا – عن استيائه من بنود المعاهدة الأمنية الثنائية، التي لا تلزم اليابان بحماية الولايات المتحدة في المقابل، ورغم هذه التصريحات، أكد المتحدث الحكومي الياباني، هاياشي يوشيماسا، أن رئيس مجلس الوزراء، شيجيرو إيشيبا، كان قد جدد التأكيد على التزام واشنطن بالدفاع عن طوكيو، بما في ذلك استخدام جميع قدراتها النووية، خلال اجتماعه مع ترامب.
في سياق متصل، أشار هاياشي إلى جهود تبذلها اليابان لتعزيز تعاونها الدفاعي مع الولايات المتحدة، من خلال إقرار تشريعات تتيح لها ممارسة حق الدفاع الجماعي عن النفس، مما يسهم في تحقيق “الدعم المتبادل السلس في جميع الظروف”.
وفيما يتعلق بسياسة ترامب الغامضة تجاه تايوان، التي لم تتضح فيها الإجابة عما إذا كانت واشنطن ستتدخل عسكريًا لحماية الجزيرة، ذكرت وكالة أكسيوس أن هذه السياسة فرضت حالة من الغموض وعدم اليقين، مما يترك تايوان وحلفاء الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في حالة متزايدة من الترقب والقلق.
kgaballa@ahram.org.eg