القعود عن الاجتهاد مثل التولي يوم الزحف
الدكتور سعد الدين الهلالي فقيه من مدرسة العقل ..
بقلم: حمدى رزق
عجبت من تلك العقلية التي تأبى إلا أن تغلق كل الأبواب إلا بابا واحدا لتحشر فيه الناس أجمعين، مع أن هناك أبوابا أخرى عديدة ومتسعة لمن يرغب للدخول منها!
انها نفس العقلية المريضة التي تنصب نفسها حاكما علي الخلق وتوهمهم أنها تحكم بأمر الله وحكم الله منها براء..
أعلاه مقتطف من كتاب “الإسلام وإنسانية الدولة” من مؤلفات الدكتور ” سعد الدين الهلالي ” يفتح الأعين والعقول على الفضاء الرحب في الفقه الإسلامي الذي تراكم عبر قرون بفضل الله ثم بفضل جهود العلماء.
يقول الهلالي مع حفظ المقام ” ذلك الكنز الفقهي الذي كلما تعرفنا عليه أدركنا كم خسرنا عندما ضُيّق علينا، وأُريد بنا أن ننحصر وننحسر في بقعة ضيقة عقيمة. وكانت النتيجة أن أصبحنا حائلا بين الخلق وخالقهم” !
قد يبدو الكتاب صعباً بعض الشيء علي ، ولكن إذا قُرئ بتأني فستزول هذه الصعوبة، فعبارات الدكتور سعد سهلة، ومنطقه متسق، ينساب بعقلك في هدوء ليصل بك إلى هدفه، بأدلة من الكتاب والسنة وبعيدا عن ثقافة الضجيج الفقهي السائدة اليوم!
**
مراجعة صفحة الدكتور “سعد الدين الهلالى” أستاذ الفقه المقارن فى كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، على فيسبوك، وأحاديثه الفضائية، واجتهاداته الفقهية، تؤشر على فقيه مصرى مجتهد يذكرنا بالمجتهدين الأوائل الذين ملأوا الدنيا نورا بعلمهم وفقههم على قاعدة التيسير على الطيبين.
معلوم، الدكتور سعد الدين الهلالى من رواد مدرسة العقل” وعادة لا يلقى قبول المعممين من خريجى “مدرسة النقل الحرفي” التى تجافي العقل، وبينه وبينهم فراسخ ، سنوات ضوئية حتى يفقهوا مدرسته العقلية التى لا تخاصم النص ولكن تعقله، وقاعدته الراسخة الفتوى بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد، وهو أمر مقرر صحيح، وفي يقينه القعود عن الاجتهاد مثل التولي يوم الزحف.
فى وصفه، ونرجو توفيقا فى تثمين اجتهاده الثمين، الهلالي فقيه صعب المراس، قوى الشكيمة، متبحر فى الفقه، مجدد، متجدد، درس المذاهب جميعاً، ووقف مقارناً بينها، مستصحباً علومها، متفرداً ببيان عرضها، لا ينحاز إلى مذهب، ولا يقف عند تفسير، ويؤمن بالقلب، وعنوانه الأثير وصية الحبيب صلي الله عليه وسلم، “اسْتَفْتِ قَلْبَكَ”.
والحديث أعلاه حديث القلب من الأربعين النووية، رواه الإمام أحمد عن وابصة بن معبد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: “جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ نَعَمْ فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِي صَدْرِي وَيَقُولُ يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ”.
**
درس الدكتور الهلالي نقلة نوعية فى مدرسة الفقه، ويصح عنواناً لمدرسة التجديد المرتجاة.
إلمام الفقيه المحدث بالمذاهب جميعاً، لا يغادر تفسيراً أو حديثاً أو رواية إلا وأحصاها، ويقف على المتون ولا يهمل الحواشى، ويجتهد فى عرض الآراء جميعا غير منحاز أو مشايع، مع ترك فرجة واسعة للمسلم أن يتخير بقلبه، ويعمل عقله، دون سيطرة من عمامة، أو تسلط من شيخ، الإنسان المسلم هو الأصل، ولست عليهم بمسيطر، هكذا عنوانه العريض.
قيمة الدكتور الهلالى العلمية يقدرها العلماء المنصفون، أما زاوية الرؤية الملفتة هو عطفة الهلالى على أصحاب الديانات الأخرى، سيما إخوتنا المسيحيين، يغبطهم حديث الهلالى الذى يفيض بالإنصاف والعدل الذى تعلمه من مدرسة القرآن الكريم، ومتّنها بدراساته فى المدرسة النبوية الشريفة، وتطويع ما تيسر من الحديث والتفسير ما يعلى من قيمة المواطنة والأخوة الإنسانية..
يحذو بثقة العالم حذو الفقيه المصري “الليث بن سعد” الملقب بفقيه المواطنة، وهو لقب خلع عليه بعد رحيله بقرون، ولكنه يستحقه بامتياز..
**
خطاب الهلالي يعرف من عناوين مؤلفاته القيمة ومنها، “حقوق الإنسان في الإسلام”، و”المعاملات المالية المركبة”، و”الأزمة المالية والحلول الإسلامية”، و”البصمة الوراثية وعلائقها الشرعية”، و”الجانب الفقهي والتشريعي للاستنساخ”.
الهلالى مصنف ضد الجماعات والشياخات وسطوة العمائم، يفضل ارتداء الثياب الأفرنكية وهو الأزهرى القح ليس مجافياً ولكنه ليس من أصحاب العمائم.
يقف صلباً شامخاً ضد محاولة الوصاية على عقل المسلم، عنده المسلم هو الأساس، واختياره هو الأصل، وحكمه من القلب.
لا يأبه لمرشد ، ولا ينصّب نفسه شيخاً، ويفقه المسلم ويحفزه، أنت أمام ربك، ودليك فى قلبك، استفت قلبك، لا تحتاج إلى مرشد ولا إلى دليل، ويعرض على المتلقى أميناً كل الآراء، وكل المذاهب، وكل ما ثبت عن الأقدمين، دون إغفال لرأى ولو كان نادراً، أو تفسير ولو كان غريباً، يعرض الآراء كلها، حتى جواز الأضحية بطير توسيعاً وتيسيراً وحتى لا يحرم المسلم من ثواب الأضحية.
**
الهلالى يؤسس لتيار جديد فى تجديد الفقه يقوم على نزع القداسة عن عمامة البشر ، ولا يركن إلى تفسير وحيد وإن كان إجماع الفقهاء، هناك دوما رأى مخفى عند عمد أو سهو وهذا يخالف الأمانة العلمية والفقهية، ولا يستطيب رأى فينتصر لقائله، ولا يغفل اجتهادا منسوباً لصاحبه.
مدرسة الهلالى يصح وصفها بمدرسة “العصف الذهنى”، يعصف الهلالى بالذهن الراكد، يتواصل مع عموم الطيبين ، بفكر، تدبر، وقاعدته المؤسسة ( الفقه من اجتهاد بشر، أما الشريعة فمن عند الله ) ، ويأبى أن تعامل طبقة الشيوخ بقداسة أو ترفيع لما هو فوق إعمال الفكر، وينظر إلى فقه الأقدمين نظرة حداثية لا تهمل ظرفاً مكانياً أو زمانياً إلا وأحصته وعرضته، وللمسلم حق الاختيار، لا يسلبه منه كائن من كان.. يرجو رضاء ربه فهو حسبه أي يكفيه.