شارل فؤاد المصري
يكتب : حقوق الإنسان ..الذرائعية والتدخل الدولي “1 “
تلقيت قبل عدة ايام دعوة من المجلس القومي لحقوق الانسان الذي تتراسه سعادة السفيرة مشيرة خطاب
للحديث عن دور النخب الفكرية وقادة الرأي في دعم وتعزيز حالة حقوق الانسان في مصر وارفقت الدعوة بورقة مفاهيمية عن النخبة المثقفة وحقوق الانسان كتبها استاذ الفلسفة الدكتور انور مغيث وجاءت كلمة رصينة .. لفت نظري فيها جملة الاستخدام الذرائعي لفكرة حقوق الانسان من جانب القوي الكبري
وبعد حضور المناقشات التي خرجت في معظمها عن الخط الذي رسم لها ولكن كان هناك ترحيبا من السفيرة مشيرة خطاب التي لمست لديها نية خالصة وتوجها محترما وطنيا للارتقاء بحالة حقوق الانسان في مصر عبر سماع الانتقادات والاقتراحات للوصول الي نموذج فاعل وفعال لحالة حقوق الانسان في مصر وايضا من السيد محمد انور السادات امين لجنة الحقوق المدنية والسياسية والدكتور مجدي عبد الحميد مدير البرنامج الذي ادار الجلسة باقتدار يحسد عليه
ومن هذا المنطلق اكتب المقال الاول في هذه السلسلة اتحدث فيها عن المبادئ والواقع السياسي ومقترح لمفهوم متطور
و التي ارجو قبل ان يقرا مرة ومرتين وثلاث الا يتحسس احد مسدسه فسنتحدث عن الثقافة وحقوق الانسان في مصر في ان واحد
لا أحد يختلف علي ان حقوق الإنسان هي إحدى الركائز الأخلاقية التي يُفترض أن تحكم العلاقات الدولية منذ إعلانها العالمي في 10 ديسمبرعام ١٩٤٨ اي بعد اعلان قيام دولة الكيان في منتصف مايو 1948 ب 6 اشهر فقط وهي مفارقة عجيبة .
لكن هذه المبادئ النبيلة تتحول أحيانًا إلى أداة ذرائعية في يد القوى الكبرى، تُستخدم لتبرير التدخل في شؤون الدول ذات السيادة، بينما تُهمَل في حالات أخرى وفقًا للحسابات الجيوسياسية.
في هذه السلسلة، سنحلل هذه الآلية، ونطرح مفهومًا ربما متطورًا او قل مختلفا لحقوق الإنسان يتجاوز الانتقائية، مستندًا إلى تحديات العصر الراهن
فالقوى الكبري وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تعتمد على خطاب حقوق الإنسان كجزء من “القوة الناعمة” لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية، عبر آليات مثل التدخل العسكري المباشروهو كما حدث في العراق ٢٠٠٣ تحت ذريعة “نشر الديمقراطية”، أوفي ليبيا ٢٠١١ تحت غطاء “حماية المدنيين “
وايضا تعتمد العقوبات الاقتصادية التي تُفرض على دول معينة مثل فنزويلا بينما تُرفع عن دول أخرى رغم تشابه الانتهاكات
ناهيك عن الخطاب الإعلامي المزدوج و تسليط الضوء على انتهاكات الخصوم مثل روسيا أو الصين وتهميش انتهاكات الحلفاء مثل انتهاكات إسرائيل في فلسطين
هذه الانتقائية تُفضح تناقضًا جوهريًا بتحويل حقوق الإنسان من مبدأ عالمي وفقا للاعلان العالمي لحقوق الانسان إلى سلعة سياسية قابلة للتفاوض
ولكي نصل الي مفهوم متطور لحقوق الإنسان يجب
تفكيك الإشكالية الذرائعية، ولا بد من بناء مفهوم معاصر لحقوق الإنسان يراعي تعقيدات القرن الحادي والعشرين، عبر تفعيل آليات دولية محايدة كإصلاح مجلس الأمن لتجاوز حق النقض الفيتو، أو تمكين المحكمة الجنائية الدولية من التحقيق دون تمييز
وإشراك دول الجنوب في صياغة السياسات عبر مثلا الاتحاد الأفريقي لضمان تمثيل متنوع كما يجب توسيع نطاق الحقوق الرقمية وحماية الخصوصية من تجسس الشركات ، ومكافحة التضليل الإعلامي
وايضا العدالة المناخية والربط بين التدمير البيئي وانتهاكات الحقوق الاقتصادية للشعوب المهمشة
والحقوق الاجتماعية كضمان الصحة والتعليم كحقوق أساسية، خاصة في دول تعاني اقتصاديا مثل مصر
و مراعاة السياقات الثقافية ورفض النموذج الواحد لحقوق الإنسان، والسماح بتفسيرات محلية تراعي الخصوصية دون التضحية بالحد الأدنى العالمي كحق الحياة والكرامة
وتعزيز آليات تنفيذ عادلة كتعزيز دور المنظمات الإقليمية في الرقابة مثل المجلس الأفريقي لحقوق الإنسان
وربط المساعدات الاقتصادية بتحسين الحقوق الاجتماعية لا السياسية فقط لضمان تنمية مستدامة
ان الاستخدام الانتقائي لحقوق الإنسان لا يُضعف مصداقيتها فحسب، بل يُعمق أزمات الشعوب
ولذلك يجب أن تتحول الحقوق من شعارات سياسية إلى إطار عمل تعاوني، يراعي السياق المحلي ويُعزز الكرامة الإنسانية دون وصاية.
هذا يتطلب ثورة في الحوكمة العالمية و نظام دولي قائم على التعددية، يُعلي صوت الضحايا قبل الأجندات السياسية.
فقط حينها نستحق أن نطلق على حقوق الإنسان صفة العالمية
دمتم بخير