شارل فؤاد المصري
يكتب: المثقفون وحقوق الإنسان
استكمالًا للمقال السابق في سلسلة مقالات حقوق الإنسان، التي حضرتُ جلسةً نقاشيةً مغلقةً قبل عدة أيام بدعوة من المجلس القومي لحقوق الإنسان، وكانت بعنوان “حقوق الإنسان في مصر بعيون مثقفيها ومفكريها”، وددتُ طرح رؤية إيجابية نحو التنمية الشاملة في المقال الثاني.
بدايةً، لا تُختزل حقوق الإنسان في الجوانب السياسية فحسب، بل تمتد لتشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تُشكِّل أساس كرامة المواطن. في مصر، وعلى الرغم من التحديات التي تُواجهها الدولة في مسيرتها التنموية، تبرز جهودها ومبادراتها الطموحة التي تستحق التوقف عندها. وأكرر: لا يجب اختزال حقوق الإنسان في الجوانب السياسية!
فالحقوق الاجتماعية حجر الزاوية في رؤية الدولة المصرية، وقد بُذلت جهودٌ كبيرةٌ في هذا الإطار. على سبيل المثال، من أبرز الجهود في مجال الحماية الاجتماعية كشبكة أمان للمهمشين يأتي برنامج “تكافل وكرامة” الذي يستفيد منه ملايين الأسر المصرية، بهدف دعم الأسر الفقيرة وتمكين المرأة عبر مشروعات صغيرة. ومبادرة “حياة كريمة”: وهي أكبر مشروع تنموي في تاريخ مصر الحديث، يستهدف تطوير الريف المصري بتكلفة تتجاوز ٨٠٠ مليار جنيه (حسب آخر المعلومات المتاحة)، لتحسين الخدمات الصحية والتعليمية وخلق فرص عمل. أما الحملة القومية للقضاء على فيروس سي، التي فحصت ٦٠ مليون مواطن، وحققت نسبة شفاء تجاوزت ٩٨٪ وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فهي أحد أهم المشروعات الصحية على الإطلاق.
كما تأتي منظومة التأمين الصحي الشامل –الذي بدأ تطبيقه تدريجيًا رغم بعض الصعوبات– لتغطي كل المواطنين بحلول ٢٠٣٠، مع تركيز خاص على ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن.
أما الحقوق الاقتصادية، فبالفعل هناك انتقادات (والانتقادات مهمة لأنها تكون مرآةً لصانع القرار)، إلا أن الإصلاحات الاقتصادية الصعبة كانت ضرورةً لخلق مستقبل أفضل. فتطوير البنية التحتية (التي كانت مُهلهَلة) يُعدُّ من المشروعات التي غيَّرت خريطة التنمية. وتنمية محور قناة السويس، الذي جذب استثماراتٍ بـ٣٠ مليار دولار، وعزَّز مكانة مصر كمركز لوجيستي عالمي. ومشروعات الطاقة النظيفة مثل مجمع بنبان للطاقة الشمسية (وهو الأكبر من نوعه في العالم بسعة ١٥٠٠ ميجاوات)، الذي يُسهم في خلق فرص عمل. واستراتيجية الهيدروجين الأخضر التي تهدف إلى جعل مصر مركزًا إقليميًا للطاقة المتجددة.
تمكين المرأة والشباب كمحركات للتنمية يتجلَّى في:
زيادة نسبة تمثيل المرأة في البرلمان إلى ٢٧٪ (وفقًا لتقارير الأمم المتحدة).
مشروعات الشباب مثل صندوق “مشروعك” الذي قدَّم تمويلًا لـ٤٠ ألف مشروع صغير منذ ٢٠١٤.
إذن، صوت المثقفين والنقد البناء في إطار تنمية الدولة مهم؛ فإذا كان الخطاب الفكري المصري لا يخلو من نقد، فهو يُضيء أيضًا على الإيجابيات، لا سيما الدور التاريخي للدولة في الحفاظ على التماسك المجتمعي أمام التحديات الإقليمية.
والثقافة كحق إنساني (أحد أهم حقوق الإنسان) تتبدى من خلال تطوير المتاحف والمواقع الأثرية، مثل المتحف القومي للحضارة وافتتاح طريق الكباش، الذي يعيد ربط المصريين بتراثهم.
أما المجتمع المدني كشريك في التنمية، فتُشارك منظماته (تحت مظلة القانون) في مبادرات مثل محو الأمية ودعم ذوي الهمم.
وختامًا، جهود مصر في الجانبين الاجتماعي والاقتصادي تؤكد أن حقوق الإنسان لا تنفصل عن التنمية. فتحسين جودة الحياة، وخلق الوظائف، وتمكين الفئات المهمشة، هي حقوق تُبنى يوميًا عبر سياسات ملموسة. النجاح الحقيقي يكمن في جعل هذه الإصلاحات جزءًا من نسيج يومي يُترجم كرامة المواطن إلى واقع، عبر مشروعات تُعيد تعريف مفهوم الحقوق في القرن الحادي والعشرين، وهو ما تُصِر الدولة على تحقيقه.
المقال المقبل: النقد مقابل التطوير.. إضاءات على الفجوة بين النصوص والتطبيق. دمتم بخير.