خارج السطر
الشماتة في الموت موت
مصطفي عبيد
تذبحني سلوكيات، وتصعقني ردود أفعال، فأُنكر صامتا، وآسف نافراً، وألتحف بالابتعاد والنأي عن وصلات الردح وثرثرة المتربصين، لكنني أنتفض ذعراً إن دُهست قيم مُجتمعية نبيلة، تحت وطأة “التريند” وغثاء “السوشيال ميديا”.
لذا فقد انزعجت كثيرا من تعليق مُغردين مثقفين على رحيل أبي اسحاق الحويني، بشماتة وتشفي واستهانة بجلل الموت نفسه.
كتبت إيزيس كريمة الكاتب سيد القمني على حسابها على تويتر، ونقل عنها الآلاف فور ظهور نبأ وفاة الحويني :”اخيرا . الحمد لله أنه قطع أنفاسك. كنت مستنياها”، وكأنها تردها لابنه حاتم الحويني الذي سبق وكتب شامتا في وفاة سيد القمني سنة 2022 إذ قال : “الحمد لله الذي قطع أنفاسك”.
فتذكرت أبيات شعر عظيمة للشاعر أبي تمام يقول فيها:
“لا يَشمَتِ الأَعداءُ بِالمَوتِ إِنَّنا
سَنُخلي لَهُم مِن عَرصَةِ المَوتِ مَورِدا
وَلا تَحسَبَنَّ المَوتَ عاراً فَإِنَّنا
رَأَينا المَنايا قَد أَصَبنَ مُحَمَّدا”.
ورغم اختلافي فكريا وحضاريا ومنهجيا مع أبي اسحاق الحويني، وقطعا لا أراه عالما فذا أو خلافه، وسبق أن كتبت مرارا خلال حياته عن آراءه المُروعة وخطرها على العقل، وعلى الفهم الوسطي للدين، والاعتدال، لكن وفاته عنّت لي أن روح إنسان ما غادرت إلى الضفة الأخرى، فاستحقت أن نسأل الله لها الرحمة والمغفرة، ونلتمس لصاحبها الأعذار باعتباره ممن طلبوا الحق فأخطئوه.
لقد عادى الرجل الحضارة الحديثة، ورفض الوحدة الوطنية، وازدرى المرأة، واعتبرها غير جديرة بأي علم أو إنجاز، وتقبل استعباد البشر وإذلالهم، ورأي أن كل مُنجزات العلم الحديثة بدع وضلالات، لكن كل هذا لا يمنحنا الحق في رميه بلعنات أو التشفي في موته.
صحيح أن كثير من المُتأسلمين يُمارسون الشماتة في الموت بغل وجرأة واستفزاز، وسبق أن سمعت ورأيت عددا من رموز الإسلام السياسي يشمتون في وفاة رئيس أو وزير أو مفكر أو حتى شاعر، مثلما شمت بعض مُغردي الإخوان المسلمين يوما في وفاة الشاعر عبد الرحمن الأبنودي. وصحيح أن بعضهم انتزع لنفسه مفاتيح الجنان والجحيم ليُلقي بفلان هُنا ويرمي فُلانا هناك، في ظاهرة دخيلة ومُنحطة على المجتمع المصري، لكن ظهور القبح من شخوص ما لا يُبرر لنا ممارسة هذا القبح مع نظرائهم. فالقبح كما أقول دائماً لا يُبرر القُبح.
ولقد كانت واحدة من أهم وأبسط سمات المصري القديم والوسيط والحديث هي أن يُحافظ على جلال الموت ويحترم مصاب البشر، فلا يُبدي فرحا، ولا يُظهر شماتة، ولا يتبع الفقيد بلعائن أو سباب.
لقد كتب الشاعر أحمد شوقي يوما عن وفاة أحد الخصوم قائلا “محا الموتُ أسباب العداوة بيننا / فلا الثأر ملحاحٌ ولا الحقدُ ثائر “.
وهذا الشاعر العبقري أبو العلاء المعري يترك لنا بيت شعر يُدرس إلى آخر الزمان يقول ” لا تظلموا الموتى ولو طال المدى / إنى أخاف ُ عليكمو أن تلتقوا “، وهو ما يذكرني ببيت سابق لشاعر جاهلي يقول” إذا ما الدهرُ جرَّ على أناسٍ / كلاكله أناخ بآخرينا/ فقل للشامتين بنا أفيقوا / سيلقى الشامتون كما لقينا”.
ولكل مَن اختلفنا معه وعليه نسأل الله الرحمات والرحمات. والله أعلم
مصطفى عبيد
mostafawfd@hotmail.com

ALWAFD.NEWS
الشماتة فى الموت موت
الشماتة فى الموت موت
-
Reply
ناجى زين الدين
كلام و رأى من أروع ما يكون….و العنوان موفق جدا….يحضرنى لقاء مع د.أحمد كريمه بعد موت نوال السعداوى…و المضيف يسأله عن بعض آرائها…فقال لا أستطيع أن أتكلم عنها من الآن فهى فى زمه الله و لا تستطيع الرد….الله .. الله على جمال الإسلام…..أنا شخصياً…
See more
-
Reply
عاصم الفولي
رأى سديد ومحترم
-
Reply
Fatmaelzahraa Bekheet
دكتور ،شماتة بنت القمنى رد فعل لشماتة ابن الحوينى فى موت ابيها فكان اولى ان نتفهم انها خالة نفسية
كذلك لم يكن الموضوع شماتة بل كان ذكر لاثر الحوينى على الحياة الاجتماعية فى مصر مثلما ذكرت حضرتك وهذا ليس شماتة وإنما الموقف جعل الناس يتذكرون
-
Reply
Hany Omara
احسنت
-
Reply
محمود موسى
أحسنت يادكتور
-
Reply
-
Reply
كلام مظبوط والرسول الكريم قال فلتقل خيرا او لتصمت مختلف معاه خلاص ده انسان راح لربه وحسابه معاه احترم انسانيتك واحترم قداسة الموت
-
Reply
Rania Elkheshen
معك حق طبعا لا شماتة في الموت . صحيح ممكن بينا وبين نفسنا نفرح لوفاة شخص ظالم . لكن فقط نقول اللهم لا شماتة وداخل أنفسنا
-
Reply
Hoda Zaki
اللهم لا شماته يفرح فى الموت من لا يموت
-
Reply