شارل فؤاد المصري يكتب : دراما ولكن؟
شَهدت الدراما المصرية خلال شهر رمضان 2024 موجةً من الجدل الواسع حول مضمون الأعمال المُعْرَوضة، والتي تباينت بين انتقادات حادة من الجمهور والمسؤولين، ومن بينهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، ودعوات لفهم وتفهم سياقات الفن كمرآة للواقع.
إلا أن التركيز المُفرط والواسع على عناصر مثل العلاقات المحرّمة والعنف اللفظي والبصري أثار تساؤلات حول دور الفن في تعزيز القيم الاخلاقية والدينية أم تخريبها والسقوط بها الي اسافل قاع المجتمع.
لوحظ هذا العام هيمنةً واضحة لموضوعات تعتمد على “الصدمة” والصدمة هنا سلبية لجذب المشاهدين، مثل الخيانة الزوجية، والعلاقات خارج إطار الزواج، والصراعات العائلية المليئة بالشتائم والعراك الجسدي. ورغم أن الفن قد يعكس مشكلات اجتماعية، إلا أن طرحها بشكلٍ مُكثّف ومُجرّد من السياق الأخلاقي يُحوّلها إلى “عروض استعراضية” تُعظّم الانحرافات بدلًا من تحليلها نقديًا والتحذير منها . فالمشاهد المعروضة لم تعد تُقدّم برؤية فنية هادفة، بل كوسيلة لزيادة نسب المشاهدة عبر استغلال الفضول الإنساني نحو المحظور.
اما العنف اللفظي والبصري وانتهاك الخصوصية وقد اصبح للاسف مبتكرا من جانب الكثير من الكتاب بشكل تعدي حدود الواقع المرير مما اسفر عن الصعود به الي الهاوية
من جانب اخر تصاعدت الشكاوى من انتشار الألفاظ الخارجة في حوارات الشخصيات، حتى في الأعمال العائلية، ما يُعادي رسالة رمضان كشهر للقيم الروحية دون ضابط للأسف.
كما اعتمدت العديد من الحبكات الدراميةعلى مشاهد العراك والصريخ المبالغ فيها، والتي لا تخدم الدراما بقدر ما تُكرّس ثقافة العنف في المجتمع كوسيلة “طبيعية” لحل الخلافات.
بالإضافة إلى ذلك، تم توظيف انتهاك الخصوصية – مثل تسجيل المحادثات أو اختراق الحياة الشخصية للشخصيات – كأداة درامية رخيصة، مما يُرسّخ ثقافة اللامبالاة بحدود الأخلاق.. يعظم ثقافة اختراق القانون والضرب بها عرض الحائط.
وانا هنا ككاتب سياسي ولست ناقدا فنيا سأستخدم كلمة التطبيع وعادة عندما نذكر كلمة التطبيع المرفوضة من الشعب المصري تجاه دولة الكيان سنجد ان التطبيع مع العلاقات المحرّمة اصبح عاديا وطبيعيا
ولا يمكن إنكار وجود مشكلات كالخيانة أو الزنا في المجتمع، لكنّ طرحها بشكلٍ متكررٍ دون عواقب أخلاقية واضحة يُشكّل خطرًا على التصوّر الجمعي، خاصةً لدى الشباب. فبعض المسلسلات قدّمت الشخصيات المنحرفة كـ”نماذج جريئة” تتحدى التقاليد، دون إبراز الآثار المدمرة لمثل هذه العلاقات على الأسر والأفراد مما يُفاقم أزمة الهوية الثقافية في مجتمعٍ يُحاول الحفاظ على توازنه بين الحداثة والقيم الدينية.. “شعب متدين بطبعه”.
والسؤال الأهم لماذا انتقد الرئيس السيسي هذه الأعمال؟ بالتأكيد
جاءت انتقادات الرئيس السيسي للمسلسلات في سياق تحذيره من “انهيار المنظومة القيمية” الذي يُهدّد تماسك المجتمع المصري. ففي خطاباته، يُركّز على دور الإعلام والفن كأدوات لبناء الوعي الوطني، ويرى أن انغماس الدراما في التفاصيل المبتذلة يُلهي الجمهور عن الأولويات الكبرى، مثل التنمية ومواجهة التحديات الاقتصادية. كما أن هذه الأعمال قد تُقدّم صورةً مشوّهة عن مصر للعالم، خاصةً في فترةٍ تُحاول فيها الدولة تعزيز مكانتها الدولية.
لا ينبغي للفن أن يُصبح وعظًا مباشرًا، لكن عليه أيضًا ألّا يتحول إلى سوقٍ لترويج الانحدار الأخلاقي. على المنتجين والكتّاب مراجعة أولوياتهم.. فالإبداع الحقيقي لا يعتمد على الإثارة لوحدها، بل على عمق المضمون واحترام عقل المشاهد. كما أن حل هذه الأزمة يتطلب حوارًا واعيًا بين الدولة والفنانين لوضع ضوابط تحمي القيم دون كبح الحرية الإبداعية. فالفنّ الجادّ قادرٌ على كشف الحقائق وليس تشويهها، ودوره أن يرفع السقف الفكري لا أن يُسقطه إلى الحضيض.
والمختصر المفيد.. الفن ليس رسالة.. الفن مهنة مثل كل المهن يجب ضبطها اذا انحرفت عن السياق.
الرسالات للانبياء والمرسلين فقط.
دمتم بخير