محمد نجم
وعند الله ثواب الدنيا والآخرة
بسم الله.. والحمد لله.. والله أكبر..
ترددت كثيرًا فى الكتابة عن سورة النساء وما تضمنته من أحكام شرعية تكفل العدالة وتحقيق المساواة بين الجميع، خاصة فى قضية الميراث.
للأسف الشديد.. يغلب تطبيق «العُرف» فى الريف المصرى (بحرى وقبلى)، وهو ما يمنع حصول المرأة على ميراثها المستحق كاملاً (عينيًا أو نقديًا)، بحجج اجتماعية.. وطبقًا لعادة (هذا ما وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا)!
فى حين أن ربنا سبحانه وتعالى بدأ السورة الكريمة بتحذير عام (للكافة) باتباع شرعه وعدم مخالفة أحكامه، معددًا النعم التى أنعم بها على عباده المخلصين، والرخص التى منحهم إياها لتيسير حياتهم.
وتتمثل تلك النعم فى الإعجاز بالخلق من نفس واحدة، ثم رعاية ورقابة الله لأعمالنا وأحوالنا.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي َتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)
ثم يأمرنا فى ذات الآيات (الافتتاحية) بإعطاء اليتامى حقهم (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً) وكذلك حق النساء فى المهر كهبة وعطية.
وسوف نركز هنا على (المواريث)، حيث حدد فيها الله سبحانه وتعالى مجموعة من القواعد الحاكمة.
الأولى: للرجال والنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون.
الثانية: إن هذا النصيب محدد سلفًا – أى مفروضًا.. قل أو كثر.
الثالثة: أن للذكر مثل حظ الأنثيين فى تركة المتوفى.
الرابعة: إذا حضر عملية القسمة (توزيع الميراث) الأقارب واليتامى والمساكين – من غير الوارثين فلابد من جبر خاطرهم ومنحهم بعضًا مما ترك المتوفى.
ونظرًا لارتباط «التركة» وتوزيعها على المستحقين بأموال اليتامى فى كثير من الحالات، فالآيات تحذر من أكل أموالهم، ومَن يفعل ذلك.. كأنه وضع فى بطنه نارًا مستعرة.
تلك حدود الله.. وقواعد توزيع الميراث، لكن ما يجرى على أرض الواقع (يختلف) لأسباب عائلية واجتماعية.
أولها: أن القائم على التركة من الأشقاء أحيانًا (ما يطمع) فى استحواذه عليها ولا يمنح أشقاءه المقيمين فى المدينة كامل مستحقاتهم بحجة أنهم موظفون (يقبضون مرتباتهم أول الشهر وآخره)!
ثانيًا: جرى العُرف ألا تورث (البنات) فى البيوت، بحجة أن بيت أبوها مفتوح.. ويمكنها أن «تعبى وتشيل» ما تحتاجه منه فى أى وقت!
ثالثًا: أحيانا كثيرة لا تورث البنات فى الأراضى الزراعية بحجة (مفيش غريب يركب على أرضنا)، وقد يقوم الأشقاء من الرجال بمنح شقيقاتهم المقابل نقدى، لكن بالأسعار العائلية!
هذا ما يحدث فى الكثير من العائلات فى الريف المصرى، إلا من رحم ربك، ولا فرق هنا بحجم ثروة المتوفى، أو بمدى التزام الورثة دينيًا أو درجة تعليمهم أو مناصبهم الرسمية.
فالقاعدة – عند البعض – أن الرجال قوامون على النساء، وعلى الزوج أن يتكفل بزوجته وأولاده، خاصة أن الكثير من العائلات تحرص على (زواج الأقارب) حتى لا تذهب التركة للغرباء، وأيضًا تتم المعاملة بالمثل بين أبناء العمومة أو الخالات!
نعود إلى قواعد الميراث الواردة فى السورة الكريمة وتضمن 12 فرضا، فى سورة الأنفال والأحزاب (وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَابِ اللَّهِ).
فلدينا الأصول والفروع والأشقاء، بعضهم يرث بالفرض القرآنى: مثل الأم والزوج والزوجة، وبعضهم بالفرض فقط مثل الأب والبنت والأخت الشقيقة والأخت لأب والأخ أو الأخت لأم.
ثم وراثة الأرحام الابن والابن لأم.. وهكذا، ثم وراثة السببية أى الزواج ومنها بالطبع الزوجة والزوج.
لكن قبل «التوزيع» لابد من تنفيذ ما يسميه البعض بالشرط المانع أو المعطل، وهو «تنفيذ» الوصية الواجبة – إن وجدت والدين المستحق.. على المتوفى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ).
ثم البدء فى الفرز وتحديد الأنصبة للمستحقين، مع البدء بالأولاد، حيث الفرع فى الميراث مقدم على الأصل.
ولذلك تنحصر «حالات» التوريث العامة فى أربعة:
الأولاد، والأبوان، والأزواج، والزوجات، ثم «الكلالة» حيث لا أصل ولا فرع للمتوفى أى لأب ولا ولد.
1 – فالأولاد والبنات: يتم التوزيع طبقًا لقاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين، وإذا كانت الوارثات بنات فقط وأكثر من اثنتين فلهن ثلثا ما ترك، وإذا كانت واحدة فلها نصف ما ترك المورث.. مع ملاحظة أن كلمة «ولد» فى الآيات تطلق أحيانًا على الذكر والأنثى.
2 – الأبوان: القاعدة العامة أن يحصل كل منهما على «سدس» التركة، وإذا لم يكن له أولاد تحصل أمه على ثلث التركة والباقى للأب، وإذا كان له أخوة فلهم السدس.
3 – الزوج والزوجة: القاعدة العامة أن للرجل «نصف» ما تركت الزوجة إن لم يكن لها ولد، وله «الربع» إذا كان لها ولد منه أو من غيره.
أما الزوجة فلها «الربع» إن لم يكن للزوج ولد، و«الثمن» إذا كان له ولد.
4 – الكلالة: وهى حالة المتوفى الذى مات أبواه ولم يخلف.
فإذا كان له أخت.. فلها النصف مما ترك، وهو يرثها بالكامل ما لم يكن لها ولد.
إذا كان له أخ أو أخت من الأم، فلكل واحدة منهما السدس وإذا كانوا أكثر من ذلك فلهم جميعًا الثلث.
وإن كانوا أكثر من أخت فلهما الثلثان.
وإذا كانوا «أخوة» فالقاعدة العامة «للذكر مثل حظ الأنثيين».
كل ذلك ما لم يكن هناك وصية أوصى بها المتوفى أو دين مستحق عليه.
تلك حدود الله.. فرضها وأوصى بها..
( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) «الآية 13 النساء»
(وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) «الآية 14 النساء»
تبقى الإشارة إلى من يرغب فى المزيد حول هذا الموضوع، فعليه أن يقرأ فقه المواريث المقارن للدكتور سعد الدين هلالى الصادر مؤخرًا عن دار المعارف.
اللهم لك الحمد على سترك ورضاك