مصطفي عبيد
الانتصار بالخرافة.. هزيمة كبرى
تبدو الحكاية غريبة، لكن مدلولاتها مُنبهة، وملفتة، ودالة على كثير من السمات السلبية التى سكنت شوارعنا، وحكمت مُجتمعاتنا، وهيمنت على أذهان العامة والخاصة على السواء. والضمير هُنا «نا» يعود علينا مصريين، وعربًا، ومُسلمين.
الحكاية ببساطة أن حيوانًا بريًا غريبًا ومفترسًا، رُبما لم نسمع به من قبل، اسمه الوشق المصرى، يبدو حجمه متوسطًا بين النمر والقط، تسلل عبر الحدود الصحراوية مع إسرائيل، وهاجم بعض الجنود هُناك وأصابهم إصابات بالغة.
لم تمُر دقائق معدودات على تداول النبأ، حتى تحول هذا الوشق إلى بطل شعبى، فانتشرت صوره على صفحات السوشيال ميديا، وتتابعت كلمات التحية والشكر له، واستغله بعض نجوم الفن وأظهروا صورا ُلهم معه باعتباره صديقا مُحببا، والأنكى أنه صار لدى البعض رمزا لانتصار الشرعية والحق والعدل.
لقد تصور البعض أن الوشق هو انتقام الله من جنود إسرائيل، وأنه يد العدالة الإلهية تقتص من جرائم الإبادة فى قطاع غزة، وتقف إلى جوار الضحايا فى فلسطين.
لم يكُن ذلك غريبًا، لكنه كان فاضحاً لعقلية سلبية، اتكالية، متُخلية، مُخاصمة للعلم، ومستبعدة للمنطق، صالت سنين فى سراديب الخُرافة، وجالت عقودًا فى مسارات الانتهازية، فأدمنت الانتصارات المفاجئة، والمكاسب الحظية، والإنجازات غير المُخطط لها.
يبدو الوجع ناخرًا فى عظام الفكر المُعاصر، فلا تحفزنا آمال، ولا تقودنا أهداف، ولا توقظنا هزائم، ولا تُنبهنا انكسارات إلى لزوم الإعداد والتجهز والعمل والتخطيط لإنجاز ما نريد، أو حتى لإعجاز تحقيق ما يُريده الأعداء والخصوم بنا.
نكره إسرائيل، كيانا عنصريًا يمارس كل قهر وتوحش وعدوان، فنلتمس النصر فى حيوان برى غريب، يُهاجم جنديًا بعشوائية فى حالة فردية نشهد مثيلاتها فى بلادنا العربية كل يوم. نرقص فرحا لانتقام الطبيعة من أعدائ دون أن نُفكر نحن فى المواجهة، مثلما حدث فى خريف 2016 عندما اندلعت حرائق طبيعية فى مناطق متفرقة من إسرائيل بسبب التغيرات المناخية، فهللنا فرحاً مُتمنين أن تتسع الحرائق ـ جنود الله ـ لتقتلع إسرائيل بالكامل وتُفنى أهلها لنرتاح من شرورهم.
يبقى دائما الحل خارج أيدينا، مع الآخرين، ويظل دورنا دوما هو المُشاهدة، كأننا نمتلك الكون فنُسيره بآمالنا لا بأعمالنا.
فى كثير من الخطوب لا نُفكر أبدًا فيما كان علينا فعله، ولم نفعله، ولا ما لزم الإعداد له ولم نُعده، ولا ما وجب الشروع فيه ولم نشرع. فنُحن نُريد دائمًا نصرًا من الله وفتحًا قريبًا، وأهم شىء أن يكون هذا النصر سهلاً خفيفًا لا يستلزم منا جُهدا أو تخطيطًا.
لقد ذكرتنى حكاية الوشق وما تبعته من تعليقات، بدعاء شائع يُردد كثيرًا فى مساجدنا يقول ذاكروه «اللهم اهلك الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بين أيديهم سالمين، غانمين».
ففى ظنى ـ وليس كل الظن إثم ـ فإن هذا الدُعاء الانتهازى يُرسّخ للضعف، ويروج للانتهازية، ويفتح النوافذ لفكرة اللافعل واللافكر واللاعمل؟ وكلما رددناه على مسامع صغارنا، فإننا نُربى جيلا ساكنا ضعيفًا سلبيًا لا يُمكن أن يتحمل مسؤولية. أى انتهازية تلك التى تتصور أن يقود الله أعداؤنا ليتحاربوا ويتقاتلوا معًا حتى يفنى بعضهم بعضا فننتصر نحن بذلك ونحن نشاهد حروبهم، ثم نشمت فيهم لأنهم ظالمون. فما أسهله جهاد وما أطيبه كفاح ذلك الذى يحارب فيه الظالمون الظالمين ونخرج نحن من بين أيديهم سالمين غانمين.
فمتى نُعبر عن فرح بإنجاز حقيقى صنعته أيدينا؟