جرعة سعادة بمناسبة العيد
كمال جاب الله
كاتب سياسي ومحاضر جامعي
لأن نشر هذا المقال يتزامن مع حلول عيد الفطر، ويحين- كذلك- مع احتساب رقم 401 في عدد المقالات، التي تفضلت “بوابة الأهرام” الغراء بنشرها لي، بشكل أسبوعي منتظم، بدءًا من شهر يوليو عام 2017، أقدم هذه الإطلالة المتنوعة.
في الـ 20 من شهر مارس الحالي، جرى الاحتفال باليوم العالمي للسعادة، لتتصدر الإمارات المتحدة قائمة الدول العربية، تليها الكويت والسعودية، فيما احتلت فنلندا- بامتياز- المرتبة الأولى، باعتبارها الأكثر سعادة في العالم للعام الثامن على التوالي.
بهذه المناسبة، صدر تقرير سنوي، يوضح -بالأرقام- قائمة للدول، الأكثر أو الأسوأ، بمقياس السعادة، وفقًا لمعايير محددة، منها: تقييم الناس لحياتهم، نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، متوسط العمر الصحي، الشعور بالحرية والكرامة، الفساد، الاعتماد على النفس، بالإضافة إلى امتلاك عائلة متماسكة ومترابطة بشكل قوي.
مؤسسات دولية تقوم بإعداد التقرير السنوي، وهي: جالوب لاستطلاعات الرأي، أوكسفورد لبحوث الرفاهية، وشبكة حلول التنمية المستدامة، وأقرت الأمم المتحدة الاحتفال باليوم العالمي للسعادة، وربطته بالتنمية المستدامة والحياة الكريمة، عبر تحقيق 17 هدفًا، أبرزها: القضاء على الفقر، الحد من عدم المساواة وحماية البيئة.
الدول الإسكندنافية جرى تصنيفها ضمن قائمة البلدان العشر الأولى الأكثر سعادة وهي: فنلندا 1، الدنمارك 2، أيسلندا 3، والسويد 4، وانضمت كوستاريكا والمكسيك لقائمة الشرف الأولى. أيضًا، جاءت سويسرا 13، بلجيكا 14، كندا 18، فرنسا 33، فيما تراجعت الولايات المتحدة إلى المركز 24، وهو أسوأ تصنيف لها منذ نشر التقرير للمرة الأولى في عام 1992، وكانت- وقتها- تحتل المرتبة 11، بالقائمة.
سر تفوق الدول الإسكندنافية يكمن في تمتع مواطنيها بأنظمة حماية اجتماعية قوية نسبيًا، وتوفير إجازات للوالدين، ومساعدة العاطلين من العمل، والرعاية الصحية الشاملة غالبًا، بالإضافة إلى الشعور بالأمن والأمان، والاستمتاع بجمال الطبيعة.
عربيًا، احتلت الإمارات العربية المتحدة المركز 21، تليها الكويت 30، السعودية 32، مصر 135، اليمن 140، لبنان 145، فيما احتلت أفغانستان المركز الأخير 147، بعد عودة طالبان للحكم في عام 2021، تسبقها سيراليون بالمركز 146.
لوقت قريب، كان سقف معلوماتي العامة يتوقف عند حدود رقم التريليون، باعتباره هو الأعلى، والأكثر تداولًا، ومنذ أيام، قرأت خبرًا عن حجم الديون المجمعة للأسر والشركات والوكالات الحكومية في كوريا الجنوبية، وقد تجاوزت 6.2 كوادريليون وون، أي حوالي 4.25 تريليون دولار أمريكي، حتى نهاية الربع الثالث من 2024.
كذلك في اليابان، طالعت تقريرًا يشير إلى تحول المتسوقين إلى الدفع غير النقدي- عن طريق الأموال الإلكترونية وبطاقات الائتمان وغيرها من الطرق التي لا تتطلب أوراقًا نقدية أو معدنية- بمعدل أسرع مما توقعته الحكومة، ليصل إلى 40%، أي نحو 840 مليار دولار في عام 2023. ترى كيف يجري- الآن- حساب رقم الدفع غير النقدي بالين الياباني، في حالة مقارنة سعر صرفه أمام الدولار، بحوالي 150 ينا؟!
عندما زرت العاصمة الكوبية -هافانا- في شهر يناير الماضي، صادفت شعارًا -عميق المعنى والمغزى- مكتوبًا على الجدران، نصه “يجب أن تكون سعيدًا”، والمقصود -بطبيعة الحال- هو دفع السكان هناك للتأمل في حياتهم وأوضاعهم الخاصة والعامة.
اللافت أن صاحب فكرة الشعار هو فنان جرافيتي يدعى مستر ساد، يبلغ من العمر 27 عامًا، وجرى إنتاج فيلم قصير بعنوان “يجب أن تكون سعيدًا”، لإيصال رسالة أمل وسعادة إلى الشعب الكوبي، في مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة بالجزيرة.
لا أدري كيف حافظ سكان الجزيرة الكاريبية، المغلوبة على أمرها، على شعار “يجب أن تكون سعيدًا”، عندما غرقت كوبا في ظلام “إجباري” دامس، استمر عدة أيام، بسبب الأعطال المزمنة في شبكة الكهرباء، نتيجة للحصار الاقتصادي والتجاري والمالي، الظالم، الذي تفرضه الولايات المتحدة منذ 6 عقود، فيما كانت هناك العديد من دول العالم التي تحتفل بساعة الأرض، بإطفاء الأنوار “طوعًا”!
بقي أن أشير إلى توقعات لافتة صدرت حديثًا في اليابان بعنوان “الاقتصاد العالمي في عام الثعبان SNAKE 2025″، وفقًا للأبراج اليابانية والصينية، كتبتها بموقع هيئة الإذاعة والتليفزيون اليابانية، NHK، الصحفية ساكوراي رييكو، وجاء فيها:
حرف S: يرمز إلى أن عصر التجارة الحرة سوف يواجه تحديات خطيرة في عام 2025، لاضطرار العديد من الدول لوضع الأمن القومي في المقام الأول، مع توقع منافسة بين واشنطن وبكين، في مجالي الأمن السيبراني والفضائي.
حرف N: يلوح في الأفق عدم اليقين، مع احتمال نشوب حروب تجارية وسياسية، ومن المتوقع أن تتأثر معدلات النمو في الاقتصاد العالمي لعام 2025، بمدى التزام الرئيس ترامب بسياسة التعريفات الجمركية المرتفعة.
حرف A: يرمز إلى الصناعات المرتبطة بأنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي والروبوتات الشبيهة بالبشر، وبما قد يتجاوز القدرات المعرفية البشرية، وهو ما سوف يتسبب -بكل تأكيد- في إحداث تغييرات جذرية بأسلوب حياتنا.
حرف K: فاجأت كوريا الشمالية العالم بإرسال قوات لدعم غزو روسيا لأوكرانيا، وفي المقابل تتلقى الغذاء والنفط والأموال، كما تعمل العاصمتان، بيونج يانج وموسكو، على تعزيز العلاقات الاقتصادية ويمكنهما، جنبًا إلى جنب مع الصين، أن تقودا تحول العالم بعيدًا عن الدولار الأمريكي.
أيضًا، يتوقع تأثر اقتصاد كوريا الجنوبية بالاضطرابات السياسية الراهنة.
أخيرًا حرف E: يرمز إلى الطاقة والمناخ، وقد يصبح عام 2025 نقطة تحول لقطاع الطاقة والصناعات ذات الصلة، ويخطط الرئيس ترامب لاتباع سياسة “احفر احفر يا صغيري” مرة أخرى، وصرح بأنه سيلغي اللوائح التي تهدف إلى خفض انبعاثات الكربون.
في الوقت نفسه، ستتراجع الولايات المتحدة عن الجهود الرامية إلى معالجة تغير المناخ، في وقت أصبح فيه العالم أكثر حرارة من أي وقت مضى، ووصلت مستويات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي في عام 2023 إلى مستويات قياسية عالية.
وستسعى دول مثل اليابان- التي تعتمد على الطاقة من مصادر أجنبية- إلى تسريع الجهود لتطوير تقنيات جديدة تعمل على تحسين كفاءة الطاقة وخفض انبعاثات الكربون، كما تأمل في خلق مصادر جديدة للطاقة الصديقة للبيئة.