.. وسخر لنا ما في السماوات والأرض
بسم الله.. والحمد لله.. والله أكبر..
محمد تجم
سبحان الله رب السماوات والأرض والمشرق والمغرب وما بينهما، إنه على كل شىء قدير.
سبحان الذى يقول للشىء كن فيكون، الذى خلق فسوى، وجعل لكل شىء قدر!
سبحان الذى يعلم السر وما يخفى، ويعلم ما فى الصدور.
سبحانه هو ولى النعم التى لا تعد ولا تحصى.
قال فى كتابه الكريم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) «فاطر»
سبحانه سخر لعباده ما فى السماوات والأرض وأسبغه عليهم نعمه الظاهرة والباطنة (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ) «لقمان».
لقد أبدع الله فى خلقه للإنسان وجعل لكل عضو فيه وظيفة.. فاللسان للنطق والتكلم، والبصر للنظر، والأذن للسمع، واليد للعون والبطش أو الدفاع عن النفس، والرجل للحركة والسير.
وخلق كل منها بمقدار، بحيث لا يد أو رجل أطول أو أقصر من الأخرى، وكذلك العينان والأذن ذات الشكل والحجم لا اختلاف بينهما.
هذا هو الإنسان الذى خلقه الله بعد الملائكة والجن، لكى يعمر الأرض.. وسخر له جميع ما خلق – بداية من السماوات بما فيها من الشمس والقمر والكواكب والنجوم (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) «الجاثية».
وأودع فى كل منها نظاما ثابتا لا يتبدل، فالنهار للسعى والرزق، والليل للسكون والراحة.
وخلق الأرض وما فيها من محيطات وبحار وأنهار وجبال وأشجار ونباتات وحيوانات وطيور.
ولم يكتف رب العزة بالخلق، ولكنه أحسن التكوين والتصوير فجعل لكل مخلوق شكل ولون، بداية من الإنسان والدواب والأنعام وانتهاء بالثمار والفواكه وحتى الجماد من الطرق والجبال (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) «النمل»
نعم لقد جعل لكل شىء سببا.
فقد أنزل من السماء ماء فأسكنه فى الأرض، وأنشأ فيها جنان من نخيل وأعناب.
كما أنزل من السماء ماء فأخرج به ثمرا مختلف ألوانها ومذاقه (أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنْ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ) «فاطر».
وها هى الأنعام لنا فيها منافع كثيرة.. حيث نأكل لحومها ونشرب لبنها، ونرتدى أصوافها وجلودها، ثم إنه خلق الدواب.. لنركبها ونحمل عليها.
(وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ).
نعم.. لقد خلق الله فسوى، حيث النظام والوظيفة والاستخدام، خاصة الشمس والقمر والكواكب، والفصول والشهور.
فلا خلل ولا إعوجاج مع تقدير أحوال البقاء وموعد الفناء، فكل شىء يهتدى إلى ما فيه نفعه اختيار أو تسخير.
كما يقول فى سورة الجاثية (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
فالشمس للحرارة والقمر للإنارة، والكواكب للهداية والأرض للعيش والزرع، والبحار والأنهار لتأكلوا منها لحما طريا، والدواب وغيرها لتأكلوا لحومها وتلبسوا جلودها وأصوافها، وتشربوا لبنها إلى جانب أن تركبوها أو تستعينوا بها فى حياتكم.
يقول سبحانه وتعالى فى سورة الملك (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ).. أى بكواكب تضىء الليل وظلامه الدامس، ناثرة الحسن والجمال فى السماء الصافية المرفوعة بغير عمد.
ويقول أيضًا فى سورة الحجر (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ)، والبروج هى منازل الشمس بعدد أشهر السنة، فثلاثة منها بروج الشتاء وهى الجدى والدلو والحوت.
وثلاثة أخرى بروج الربيع وهى الحمل والثور والجوزاء.
وثلاثة ثالثة بروج الصيف وهى السرطان والأسد والسنبلة.
وثلاثة رابعة بروج الخريف وهى الميزان والعقرب والقوس.
أما منازل القمر، فمقدارها ثمانية وعشرون مقسومة على بروج الشمس الاثنى عشر.
انظر كيف يصور الخالق القمر ليصبح كعود طلع النخلة المشابه لعنقود العنب، كما جعل لكل من الشمس والقمر مدارا مستقلا، فيتعاقبان فيه وهما مع الكواكب كلا يسبح فى فلك الله منتظما فى مداره المحدد.
ويقول سبحانه وتعالى فى سورة يس (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ).
ومن رحمته أن جعل لنا الليل والنهار لنسكن فيها، ولنبتغى من فضله (أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
أما الأرض فيصفها سبحانه فى سورة الرعد (وَفِى الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِى الأُكُلِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، حيث جعل فى الأخيرة جبال راسخة لتثبت بها (وَأَلْقَى فِى الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) «النحل».
كما سخر الرياح يستخدمها الإنسان بقدر ويدفع بها الفلك فى البحار حاملة البشر والحجر والمأكل والملبس، كما ينقل هذه السحاب إلى الأرض المجدية فيحييها بعد موتها سبحانه على كل شىء قدير.. سبحانك ما خلقت هذا باطلا (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِى الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) «البقرة».
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ)
(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ).
تبقى الإشارة إلى أننى استعنت فى كتابة هذا المقال بكتاب (معجزات القرآن) للراحل المفكر الكبير د. شوقى ضيف، وهو من إصدارات دار المعارف وطبع أكثر من مرة.