المجر تغرد خارج سرب الاتحاد الأوروبي وقمة باريس تستنفر روسيا
بن والاس وزير الدفاع البريطاني السابق: مفاوضات “ائتلاف الراغبين” أشبه بـ”الخداع السياسي التكنولوجي” لأنها لا تناقش “القضايا الأساس”
سامي عمارة
كاتب وصحافي
حذرت موسكو مما تسميه بـ”عسكرة أوروبا” على ضوء اجتماع رؤساء أركان الجيوش الأوروبية في العاصمة البريطانية لندن.
أعلن الرئيس الفرنسي عن إرسال “فريق فرنسي – بريطاني” إلى أوكرانيا تمهيداً “لإعداد شكل جيش الغد الأوكراني”.
استيقظ سكان العاصمة الروسية على صورة نشرها وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو على مواقع التواصل الاجتماعي، له وهو يمارس الرياضة الصباحية على شاطئ نهر موسكو غير البعيد من مقر السفارة المجرية، مرتدياً بدلة تدريب رياضية تحمل شعار نادي كرة القدم المجري “هونفيد” تحته عبارة “نحن نكتسب القوة”، في إشارة لا تخلو من مغزى .
ولم يكن غريباً أن تجتمع كل الصحف الروسية الصباحية حول نشر هذه الصورة التي تصدرت خبر الزيارة الـ13 لوزير الخارجية المجري خلال أقل من ثلاثة أعوام، هي عمر المواجهة المسلحة بين روسيا وأوكرانيا، إلى موسكو وما تضمنت من محادثات حول أمن وإمدادات الطاقة مع ألكسندر نوفاك، نائب رئيس الحكومة الروسية المسؤول عن هذا الملف منذ أعوام طويلة، وذلك إلى جانب لقاءات المسؤول عن الدبلوماسية المجرية والحاصل على وسام الصداقة مع الشعوب، أحد أعلى الأوسمة الروسية، مع كبار المسؤولين في العاصمة الروسية.
أمن الطاقة والأزمة الأوكرانية
وحسب ما كان متوقعاً كانت قضايا أمن الطاقة واستمرارية إمدادات الغاز والتعاون بين البلدين ومعهما تطورات الأزمة الأوكرانية في صدارة محادثات الوزير المجري في العاصمة الروسية، وبحسب نوفاك فإن “ذلك يؤكد مرة أخرى خط السياسة الخارجية الذي يتسم بالتوازن والموضوعية للقيادة المجرية”.
لافتاً إلى “أنه بفضل الموقف البناء المستمر من جانب الوزير المجري تمكن البلدان من التعاون بفاعلية وحل جميع القضايا الناشئة، على رغم الوضع الدولي الصعب”، وأضاف “في ظل الظروف الحالية من المستحسن مواصلة تنفيذ الاتفاقات التي جرى التوصل إليها سابقاً في المجالات الإستراتيجية للحفاظ على جميع جوانب التطورات الثنائية المفيدة في مختلف مجالات التعاون الروسي – المجري وزيادتها”.
وأعرب الجانب الروسي عن يقينه من التزام موثوقية إمدادات الطاقة إلى بودابست، واستعداده لاتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان بقاء الإمدادات للشركاء من دون انقطاع، على حد قول المسؤول الأول عن ملف الطاقة في العاصمة الروسية.
من جانبه قال سيارتو “إن المجر تتوقع مواصلة التعاون في مجال الطاقة مع روسيا وتقدر نتائجه من إمدادات النفط والغاز المستقرة التي تضمن أمن الطاقة في بلدنا”، وأضاف “نرحب بالتنفيذ المستمر لمشروع بناء محطة الطاقة النووية باكش-2، ونهدف إلى الحوار حول حل القضايا المتعلقة بتمويل المشروع في مواجهة القيود الخارجية”.
ملف فيكتور أوربان
ولم يخرج ما تناوله سيارتو من قضايا مع المسؤولين في موسكو عما سبق وناقشه رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان خلال زياراته الأخيرة للعاصمة الروسية، بما انفرد به من مواقف متميزة عن بلدان الاتحاد الأوروبي، ومن المعروف أن المجر لم تدعم الاقتراح الأخير للاتحاد الأوروبي حول تخصيص 20 مليار يورو من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، كذلك رفضت الحكومة المجرية دعم انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي حتى تبدأ كييف في احترام حقوق الأقلية القومية المجرية في منطقة ما وراء الكاربات التي كانت جزءاً من أراضي المجر وضمها ستالين إلى أوكرانيا بموجب نتائج الحرب العالمية الثانية.
ويتحدث مراقبون في العاصمة الروسية عن أهمية هذه الزيارة وتوقيتها الذي جاء مواكباً لانعقاد قمة باريس التي غاب عنها فيكتور أوربان ونظيره السلوفاكي روبرت فيتسو من منظور ما يتخذانه من مواقف مغايرة، كثيراً ما أثارت مخاوف المجتمعين في العاصمة الفرنسية، ممن أطلقوا على اجتماعهم هناك “قمة الراغبين”.
“ائتلاف الراغبين”
وثمة من يقول في موسكو إن اجتماع القمة الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ممن يطلقون عليهم كنية “الراغبين”، يبدو في حقيقة الأمر استعداداً “للحرب العالمية الثالثة”، وكانت هذه “القمة” عقدت بمشاركة ممثلين عن 31 دولة إضافة إلى ممثلي الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، خلصوا جميعهم إلى ضرورة زيادة الدعم العسكري لأوكرانيا وتعزيز قدرات القوات المسلحة الأوكرانية والمجمع الصناعي العسكري للبلاد، وذلك فضلاً عن المساعدة في إعادة إعمار البلاد وتوفير الضمانات الأمنية من خلال نشر القوات الغربية التي قالوا إن أوكرانيا في أمس الحاجة إليها.
وتعهد المشاركون في القمة بتخصيص قرابة 20 مليار يورو إضافية كمساعدات عسكرية لأوكرانيا وتزويد كييف بمليوني وحدة مدفعية وتوفير الذخيرة وتحسين التنسيق بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لضمان أن الدعم الذي تقدمه يلبي حاجات أوكرانيا، إضافة إلى ذلك اتفق القادة الأوروبيون على تعزيز التعاون مع صناعة الدفاع الأوكرانية ومواصلة تطوير مهمة الاتحاد الأوروبي للتدريب العسكري للجنود الأوكرانيين، كذلك شملت مناقشات المشاركين في هذه القمة تقييم مسار مفاوضات السلام التي بدأت بمبادرة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب والخطوات الأولى نحو وقف إطلاق النار وسيناريوهات خطة سلام مع ضمانات أمنية لكييف .
وكانت موسكو استبقت مثل هذه النيات بإعلان الرئيس فلاديمير بوتين معارضتها وأن بلاده ستعتبر أي وجود لأية دولة بمثابة مواجهة مباشرة معها، كذلك نشرت وزارة الخارجية الروسية ما مفاده بأن روسيا تعارض بصورة قاطعة “مثل هذا السيناريو المحفوف بصدام مباشر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي”. وقالت إن البلدان الأوروبية، تحت ستار بعثة لحفظ السلام، تطور “تصميماً للتدخل العسكري في أوكرانيا”، بمشاركة مباشرة من جانب الرئيس الفرنسي ماكرون الذي تفضحه رغباته في تزعم القارة الأوروبية بعيداً من الولايات المتحدة.
ومن اللافت ما قاله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في إطار مداخلاته في أعمال القمة حول طلبه الإجابة عن عدد من الأسئلة المحددة ومنها معرفة أي من الدول التي ستشارك براً وجواً وبحراً في أوكرانيا؟ وأين ستنتشر هذه القوات تحديداً؟ وما حجم وهيكل هذه القوات؟ ومتى سيبدأ تحالفنا فعلياً؟ ومتى ستبدأ الهدنة أو متى ستنتهي الحرب بصورة كاملة ويجري التوصل إلى تسوية؟”، ومن وحي ما جرى نشره لأعمال تلك القمة، فإن تلك التساؤلات لم تلقَ إجابة “شافية”، فضلاً عما إذا كان بعض المشاركين ينوي حقاً الانضمام إلى ما خلصت إليه القمة من قرارات غير ملزمة لأي منهم.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وصف في وقت سابق الدول الأوروبية التي تنظر في سيناريو إرسال وحدة حفظ السلام التابعة لحلف شمال الأطلسي إلى الأراضي الأوكرانية، بأنها “حالمة”، من جانبه قال الناطق الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن مثل هذه المناقشات “توجه خطر”.
نتائج “خالية الدسم”
وكان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بادر بالتعليق على نتائج القمة بقوله إن “النتائج الرئيسة لاجتماع باريس هي التعبير عن الدعم لأوكرانيا بقدر الضرورة”، فضلاً عن الاستنتاج الذي توصل إليه المشاركون بأن “الآن ليس الوقت المناسب لرفع العقوبات” ضد روسيا، غير أن النتائج يمكن أن توحي أيضاً بأن “ائتلاف الأشخاص الراغبين” لم يتفق على أي شيء جديد على الإطلاق، حسب قول مراقبين كثر قال بعضهم إن هذه النتائج تبدو في بعض جوانبها “خالية الدسم”، على رغم أن رفض أوروبا أي تخفيف للعقوبات، بالطبع، أدخل غموضاً إضافياً في احتمالات هدنة في البحر الأسود، لأن رفع عدد من القيود كان شرط موسكو لوقف إطلاق النار في البحر الأسود، ولكن مع ذلك من غير المحتمل أن يكون مثل هذا الرفض مفاجئاً.
وكان ماكرون أكد أيضاً أن وزراء خارجية الدول المتحالفة مع أوكرانيا تلقوا تعليمات بوضع وتقديم خطة للسيطرة على وقف إطلاق النار في غضون ثلاثة أسابيع، إذا حُقق ذلك، وأعلن الرئيس الفرنسي عن إرسال “فريق فرنسي – بريطاني” إلى أوكرانيا تمهيداً “لإعداد شكل جيش الغد الأوكراني”، وأكد إيمانويل ماكرون أن العمل مستمر في شأن إرسال “قوات الردع”، التي يمكن أن تتمركز على الأراضي الأوكرانية في حال إبرام اتفاق سلام بين موسكو وكييف، وفي الوقت نفسه أشار الرئيس الفرنسي إلى أن الحديث لا يجري حول حفظة السلام الكلاسيكيين، إذ ستُنشر القوات الأوروبية بعيداً من خط المواجهة. وعلى رغم أنه أعرب عن أمله في أن تدعم الولايات المتحدة “قوات الردع” بطريقة أو بأخرى، فإن ماكرون وعد أيضاً بالتحضير لمثل ما جرى الاتفاق حوله، من دون مشاركة واشنطن في مثل هذه المبادرة.
وذلك على النقيض مما سبق وقاله رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في وقت سابق، حول أن إرسال قوات أوروبية مسألة غير قابلة للتنفيذ إلا بضمانات أمنية من الولايات المتحدة.
عودة بن ولاس
وكان بن والاس وزير الدفاع البريطاني السابق سبق وقال إن مفاوضات “ائتلاف الراغبين” أشبه بـ”الخداع السياسي التكنولوجي”، لأنها لا تناقش “القضايا الأساس… بالنسبة إلى أوروبا وبريطانيا، هذه مسألة تصميم”، وأكد الوزير البريطاني السابق “أن بوتين يشعر بأننا لا نملك مثل هذا التصميم لذلك لا يأخذنا على محمل الجد”، وكان ستارمر، متحدثاً أمام قيادة مقر العمليات الأجنبية المشتركة للقوات المسلحة الملكية، كشف عن أن المملكة المتحدة تضع خططاً للعمليات البرية والبحرية والجوية في أوكرانيا لضمان الامتثال لاتفاق السلام بعد تسوية النزاع، وذكرت وسائل الإعلام البريطانية أن لندن وباريس تأملان في تشكيل “فيلق لحفظ السلام” من 10 إلى 30 ألف جندي “لضمان اتفاق السلام في شأن أوكرانيا”.
موقف موسكو من “عسكرة أوروبا”
وقد جاء ذلك كله في وقت تحذر فيه موسكو مما تسميه بـ”عسكرة أوروبا” على ضوء اجتماع رؤساء أركان الجيوش الأوروبية في العاصمة البريطانية لندن، وفي إطار تحذيراتها من مغبة مثل هذا التوجه، أعربت موسكو عن قلقها، مشددة على ضرورة اتخاذ ما يلزم من إجراءات للرد المناسب وفق ما أعلنت عنه المصادر الأوروبية من رفع نسبة إنفاقها العسكري، بما يتفق مع خطط تطوير المجمع العسكري الصناعي الأوروبي.
وننقل عن الموقع الإلكتروني لقناة “روسيا اليوم” ما قالته حول ما يجري من خطوات على هذا الطريق، وما “تحرزه القوات الروسية من تقدم ضخم على جبهة المواجهة المسلحة مع أوكرانيا وبخاصة في مقاطعة كورسك، ومع بدء سرقة عوائد الأصول الروسية بإعطاء كييف 971 مليون دولار كجزء من ثلاث دفعات مضمونة، والأهم من هذا وذلك موقف فرنسا الداعي إلى استخدام المظلة النووية في أوروبا، فيما ترمب يحذر من حرب عالمية ثالثة بحال الفشل في التوصل إلى اتفاق سلام في أوكرانيا”.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أشار أخيراً إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يريد بصدق إنهاء هذا الصراع”، وأضاف أن روسيا تؤيد حل الصراع الأوكراني بالوسائل السلمية، ولكن بشرط القضاء على الأسباب الجذرية، وهو ما سبق وأعلن ترمب عن قبوله به، كذلك أشار بوتين إلى أن بلاده تتمتع بتوازن إستراتيجي مع الولايات المتحدة، مؤكداً أن موسكو ستعمل على تطوير قدراتها في الوقت المناسب وبطريقة دقيقة.
المزيد عن: روسياموسكو أوكرانيا فلاديمير بوتين فولوديمير زيليسنكي اجتماع باريس إمدادات النفط إمدادات الغازإيمانويل ماكرون حلف شمال الأطلسي الاتحاد الأوروبي قمة باريس