ترامب ومستشاره الاقتصادى الخائب
الأستاذ الدكتور حسن يوسف على
أستاذ الأقتصاد الفخرى بجامعة ولاية أوهايو وجامعة النيل ورئيس مجلس أمناء منتدى البحوث الأقتصاديه
=========
فى أوائل الثمانينات ( 1981) وكنت وصلت قبلها بسنة واحدة لدراسة الدكتوراه فى جامعة جنوب ألينوى قمت بزيارة الى جامعة جنوب كاليفورنيا (أثناء حضورى مؤتمر لمنظمة أقتصاديين غرب أمريكا ) و التى كان يدرس بها حينذاك زميلى وصديقى العزيز من جامعة الأسكندرية الأستاذ الدكتور محمد على أحمد أستاذ الأحصاء المتفرغ الأن ( أمد الله فى عمره ومتعه بالصحة والعافية).
وكان حديثنا أنذاك لا ينقطع عن أستاذ الأقتصاد المشهور ( أرثرلافر) الذى كان وما زال يدرس بالجامعة هناك .والذى ذاع صيته فى تلك الأيام بما عرف بعد ذلك ب(لافر كيرف) و الذى كان الأساس الذى بنى عليه جورج شولتز وزير مالية ( خزانة ) رونالد ريجان أنذاك ما عرف بالريجانوميكس أو سياسة الثمار المتساقطه ( Trickle-Down Economics).
وهى التي اعتمد عليها الرئيس ريجان في تخفيض الضرائب على أساس أن تخفيض الضرائب يؤدى الى تحفيز النمو الاقتصادي عبر زيادة الاستثمار والإنتاج. حيث يوضح ( لافر ) أن تخفيض الضرائب على الأفراد والشركات سيؤدي إلى فوائد اقتصادية تنتقل تدريجيًا أو ” تتساقط ” إلى (باقي المجتمع. وفقًا لهذه النظرية) .
تخفيض الضرائب يشجع الإستثمار
بمعنى أن تخفيض الضرائب يؤدي إلى زيادة الدخل المتاح للشركات والأفراد، مما يشجعهم على الاستثمار والإنتاج. وزيادة الاستثمار تؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة وزيادة النشاط الاقتصادي. ومن ثم تحفيز النمو الاقتصادي الذي يتمثل في ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي وتحسين مستويات المعيشة.
ولقد تم تطبيق هذه السياسة في عهد ريجان عن طريق قانون الانتعاش الاقتصادي لعام 1981: الذى خفض معدل ضريبة الدخل (الشريحة العليا من 70% إلى 50%. , كما خفض معدل ضريبة الدخل الأدنى من 14% إلى 11 %.
وهكذا ساهم مستشارو ريجان الأقتصاديين فى خلق حالة أنتعاش فى الأقتصاد الأمريكى أدت الى أنتخابه مرة أخرى وباكتساح أمام منافسه الديموقراطى ( والتر موندال ) فى 1984.
وبالنظر الى أسماء هؤلاء أمثال ميلتون فريدمان أحد أبرز الاقتصاديين في القرن العشرين، والذى انضم إلى المجلس الاستشاري للسياسة الاقتصادية للرئيس فى 1981وركزت أفكاره على تقليل تدخل الحكومة في الاقتصاد. كذلك مارتن أندرسون والذى ساهم في تصميم السياسات الاقتصادية التي ركزت على تقليل الضرائب وتقليص دور الحكومة في الاقتصاد منفذا بذلك كل نظريات فريدمان .
فريق ريجان الذكي
ثم دافيد ستوكمان مدير مكتب الإدارة والميزانية خلال فترة ريجان الأولى، وكان مسؤولاً عن تنفيذ سياسات التقشف وخفض الإنفاق الحكومي بالأضافة الى المايسترو جورج شولتز المستشار الأقتصادى الرئيسي الذى ساعد في صياغة السياسات الاقتصادية التي هدفت إلى السيطرة على التضخم وتحفيز النمو الأقتصادى والذى أقتنع بنظرية لافر حين رسم له الأخير شكل كارتونى من المنحنى الذى سمى على أسمه فيما بعد على ورقة منديل ( سفرة) فى أحد مطاعم لوس أنجلوس.
والجدير بالذكر أن هذه السياسات ساهمت فى تخفيض التضخم وخلق فرص عمل جديدة، وخلق حالة رواج أستمرت الى فترة طويله جدا ,وان كان هناك من يعزى زيادة العجز الفيدرالي والدين الوطني لأول مرة إلى تريليون دولارفى عهد ريجان نتيجة لزيادة الأنفاق العسكرى الى حد كبير جدا فى ذلك الوقت حتى يعجز الاتحاد السوفيتى عن مجاراته و يسقط كمنافس عالمى و يتحطم حائط برلين
كما عاب سياسات ريجان ايضا انها عمقت عدم العدالة فى التوزيع .
بيتر نافارو وسياساته
هذه مقدمة طويلة نسبيا لكنها مهمة لمعرفة أن المستشار الأقتصادى للرئيس ترامب الأن وهو يعد المسئول الأول عن سياساته الأقتصادية الخاطئة والتى توقعت منذ فترة بعيدة أنها ستكون ذات تأثيرات سلبية على أمريكا أولا وعلى العالم أجمع هو ( بيتر نافارو ) هو على العكس تمام من مستشاروا ريجان ( المثل الأعلى للرئيس ترامب) .
ولعل قراءة للسجل الخاص بالسيد نافاروا المولود فى 15 يوليو ،1949 تجعلنا لا نتعجب مما يحدث الأن. فهو يتبنى السياسات الحمائية ويدعو إلى فرض تعريفات جمركية مرتفعة لتعزيز الصناعة المحلية وتقليل العجز التجاري كما أنه يقوم بأنتقاد أتفاقيات التجارة الحرة التى عقدتها أمريكا مع كندا و المكسيك .
الغريب أن هذه الأفكار تتعارض تماما مع الأجماع الأقتصادي السائد حول فوائد التجارة الحرة خاصة وسط أقتصاديين الحزب الجمهورى المعروف بألتزامه التام بأساسيات النظام الراسمالى الحر ومن أهمها حرية التجارة. السيد نافارو يعتبر أن هذه الأتفاقيات تضربالأقتصاد الأمريكي وتفقده الوظائف TPPو NAFTA ولهذا يعتبر كثير من المتابعين للذى يحدث الأن أن فكر نافارو الأقتصادى خارج عن التيار العام والأجماع العلمي بين الأقتصاديين، حيث يصفها خبراء بأنها “متطرفة” وغير مدعومة بأبحاث علمية منشورة .
كما أنه ينتقد بما سمى “محدودية الفهم العلمي ” حيث أنه رغم خلفيته الأكاديمبة لم ينشر أية أبحاث في مجلات علمية مرموقة وهناك أنتقاد بعدم ارتباط أفكاره بمحتوى دراسته الأكاديمية في الأقتصاد . هذا بالأضافة الى كثير من الصفات الشخصية التى يصفها البعض بالأنتهازية السياسية.
السيد نافارو كان ينتمى الى الحزب الديموقراطى حتى عام 2008 وحاول الدخول الى حلبة السياسة عن طريق خوضه خمسة أنتخابات على مستوى ولاية كاليفورنيا و لم ينجح فى أى منها. ولعله أراد الدخول مرة أخرى الى السياسة عن طريق السيد ترامب الذى يلتقى معه فى عدد من الصفات الشخصية أيضا.
بل تمادى السيد نافارو فى الدفاع عن ترامب بعد سقوط الأخير فى أنتخابات 2020 على أساس أن هناك تزوير و حين أراد الكونجرس أستجوابه فى هذا الشأن لم يستجب لطلبات الحضور المتكررة مما أعتبرة الكونجرس أذدراء بالجهاز التشريعى والرقابى ومن ثم تم الحكم علية بالسجن أربعة شهور, خرج منها كبطل مغوار فى نظر السيد ترامب وفريقه الذى يعتبره مكافح و مقاوم للحيل السياسية التى يقوم بها الديمقراطيون. ومن هنا يكمن سر نافاروا وتأثيره المرعب علي ترامب .
وهكذا وبرغم تأثيره الكبير على سياسة ترامب االقتصادية، تبقى رؤيته مثيرة للجدل بسبب تناقضها مع المبادئ الأقتصادية البسيطة و التقليدية .وتأثيراتها السلبية على الأقتصاد الأمريكى فبينما يركز نافارو على السياسات الحمائية قصيرة الأمد، يركز معظم سابقيه على الأمد الطويل الذى تضمن فيه حرية الحركه و تنقل السلع والخمات ورؤوس الأموال اذدياد الكفاءة و أرتفاع مستوى نمو الناتج المحلى .
ودعنى أنهى هذه المقالة بما ذكرته فى مقال صحفى سابق تم نشره يوم الجمعة الموافق 21/3/2025 وتحت عنوان : الأثار الاقتصادية العالمية لسياسات ترامب التجارية: على من تطلق الرصاص؟
“وهكذا تكون الأجراءات الترامبية فى هذه الحالة خروجا كبيرا عن سياسات الحزب الجمهورى الذى ينادى دائما بحرية التجارة كما أنها تمثل خروجا عن خط العولمة الذى قادتة أمريكا ولعقودا طويلة. ولكن الأهم هو أن هذه السياسات قصيرة النظر حيث يمكنها أن تولد مكاسب فى الفترة القصيرة متمثلة فى زيادة أيرادات الحكومة الفيدرالية لكن وبلا شك تكاليفها أكثر بكثير فى الأجل المتوسط و الطويل.
هذه السياسات ( أن لم يتراجع عنها ترامب) ستساهم فى تخفيض معدل النمو الاقتصادي فى أمريكا وخارجها كما سترفع و تزيد من الأسعار المستهلك الأمريكى و الغير أمريكى ، وكما ستسبب فى فقدان الوظائف في قطاعات كبيرة داخل وخارج أمريكا . الركود التضخمى الأمريكى القادم سيكون سببا فى موجة أخرى من الركود العالمى.. ويكون ترامب فى هذه الحالة ممثلا جيدا “للكاوبوى” الذى يطلق النار على ساقيه و على أقدام من حوله .”