“شيطنة” أمريكية ظالمة لـ”المعاطف البيضاء”!
كمال جاب الله
“تسييس وشيطنة” واشنطن لقوافل المساعدات الطبية الكوبية بأكثر من 50 دولة، هي أحدث بدعة، تفتقت عنها قريحة الشر بالبيت الأبيض، بغية الإطاحة بنظام الجزيرة الكاريبية، بعد مرور 6 عقود من الحصار الظالم، وثبوت إفلاس كل الحيل والأساليب غير المشروعة، التي اتبعتها – وتتبعها – الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
في مقال كتبته أوائل شهر فبراير الماضي بعنوان “كوبا تستغيث من بطش وتنكيل الترامبية”، ذكرت أن هافانا قررت ألا تستسلم لهجمات “جار السوء” الإمبريالي التوسعي، حتى ولو وصلت الممارسات إلى حد ارتكاب جريمة إبادة جماعية، تجاه شعب أعزل، يسعى لعلاقات متحضرة، قائمة على المساواة في السيادة والاحترام.
وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، أحد رموز الجالية الكوبية المتطرفة، المقيمة بولاية فلوريدا، لم يتردد – منذ تكليفه بالمنصب – في وضع أجندته الانتقامية المناهضة – بشدة – لنظام هافانا، وأصدر قرارًا – مريبًا ومثيرًا للجدل – بتعليق تأشيرات دخول الولايات المتحدة للمسؤولين المرتبطين باتفاقيات تعاون طبي دولي مع كوبا.
تسري قيود التأشيرة – بطبيعة الحال – على المسئولين الكوبيين، الحاليين والسابقين، وأعضاء البعثات الطبية الكوبية، إضافة للمسئولين الأجانب وعائلاتهم، بدعوى مسئوليتهم ومشاركتهم، فيما تعتبره واشنطن “برنامج تصدير العمالة الكوبية”.
كوبا ليست الدولة الوحيدة في العالم، المتمتعة بفوائض من العمالة والخبرات المدربة، وتحديدًا في المجالات الطبية والتعليمية، التي يجري الاستعانة بها في دول أخرى محتاجة، بما يعود بالمنفعة المشتركة على الطرفين، وبالذات بالدول النامية.
مصر تعد واحدة من الدول، التي تتوافر لديها أيدٍ عاملة مدربة وفائضة، وترتبط باتفاقيات تعاون مع مختلف العواصم، والعربية تحديدًا، لإعارة ملايين الخبرات، وتشير الإحصائيات إلى أن إجمالي التحويلات بلغ نحو 30 مليار دولار عام 2024، فيما وصل – أيضًا – إلى 20 مليارًا في الشهور السبعة الأولى من العام المالي الحالي.
تعليقًا على قرار الوزير روبيو، يقول الرئيس الكوبي ميجيل ديازكانيل: “ما الذي يزعج الحكومة الأمريكية بشأن الفرق والقوافل والألوية الطبية الكوبية؟ إن هافانا تتصدر بجيوش المعاطف البيضاء، في حين تتدخل واشنطن بقواتها العسكرية!!”.
هافانا تؤكد أن عمل الفرق الطبية الكوبية يكتسب أرضية جديدة حول العالم، بتقديم خدمات إنسانية وصحية ممتازة، وإنقاذ الأرواح، بالرغم من الإجراءات التعسفية – ذات الدوافع السياسية – التي تتخذها الولايات المتحدة، استنادًا إلى الذرائع الكاذبة.
أيضًا، تؤكد هافانا أن المساهمة التضامنية والإنسانية لآلاف الكوبيين العاملين بمجال الصحة، الذين يقدمون خدماتهم في أكثر من 50 دولة، بتضحية وتعاطف كبيرين مع عائلاتهم، تستحق الاعتراف، وعدم التشكيك بجدواها، لدوافع سياسية.
بشهادة المجتمع الدولي، تتوافق البرامج الطبية الكوبية حول العالم مع نظم وقواعد الأمم المتحدة، للتعاون فيما بين دول الجنوب، حيث تساهم دولة مثل كوبا بمواردها البشرية، وتعوض دولًا أخرى عن نقص تلك الموارد، بما يعود بالمنفعة المتبادلة.
من المؤكد أن الاستهداف الأمريكي لبرنامج التعاون الطبي الكوبي يكمن في حرمان شعبها من مصدر مهم للدخل القومي – نتيجة لتوفير الخدمات الطبية والصحية لآخرين – وبالتالي، زيادة الركود الاقتصادي، والتسبب في نقص السلع والخدمات الأساسية، مما سيؤدي – حتمًا – لانتفاضة شعبية ضد النظام الحاكم بالجزيرة الكاريبية.
برامج التعاون الطبي الدولي في كوبا لا تحتوي على أي من الخصائص التي تشير إلى استغلال البشر أو الاتجار بهم، وجميع الموفدين الصحيين الكوبيين يقدمون خدماتهم بحرية وطواعية في أنحاء العالم، بدون أي نوع من الإكراه، وبناء على اتفاقيات تعاون ثنائية، موقعة مع وزارات الصحة المعنية في 56 دولة وإقليم.
الحكومة الكوبية تؤكد أنها لا تصدر الأطباء، بل تصدر الخدمات الصحية، وجميع المتعاونين الكوبيين مع البرنامج الطبي العالمي ليسوا عاطلين عن العمل ولا يتطلعون للحصول على وظيفة، بل يتمتعون بالاحتفاظ بوظائفهم الأصلية في كوبا، طوال مدة انتدابهم للخدمة بالخارج، ويجري تخصيص الدخل الذي تحصل عليه الدولة – نتيجة للتعاقدات المبرمة مع الدول – في تمويل واستدامة نظام صحي مجاني.
يعمل الأطباء الكوبيون عمومًا في أماكن نائية، يصعب الوصول إليها في الدول الموفدين إليها، ويجري الاتفاق مع السلطات المحلية لتوفير ظروف معيشية لائقة، وفقًا لظروف كل دولة مستقبلة، وبحيث تكون السلامة والأمن على أفضل ما يمكن.
تبقى الإشارة إلى أن كوبا كرست – منذ عقود – جهودًا وموارد هائلة لقطاع الصحة وتدريب المهنيين ذوي المؤهلات العالية، بما مكنها من الوصول إلى أعلى نسب أطباء مقارنة بعدد السكان على مستوى العالم، وتجود بالفائض من المعاطف البيضاء..
هكذا، وبدلًا من الإشادة بما حققه التعاون الطبي الكوبي العالمي، يجري التنمر على الجزيرة الكاريبية، وتوجه إليها أصابع الاتهام الأمريكية، لدوافع سياسية ظالمة.
kgaballa@ahram.org.eg