رجل الأعمال الكبير محمد فريد خميس نشر اليوم مقالة علي صفحات الأهرام ، تحت عنوان وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ..
محمد فريد لا يدعو لنفسه ، بل يدعو لكل المصريين أن يزيدهم الله علما فوق علم ، فالعلم وحده طريق النهضة والتقدم وتحقيق المعجزات ..
الدلالة واضحة في كل سطر من سطور المقالة :
وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا
محمد فريد خميس
كل شىء فى هذا الوجود، إذا زاد، قل ثمنه، إلا العلم، إذا زاد، زاد ثمنه، والعلم يحرس صاحبَه، فيما المال يحرسُه صاحبُه، والعاقل حقاً هو من لا يشبع من العلم، بل تراه دوماً يطلب الاستزادة منه (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا)، ولم يكن عجبًا أن يجمع أحد الملوك أبناءه، ليقول لهم: يا بَنى عليكم بالعلم، فإن افتقرتم كان لكم مالاً، وإن اغتنيتم كان لكم كمالاً. والقرآن الكريم الذى نتعبد بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار كتابُ هداية يُعلى قيمة العلم، ويدعو إلى التأمل والتفكر والبحث ويؤكد على الحقيقة الثابتة (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) .
وقد علمنا نبينا صلي الله عليه وسلم أن العلماء ورثة الأنبياء وأن الأنبياء لم يورِثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا العلم، وأن فضل العالم على العابد، كفضل القمر ليلةَ البدر على سائر الكواكب .
ولقد سألتُ نفسي كثيراً :كيف تتقدم الأمم؟ كيف ُتصنع الحضارات؟ كيف أذهل أجدادنا المصريون العالم كله بإبداعاتهم التى تزيد مع الزمان قيمةً ومكانة؟ كيف أقاموا أهرامات شامخات؟ كيف كانت حجرات الملوك نموذجاً للروعة والنبوغ، ففيها لا تفسد الأشياء، ولا تصدأ، بل يزداد نضوجها وبريقها ..
كيف بقى التحنيط سراً علميًا عظيماً، لم يعرفه غيرهم؟ كيف كانت عبقرياتهم فى الصناعة والزراعة والرسم والفنون، وفي شتي المجالات؟
الإجابة القطعية علي كل تلك الأسئلة: بالعلم والمعرفة، والبحث والتجربة.
إن العلم هو إكسير التقدم، وكلمة السر فى رخاء البلاد، ورفاهية العباد، فبالعلم يقوى الاقتصاد، وتنتعش السياسة، وتُحل المشكلات، وتزول العقبات، ويصبح الوطن أكثر قدرة على إسعاد أبنائه، والارتقاء بمستواهم، فلا فقر، ولا عوز، ولا ذلة ولا مسكنة .
سألتُ صانع نهضة ماليزيا، مهاتير محمد، بنفسى، لما زار مصانعى بالعاشر من رمضان، منذُ سنين: كيف استطعتَ أن تنتشلَ ماليزيا من قبضة الضياع، وتحيلَها من فقرٍ مدقعٍ، ومرتعٍ للفوضي، وأحياناً للرذيلة والفساد، إلى هذه الصورة الحضارية شديدة الروعة؟ فأجابنى قائلاً: رغم قسوة سؤالك وشدة كلامك، وهو حقيقةٌ لا شك، فإننى أجيبُك بكلمةٍ واحدة (العلماء) بحثنا عن علمائنا فى كل مكان، وأعدناهم إلى أرضهم بأغلي الأثمان، فبلدهم أولي بعلمهم وأبحاثهم، وبدأنا التطوير والتحديث، وأنفقنا ما لدينا علي التعليم المتميز، وكان لزاماً أن نتوقف، وفى المقابل، عن أية أعمال قد تعطل مسيرة العلم، حتى لو كانت تمس احتياجات الناس الرئيسية، كالصحة والطرق وخلافه، فقد صبرتم طويلاً علي غيابها، فلِمَ لا تصبرون قليلاً، حتي نتمكن من أسباب المعرفة، ونعيد البناء؟ فلما استقرت أحوالنا بالعلم، نضخ هذا العلم نفسه، على شتى مناحى الحياة، فأصلحها وجملها .
وهكذا استطاعت ماليزيا، خلال سنوات معدودة، أن تتحول من دولة متخلفة يعيش أغلب سكانها في الغابات، حياة بدائية، إلي دولة حديثة ذات بنية تحتية راسخة واقتصاد قوي وتعليم متطور .
جاء ذلك بالعمل الجاد المتواصل، وبتغيير عقلية الإنسان، وإعادة بناء شخصيته، وتطوير مستواه العلمي والمعرفي، وزرع قيم المواطنة في نفسه .
وما النمور الآسيوية الأربعة (هونج كونج وتايوان وسنغافورة وكوريا الجنوبية) عنا ببعيدة، وهي من الدول الأكثر ربحية، والأكثر إنتاجية، في العالم كله. وقد صعد نجمهم على الساحة الدولية، لأول مرة، خلال سنوات الازدهار في أوائل النصف الثاني من القرن الماضي، ففي وقت مبكر من الستينيات، كان الاقتصاد العالمي قد بدا في التعافي، من آثار الصدمات الناتجة عن الحرب العالمية الثانية، والحرب الكورية .
وأسهمت حالة السلام المؤقت، في تلك الفترة، في فتح المجال، أمام تقدم كبير في مجال الطيران والاتصالات، ومن ثم فتح الحدود في جميع أنحاء العالم، بشكلٍ تدريجي، وهو ما حاولت النمور الأربعةُ الاستفادة منه، بأقصى قدرٍ ممكن، وقد كان، فقامت هذه البلاد بإنشاء الموانئ والمطارات، ومكنت سكانها من الحصول على مستويات عالية من التعليم، فضلاً عن الاستثمار بكثافة في بنيتها التحتية، التي دمرها الاستعمار البريطاني في هونج كونج وسنغافورة، والصيني في تايوان، والأمريكي في كوريا الجنوبية.
لقد قطعت مصر شوطاً عظيماً فى الإصلاح الاقتصادى، وبدأت بشائر الخير فى الظهور، وتحسنت المؤشرات جميعها، وأتصور أننا قادرون على صناعة المزيد من النجاحات لو أخذنا بالمزيد من أسباب العلم والمعرفة والبحث العلمى المتقدم، واستعنا بنتاج خبرات، وخلاصة أفكار العلماء والباحثين فى الجامعات والمراكز البحثية، ودعمناهم، ووقفنا إلى جوارهم، فمصر أرض الحضارة الضاربة في قلب التاريخ، وطن العلم والمعرفة والنور والفن والثقافة والفكر، وهكذا يحب أن تعود ..
إنه حديث العلم يا سادة، حديث الإرادة والتحدى، حديث الباحثين عن مستقبل أكثر إشراقاً، يجود بالخير الوفير والظل الظليل، حديث يحمل آمالاً للأجيال القادمة، فبالعلم والمال يبنى الناسُ ملكَهم.. لم يبنَ ملكُ على جهلٍ وإقلال.