إقرأ مقالة عبد الرحمن الراشد : مكة ستتغير الي الأبد
المملكة بصدد تطبيق تغييرات هيكلية واسعة على أنظمة مقدمي خدمة الحجيج
تعتزم المملكة العربية السعودية إجراء تغييرات هيكلية على لوائح وأنظمة نظام مقدمي خدمة حجاج الخارج، وذلك في أعقاب موافقة مجلس الوزراء الشهر الماضي على اللائحة الجديدة، التي تهدف إلى رفع كفاءة العاملين في مجال خدمة ضيوف الرحمن، وإعادة هيكلة شركات أرباب الطوائف؛ للتحول من مؤسسات أفراد إلى شركات، وذلك من خلال رسملتها وحوكمتها، وتصنيف الخدمات التي تقدمها نوعاً وكماً.
ومن المُقرر أن تصدر في الأيام المقبلة الموافقات السامية على إلغاء عدد من الأنظمة الخاصة بخدمة الحجاج عقب مضي ما يقارب 85 سنة من تاريخ صدورها، مثل نظام المطوفين الذي صدر عام الصادر عام 1367هـ الموافق 1948م، وكذلك نظام وكلاء المطوفين ومشايخ الجاوة الصادر عام 1367هـ، ونظام هيئة الأدلاء بالمدينة المنورة الصادر عام 1356هـ الموافق 1937م، إضافة إلى إلغاء قواعد تأديب أفراد طوائف المطوفين والوكلاء والأدلة والزمازمة الصادر عام 1400هـ الموافق 1980م.
وجاء صدور قرار مجلس الوزراء الموقر بالموافقة على نظام مقدمي خدمات حجاج الخارج ليجسد حرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – يحفظه الله، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان على كل ما من شأنه الارتقاء بالخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، من خلال تطبيق مبدأ التحول المؤسسي، وإعادة هيكلة مؤسسات أرباب الطوائف، وبما يتناسب مع التغييرات الاقتصادية العالمية، وتفعيل دور الشراكة مع القطاع الخاص لتحسين جودة الخدمات، والعمل على توسيع قاعدة المشاركة، واستقطاب الكفاءات من المواطنين الراغبين في العمل.
ويشهد قطاع الحج والعمرة بالمملكة تطورات غير مسبوقة، من خلال اعتماد التقنية لتطوير الأداء، وتكريس الشفافية، وتطبيق معايير الجودة، ومقاييس الأداء، لرفع مستوى الجاهزية وزيادة الطاقة الاستيعابية، وتعزيز الكفاءة التشغيلية، وزيادة التنسيق بين منظومة الحج والعمرة، بما يسهم في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030.
وأصدرت السلطات العليا بالمملكة توجيهات باستمرار العمل في القرارات والأوامر المتعلقة بآليات تحديد المقابل المالي واستحصاله إلى حين صدور التصنيف النوعي والكمي للخدمات، وآليات تسعيرها من وزارة الحج والعمرة.
كما أصدرت توجيهات لوزارة الحج والعمرة بالتنسيق مع وزارة الداخلية ورئاسة أمن الدولة فيما يتعلق بالجوانب الأمنية والإجراءات المنصوص عليها في نظام مقدمي خدمة حجاج الخارج، وإعداد نموذج نظام أساس لشركات أرباب الطوائف وشركات تقديم الخدمة، وذلك خلال ثلاثة أشهر من تاريخ الموافقة على النظام بالتنسيق مع وزارة التجارة والاستثمار، وإعداد التصنيف النوعي والكمي للخدمات التي تقدمها شركات تقديم الخدمة للحجاج القادمين من خارج المملكة وآليات تسعيرها، خلال 120 يوما من نفاذ النظام، ومتابعة تطبيق الأحكام الواردة في النظام، وإعداد تقرير سنوي حيال ما يظهر من معوقات في شأن تطبيقه، ورفعه إلى المقام السامي، لاتخاذ ما يلزم بشأنه، إضافة إلى إعداد تقرير شامل ومفصل في نهاية السنة الثالثة من نفاذ النظام، يتضمن ما تراه وزارة الحج والعمرة من مقترحات حيال ما تضمنه النظام من أحكام، متضمنا تقييما لآليات تسعير الخدمات المقدمة للحجاج.
مقالة عبد الرحمن الراشد
القليل قيل عن برنامج اسمه «خدمة ضيوف الرحمن»، واحد من أكثر أفكار «رؤية المملكة 2030» الذي سيثير اهتمام العالم وإعجابه، ويهدف إلى إحداث نقلة نوعية جديدة في خدمات الحج والعمرة. دشنه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسيبدأ العمل به فوراً ويستكمل تدريجياً على مدى سنوات الخطة. هدفه ثلاثون مليون معتمر، وخمسة ملايين حاج في العام، رقم هائل جداً، مقارنة بالتسعة ملايين من حجاج ومعتمرين حالياً، وكذلك مقارنة بالقدرات المتاحة اليوم المحدودة نسبياً. عند استكماله ستكون مكة في حالة حج شبه يومية وعلى مدار العام. هذا المشروع سيكون أكبر تحدٍ للمخططين والمنفذين في السعودية، 35 مليون زائر لمكة المكرمة يعتبر أكبر رقم تستضيفه عن أي مدينة أخرى في العالم. هونغ كونغ يزورها سنوياً عشرون مليون زائر، معظمهم من داخل الصين نفسها. لندن 19 مليوناً، باريس 17 مليوناً، دبي 15 مليوناً، نيويورك 13 مليوناً. والتحدي في مكة أكبر من بقية مدن العالم في إدارة الخمسة وثلاثين مليون مسلم الذين سيفدون من أنحاء العالم، فمعظمهم أكبر سناً، وأقل دخلاً، ويتحدثون لغة بلدانهم، وجميعهم سيؤدون المشاعر في الأماكن المقدسة ذاتها.
وقد شكلت هيئة ملكية لمدينة مكة والمشاعر المقدسة، يرأس مجلسها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، صاحب مشروع الرؤية الذي أخذ على عاتقه تغيير السعودية لتكون واحدة من أكثر الدول تطوراً، ويخرج أجود ما فيها للعالم.
الهيئة الملكية عقدت اجتماعاً جديداً هذا الأسبوع وأقرت توجهات الخطة ليبدأ إعداد تفاصيلها الاستراتيجية. وفي إطار الحديث عن إعادة ترتيب العاصمة المقدسة أعتقد أن على المخططين الجدد الخروج من منطق البناء القديم الذي يعتبر وسط المدينة، حيث المسجد الحرام، المبنى العملاق، هو كل مكة! أصبح الوسط غابة خرسانية وأغلى بقعة في العالم، ومكلفاً على المطورين، ومزدحماً بحيث لم يعد سهلاً خدمته ولا ضمان سلامته ومن فيه. الحل هو في البناء خارج الوسط، ونقل الزائرين بالقطارات السريعة الكهربائية. فقبل بضعة أشهر بدأت الشبكة، حيث ستستطيع نقل ستين مليون راكب في العام، واختصرت الزمن كثيراً، من مطار جدة إلى مكة في نصف ساعة، وإلى المدينة المنورة في ساعتين. برهنت على فعاليتها، ومن المتوقع أن توسع الشبكة، وأن ينفذ قطار الأنفاق داخل مكة ذات التضاريس الجبلية الوعرة، ليوجه نمو المدينة إلى خارج الوسط، باتجاه جدة والطائف عملياً.
نتوقع أن يتم تطوير خدمات مكة ومرافقها، لتكون مدينة مريحة لهذا العدد الهائل من البشر الذين سيملأونها طوال العام، وليس أسبوعين في السنة كما هو الحال عليه اليوم، وتحديثها لتعمل وفق مفهوم جودة الحياة الذي هو من برامج «الرؤية». مكة وخدمة ضيوفها يعتبرها السعوديون مصدر فخر وستكون علامة بارزة أن تحقق مشروع الـ35 مليون زائر، الموعود. والموعود أكثر من ذلك من حيث إصلاح القوانين، وتسهيل الحصول على التأشيرات، والسفر، والخدمات، وتحويل الذهاب إلى مكة من مهمة شاقة نتيجة الزحام ونقص الخدمات إلى تجربة تليق بالمكان والزمان والطموحات الجديدة.