إختفي مشروع المليون ونصف مليون فدان تماما من ساحة الإهتمام العام . فص ملح وداب . وكأنه كان خيالا ومضي . أو سرابا . أو كيانا إفتراضيا … عاطر حنورة الذي تسلم إدارة المشروع إختفي أيضا . لا يدلي بتصريح . ولا يوضح تطورات ماجري . ولا يذكر إجابية واحدة منذ أن تسلم الإدارة .. أقول ذلك بمناسبة المقالة الرفيعة التي نشرها اليوم الدكتور أشرف كمال عباس عن دروس في التنمية الزراعية .. الطريف أن الدكتور أشرف هو أحد خبراء مركز البحوث الزراعية .. أي إنه غارق حتي أذنية في كل مايتعلق بالتنمية الزراعية .. تجاهل الدكتور أشرف لواحد من أهم المشروعات القومية ، يعني أن المشروع لم يعد في حسبان أحد ..
لنقرأ ماكتبه الخبير ونتأمل وجهة نظرة
التنمية الزراعية.. دروس التاريخ وآفاق المستقبل د.أشرف كمال عباس
إن مصر هى مهد الزراعة فى العالم طبقاً للثوابت المعروفة فى التاريخ، ولم يتم الإشارة إلى أى موقع آخر كبداية للنشاط الزراعى فى ظل جميع الحضارات القديمة إلا فى مصر وذلك بدءاً من العصور التى عرفت بحقبة ما قبل التاريخ التى عاش فيها الإنسان فى مراحله البدائية، أما عن الزراعة فى إطار التنظيم الذى تقوم به الدولة فلا شك أن الحضارة الفرعونية تمثل بداية ظهور الدولة المحورية والمركزية فى التاريخ الإنسانى من خلال عمليات تنظيم الزراعة والرى قبل أن تنشأ فى الأصل أى دولة عرفها العالم.
وتكمن الإشكالية الرئيسية فى أنه على مر التاريخ القديم أو الوسيط أو حتى فى التاريخ الحديث، فإن الزراعة المصرية كانت تحقق فائضاً لكن تحول وضعها إلى زراعة لا تكفى الاحتياجات المحلية، ومما يزيد من غرابة الأمر أن ذلك لا يرجع إلى تدنى الإنتاجيات بل إنه توجد شواهد مؤكدة تشير إلى ارتفاع الإنتاجيات خلال العقود الأخيرة.
وتواجه تنمية القطاع الزراعى المصرى إشكالية مركبة تتمثل فى أن الموردين الطبيعيين الرئيسيين للإنتاج الزراعى وهما الأرض والمياه هما موردان رقيقان بطبيعتهما ويزداد عبء العوامل الضاغطة على محدوديتهما بمرور الوقت وبشكل متسارع وعميق خلال المرحلة الراهنة. وعلى الرغم من طبيعة المحددات التى تحيط بتنمية القطاع الزراعى فإن نصف الكوب ليس هو النصف الفارغ فقط فهناك نصف مملوء للكوب وتوجد عدة محاور رئيسية لتحقيق التنمية الزراعية فى مصر:
أولاً: الاستمرار فى محور زيادة الإنتاجية: ويمثل هذا المحور البعد الرئيسى الذى تحقق فيه الكثير من الإنجازات فى مصر خلال العقود الماضية على النطاق البحثى من خلال الدور المتميز لمؤسسات البحث العلمى الزراعى وكليات الزراعة بالجامعات المصرية خاصة مركز البحوث الزراعية الذى يمثل أكبر صرح علمى زراعى فى الشرق الأوسط فى استنباط الأصناف عالية الإنتاجية وتحسين المعاملات الزراعية، ولقد تضاعفت إنتاجية العديد من المحاصيل تقريباً منذ الثمانينيات حتى الآن وأهمها القمح والذرة الشامية والأرز الذى تحتل فيه مصر المرتبة الأولى فى إنتاجه عالمياً لعدة سنوات، كما تحتل مصر المرتبة الأولى عالمياً فى إنتاج قصب السكر ومع هذه الإنجازات البحثية الكبيرة التى تمت فإنه توجد خطوات عديدة للتطوير يتم إنجازها وهى التوجه نحو استنباط أصناف قصيرة المكث فى التربة وقليلة الاستهلاك للمياه وخاصة فى حالة المحاصيل عالية الاستهلاك للمياه بطبيعتها مثل: الأرز، مع العمل على رفع إنتاجية المحاصيل الزيتية خاصة مع وجود شواهد تدل على اتجاه أسعارها العالمية للارتفاع.
ثانياً: الإصلاح المؤسسى للزراعة المصرية: إن سياسات الإصلاح الاقتصادى للزراعة المصرية قد تمت خطواتها دون إحداث تطوير مؤسسى يواكبها، ويعتبر الخلل التشريعى جزءاً لا يتجزأ من ذلك الخلل المؤسسى فلم يتم تطوير تشريعات خاصة بالقطاع الزراعى منذ الثمانينيات ولكن حدثت صحوة تشريعية فى هذا السياق منذ عام 2014 وتم إصدار عدة قرارات جمهورية بقوانين تخص القطاع الزراعى منها قانون التكافل الزراعى، وقانون التأمين الصحى للفلاحين وعمال الزراعة، وتعديل بعض أحكام قانون التعاون الزراعى فى عام 2014، وفى عام 2015 صدر قانون تحديد وتنظيم تداول أقطان الإكثار، وقانون إنشاء مركز الزراعة التعاقدية، وفى عام 2016 صدر قانون إعادة هيكلة البنك الرئيسى للتنمية والائتمان الزراعى.
ثالثا ً: زيادة الاستثمارات الزراعية: ولقد أصبح هذا التوجه ضرورة ملحة سواء من جانب القطاع الخاص أو الحكومى خاصة إذا ما علمنا أن العديد من الدراسات أوضحت أن الاستثمار العام فى الزراعة يعتبر مكملاً للاستثمار الخاص بها وليس منافساً له بل على العكس فإنه يدفعه إلى الأمام ويحفزه وذلك فى ظل ارتفاع نسبة الاستثمارات المطلوبة فى مجال البنية الأساسية والتسويقية الزراعية وارتفاع نسبة التكاليف الثابتة فى النشاط الزراعى، ولقد شهدت الاستثمارات العامة فى الزراعة انخفاضاً بوجه عام، وانخفاضاً فى الإنفاق على البحوث الزراعية على الرغم من أنها كانت تعتبر الركيزة الأساسية للتنمية الرئيسية فى مصر خلال العقود الماضية طبقاً لمختلف المؤشرات، ولا يستطيع منصف أن ينكر زيادة الاستثمارات التى وجهتها الدولة للقطاع الزراعى فى العام الأخير ولكن الأمر يتطلب إعطاء القطاع الزراعى الأولوية المجتمعية اللائقة به طبقاً للأدوار المنوطة به.