الاقتصاد المصرى بعد الصندوق
عبد الفتاح الجبالى
طباعة المقال
بانتهاء المراجعة الخامسة والأخيرة بين خبراء صندوق النقد الدولى والحكومة المصرية، فى مايو الماضي، تكون مصر قد انتهت من تنفيذ الاتفاق مع الصندوق فى إطار تسهيل المساندة والذى استغرق تنفيذه الفترة (2016-2019) ومع انتهاء هذه المرحلة، بدأ الحديث يتزايد عن مستقبل العلاقة بين مصر وصندوق النقد الدولي، وبمعنى آخر ما هى طبيعة العلاقة المستقبلية بين الطرفين؟ وهل مصر فى حاجة إلى اتفاق جديد، يأخذ بعين الاعتبار طبيعة المهام التى لم تنجز أم أن الأمور ستعود إلى سابق العهد بها؟
قامت الحكومة المصرية، فى سياق هذه السياسة, بتنفيذ برنامج شامل للإصلاح الاقتصادى اعتمد على ثلاثة محاور أساسية أولها تثبيت أوضاع الاقتصاد، آى تخفيض العجز فى الموازنة العامة للدولة عن طريق إعادة النظر فى سياسات الإنفاق العام، وذلك بخفضه فى العديد من المجالات، خاصة الدعم السلعي، لذلك انخفضت نسبة المصروفات العامة للناتج من نحو 30% عام 2015/2016 الى 28% عام 2017/2018 ويتوقع ان يصل الى 27% عام 2018/2019 والى نحو 26% فى مشروع موازنة 2019/2020 .
وتعديل النظام الضريبى السائد عن طريق ادخال الضريبة على القيمة المضافة بدلا من ضريبة المبيعات وكذلك تطبيق الضرائب على العقارات المبنية وتعديل هيكل الجمارك، مع اتباع سياسة جديدة للاستثمار الحكومى تركز على الاستثمار فى البنية الأساسية من طرق وكبارى وتطوير العشوائيات والإسكان الاجتماعي.
مع التوسع فى تمويل المشروعات بنظام المشاركة مع القطاع الخاص ppp وتغيير قانون المناقصات والمزايدات لتقليص مدة طرح المشروعات والتعاقدات ووضع المعايير والآليات التى تضمن الحفاظ على المال العام وذلك لإبقاء الدين العام فى حدود يمكن تحملها على المدى المتوسط وتحسين مناخ الاستثمار (المحلى والأجنبي) بإصدار قانون جديد للاستثمار يتلافى الأخطاء السابقة وكذلك اصلاح الخلل فى الحساب الجارى لميزان المدفوعات عن طريق تعديل أسعار الصرف واعتماد سعر صرف مرن يكفل إلغاء التقييم المفرط للجنيه المصري، وذلك باعتبار أن سعر صرف العملة المصرية، مغالى فيه كثيراً، وهو ما يؤدى إلى ضياع القدرة التنافسية للاقتصاد القومي، ويشجع على المزيد من الاستيراد، وبالتالى تفاقم مشكلات الميزان التجاري.
وإعادة بناء الاحتياطيات الدولية، وإلغاء القيود على المعاملات الجارية، بغية توفير امان من الصدمات الخارجية وينطبق القول نفسه – طبقا لوجهة النظر هذه – على سعر الفائدة الذى يجب أن يعكس الندرة النسبية لرأس المال، والعمل على احتواء التضخم بتشديد السياسة النقدية، حيث يمكن تحفيز المدخرات وتشجيع الاستثمار المنتج ، وذلك من خلال أدوات السياسة النقدية والائتمانية والمالية، بهدف استعادة التوازن الاقتصادى على المستوى الكلى وثانيا إعادة التوازن الداخلى على المستوى الجزئى فى إطار سياسة الإصلاح الهيكلى مع البنك الدولى والتى تعتمد على إصلاحات هيكلية لدعم النمو الاحتوائى وتهدف إلى تحويل الاقتصاد وتتم عبر التأثير فى القرارات الخاصة بالإنتاج والتوزيع والتجارة وتحرير الأسعار، بحيث تترك فى معظمها لتحدد وفقا لآلية السوق دون تدخل.
وذلك بهدف تحسين تخصيص الموارد وتشجيع الاستثمارات الخاصة انطلاقا من فرضية أساسية مؤداها، أن الأسعار التى كانت سائدة آنذاك، تتسم بالجمود ولا تعكس التكلفة الحقيقية للسلع والخدمات. وفى هذا السياق تم رفع أسعار العديد من السلع والخدمات الحكومية مثل الكهرباء والمنتجات البترولية والمياه الخ وثالثا علاج الآثار السلبية لهذه السياسة، على الدخول الحقيقية للفئات الفقيرة، بتقوية شبكات الأمان الاجتماعى وتعزيز المؤسسات الأخرى للتخفيف من وطأة هذه الإجراءات على الفئات المتضررة من هذه السياسة. حيث تم التوسع فى برامج تكافل وكرامة والاسر المعيلة وغيرهم.
وبعد أن قطعت هذه السياسة شوطاً لا بأس به، معتمدا بشكل أساسى على السياسة النقدية والائتمانية والإدارة المالية وتحرير سعر الصرف. يصبح التساؤل هو ما هى النتائج المترتبة على الأوضاع الاقتصادية عموما؟ وعلى كل من النمو والبطالة وتوزيع الدخل على وجه الخصوص؟ هنا تشير المؤشرات الرسمية إلى أنها حققت نجاحات لا بأس بها، حيث ارتفع معدل النمو فى الناتج المحلى الحقيقى (بسعر السوق) حيث ارتفع من نحو2٫1% عام 2014/2015 الى 5٫3% عام 2017/2018 ويقدر بنحو 5٫6% عام 2018/2019 مع ملاحظة التغير الجوهرى فى نمط النمو حيث أصبح النمو يعتمد على الاستثمار الذى أسهم بنحو 2٫4% فى الناتج عام 2017/2018 مقابل نحو 1% للاستهلاك.
وهو تطور إيجابى بكل المقاييس حيث ظل الاستهلاك العائلى هو المساهم الأساسى والرئيسى فى النمو على مدى سنوات عديدة، ويساعد على ان يكون النمو متوازنا ومستداما خاصة وان القطاعات السلعية قد نمت بنحو 5٫6% مقابل 0٫9% خلال الفترة نفسها وكذلك انخفض العجز فى الموازنة العامة للدولة من 12٫3% عام 2015/2016 الى 9،8% عام 2017/2018 ومن المتوقع ان يصل الى 8،4% عام 2018/2019، وانخفض معدل التضخم لحدود اقل من 14%، وهبط معدل البطالة من 13% الى 8،1%وترجع عجز ميزان المعاملات الجارية من نحو 20 مليار دولار عام 2015/2016 الى اقل من 6 مليارات عام 2017/2018 ولذلك تحول العجز فى ميزان المدفوعات والذى بلغ 3 مليارات دولار الى فائض بنحو 13 مليارا خلال الفترة نفسها، وتراكم احتياطيات من النقد الأجنبى تصل إلى 45 مليار دولار فى نهاية ابريل 2019.
ورغم ما يمكن ان يؤخذ على هذه المؤشرات من انتقادات، فإنها تشير إلى تطورات هامة فى الاقتصاد المصري. وهو ما يدفعنا لطرح عدة تساؤلات أساسية أولها وأهمها هو مدى إمكانية الاستمرار فى هذه السياسة وفقا للآليات الحالية، فى ضوء التكلفة المجتمعية التى تحملها المجتمع المصرى لتحقيق هذه النتائج، خاصة فى ضوء العديد من الآثار السلبية الناجمة عنها سواء تعلق ذلك بمستويات الفقر او الدين العام وغيرهما؟ ولا شك إن الإجابة عن هذا التساؤل تحتاج إلى دراسة الأسباب والعوامل التى أدت لهذه النتائج، لمعرفة هل ترجع لظروف طارئة ومتغيرة، أم أنها ترجع لطبيعة السياسة الاقتصادية ذاتها؟ وما مدى تأثرها بالمتغيرات الجارية على الساحة العالمية؟
وهو ما سنحاول الإجابة عنه فى المقال القادم بإذن الله.