عبد الفتــــــــاح الجبــــــــــالى استكمالا لمناقشتنا لمشروع قانون المعاشات والتأمينات الاجتماعية نتناول قضية جوهرية مرتبطة بهذه المسألة،هى العلاقة التشابكية بين أموال التأمينات وكل من الخزانة العامة وبنك الاستثمار القومي، خاصة ما جاء بالمادة 111 من القانون, إذ إن أى محاولة علمية لتقييم سياسات إصلاح النظام للوقوف على أفضل توليفة ممكنة من السياسات التى تجعله النظام أكثر كفاءة وعدالة وقدرة على الاستمرارية دون توليد اى ضغوط على المجتمع ككل او على الاقتصاد المصرى على وجه الخصوص، يجب ان تأخذ بالحسبان ثلاثة امور أساسية هى طريقة تحديد قيمة المعاش وأسلوب التمويل، وكيفية إدارة الاحتياطيات. ويقوم النظام القائم حاليا أساسا على فكرة التوازن بين الاشتراكات وما يتولد عنها من عوائد نتيجة للاستثمار، وبين ما يستحق من معاشات وذلك وفقا لحسابات اكتوارية وهو ما يعرف بنظام التمويل الكامل، ويتطلب تكوين احتياطيات مالية يتم استثمارها ليتسنى الاستمرار فى صرف المعاشات، وبالتالى فإن الفكرة الأساسية هى أن يعتمد النظام على ذاته بالكامل.
وقد تعرض هذا النظام للعديد من المتغيرات الجوهرية وأصبح بوضعه الحالى غير قادر على تمويل المزايا الممنوحة، بالإضافة إلى تنامى العجز السنوى لصناديق التأمينات وتزايد الالتزامات عليها، فطوال هذه الفترة لم تتمكن صناديق التأمينات من الاستفادة بعوائد استثمار أموالها لدى الخزانة العامة وبنك الاستثمار القومي، وبالتالى عجزت عن توفير التمويل اللازم لسداد الفجوة بين الاشتراكات والالتزامات المستحقة عليها، خاصة مع التزايد المستمر فى الثانية وازدياد الفجوة بينهما، الأمر الذى ادى الى تدخل الخزانة العامة لتغطيتها.
لأنه فى ظل أحكام القانون الحالى يتحمل صندوقا التأمينات الاجتماعية بالمعاشات وجميع المزايا التأمينية الأخرى التى يقررها القانون، وذلك فى ضوء الاشتراكات التى يدفعها المؤمن عليهم وأصحاب الأعمال، وأما ما يزيد على ذلك، وتقررها قوانين أخرى فتتحمل بها الخزانة العامة حيث إنها مزايا ليست لها موارد.
وفقا لما تقضى به المادة 148 من قانون التأمين الاجتماعى رقم 79 لسنة 1975 والقاضية بان الحقوق التى تتقرر طبقا لهذا القانون هى وحدها التى يلتزم بها الصندوقان, أما أى زيادة تنجم عن قوانين أو قرارات خاصة فان الخزانة العامة هى التى تلتزم بهذه الزيادة وتؤدى وفقا للقواعد التى يصدر بها قرار وزيرة التضامن بالاتفاق مع وزير المالية، وبناء عليه فقد تم تحميل الخزانة العامة بجميع الزيادات والمزايا السنوية التى قررتها الدولة لأصحاب المعاشات والمستحقين عنهم منذ صدور القوانين المختلفة لزيادة المعاشات، وحتى الآن.
ولذلك أصبح النظام القائم متشابكا إذ تقوم الخزانة العامة للدولة بالمساهمة فى نظام التأمينات والمعاشات سنويا بالإضافة إلى حصتها فى موارد النشاط الجارى للمؤمن عليهم كصاحب عمل. ويقوم النظام التأمينى بإقراض الفائض لديه إلى بنك الاستثمار القومى بعائد، والذى يقوم بدوره بإقراض هذه الأموال مرة أخرى إلى الخزانة العامة لتمويل الاستثمارات العامة والهيئات الاقتصادية.
وقد بنيت الدراسات الاكتوارية للقانون على عدة محاور أولها تغيير نظام التمويل من الكلى الى الجزئي، واتباع نظام الموازنة السنوية فى تأمين البطالة ونظام الاشتراكات المحددة فى نظام المكافأة، وثانيا التزام الخزانة العامة بسداد قسط سنوى للهيئة بواقع 160.5 مليار جنيه يزاد بنسبة 5.7% مركبة سنويًا، ويؤدى هذا القسط لمدة خمسين سنة، وذلك مقابل قيام صندوق التأمين الاجتماعى بتحمل التزامات الخزانة العامة فى المعاشات المستحقة حتى تاريخ العمل بالقانون.
والتزامات الخزانة العامة المقررة بموجب أحكام القانون المنصوص عليها فى المادتين الثالثة والرابعة من قانون الإصدار، والمواد أرقام 19 (بند ب من البند 3)، 23(بند 4)، 27، 28 (بند ج)، 29، 35، 159، 163 من القانون.
بالإضافة الى مساهمة الخزانة العامة بالنسبة للفئات المشار إليها بالبند رابعًا من المادة (2). وثالثا رفع سن المعاش من 60 الى 65 سنة اعتبارا من اول يوليو 2040، ورابعا زيادة معدل الاشتراك كل سبع سنوات بـ 1% ليصل فى النهاية الى 26%، وخامسا وضع قيود على الزيادة السنوية للمعاشات وربطها بمعدل التضخم السنوى بحد أقصى 15% وبمقتضى هذا تتنازل التأمينات عن الالتزامات القائمة والمتوقعة على الخزانة العامة وبنك الاستثمار القومى والتى قدرت بنحو 898٫7 مليار جنيه (منها 362 مليار صكوكا مصدرة و93 مليار صكوكا مستقبلية و129 مليارا مديونية على الخزانة و202 العجز الاكتوارى للصندوق العام والخاص، فضلا عن 57 مليارا مديونية 2019 و57 مليارا مديونية بنك الاستثمار القومي).
ولا شك ان هذا النص سوف يؤدى الى فقدان هذه الأموال وبالتالى التأثير السلبى على المال الاحتياطى للتأمينات، وفقدان العائد السنوى الذى كانت تحصل عليه، اذ انه ووفقا للموازنة العامة للعام المالى الحالى فهناك نحو 85 مليار مساهمة من الخزانة فى صناديق المعاشات ونحو 35 مليارا فوائد على الصكوك طرف الخزانة العامة وحوالى 6 مليارات فوائد على بنك الاستثمار القومي.
يضاف الى ما سبق ما ذهبت اليه المادة 16 من إلزام الهيئة باستثمار 75% من أموالها فى اذون وسندات حكومية، فمع تسليمنا الكامل بان هذه الاستثمارات تعد الأفضل من حيث الأمان والربحية، إلا ان هذا الإلزام يحد كثيرا من فاعلية الهيئة فى إدارة استثماراتها، فضلا عن إمكانية تأثيره على معدل الفائدة على هذه الأوراق التى يمكن ان تنخفض الى ما دون معدل التضخم، الذى ترتبط به الزيادة فى المعاشات ومن ثم زيادة الآثار السلبية
وعلى الجانب الآخر فان هذا القانون يتعارض بشدة مع فلسفة قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 والذى فتح باب المعاش المبكر بغية الحد من التوظيف الحكومى وتشجيع العمل الحر او لدى القطاع الخاص، وأخيرا نرى أيضا ان هناك مخاطر سياسية لعدم الالتزام ببعض ما جاء بالقانون خاصة فيما يتعلق بزيادة الاشتراكات، وهو ما يؤثر بشدة على الحسابات الاكتوارية ومن ثم استمرارية النظام لكل هذه الأسباب وغيرها يصبح من الضرورى العمل على إعادة النظر فى القانون وجعله أكثر ملاءمة للواقع المصرى المعاش إذ إن المجتمع بحاجة الى نظم جديدة تلبى احتياجاته.