آليــات إعــادة التــوازن الـمــالى للهيئـــات الإقتصــــادية (2)
عبدالفتـــــــــاح الجبـــــــالـى
استكمالا لما تناولناه فى المقال السابق والخاص بإصلاح الهيئات الإقتصادية العامة، وبعد أن إستعرضنا مظاهر الخلل والمشكلات التى تعانيها. نعرج إلى وضع الأطر الملائمة للعمل على تلافى هذه المشكلات أو على الأقل الحد من آثارها السلبية على المالية العامة للدولة ووضع برنامج متكامل للخروج من المأزق الراهن.
وجدير بالذكر انه فى إطار محاولات الإصلاح السابقة فقد صدرت عدة قرارات بالموافقة على تعلية القروض التى حصلت عليها الهيئات الإقتصادية إلى رؤوس أموال تلك الهيئات، مع إعفائها من سداد الأقساط والفوائد، وذلك فى إطار الرغبة لإعادة التوازن المالى إليها.
وقد أدى هذا القرار إلى تضخم رؤوس أموال هذه الهيئات بما لا يتناسب مع نشاطها كما أن هذه الزيادات فى رأس المال لا تقابلها أصول حقيقية، بل إن جزءا منها يمثل ما حصلت عليه من إعانات لسد العجز.
بل وصدرت عدة قرارات أخرى بإسقاط جزء من القروض المستحقة على بعضها مثل السكك الحديدية والهيئة الوطنية للإعلام. ورغم هذه الإجراءات إلا انها لم تحقق تقدما يذكر فى هذا الشأن.
هذا فضلا عن أنه لا توجد قواعد موحدة لتوزيع فائض العمليات الجارية إذ توجد 12 هيئة تقضى التشريعات المنظمة له بأن يرحل صافى الربح الذى تحققه إلى السنة المالية التالية، و7 هيئات تقضى التشريعات بأن يتم الإتفاق بين وزير المالية والوزير المختص على طريقة التصرف فى الفائض ونسبة مايئول للخزانة، وهيئتان يسمح لهما بتدعيم إحتياطياتهما بجزء من صافى الربح على أن يئول الباقى للخزانة العامة (وهما البترول وقناة السويس)، بالإضافة إلى بنك ناصر الإجتماعى الذى يسمح له بتدعيم إحتياطياته بكامل قيمة صافى الربح .
ولايوجد سوى 11 هيئة يئول صافى الربح بالكامل إلى الخزانة العامة. من هذا المنطلق يمكن العمل على المحاور التالية فى الأجل القصير:
أولا: إعادة النظر فى تبويب هذه الهيئات وذلك بتبويبها إلى مجموعات متجانسة واتباع سياسات إقتصادية محددة تحقق الهدف من إستقلالها، على أن تقوم بإنتاج السلع والخدمات على أسس إقتصادية تمكنها من تحقيق فائض مالي. ومن الضرورى العمل على أن تقوم الهيئات التى تبيع إنتاجها بأسعار إجتماعية بالعمل على الوصول بالأسعار إلى السعر الإقتصادى تدريجيا وخلال فترة زمنية محددة.
ثانيا: هناك هيئات يغلب عليها الطابع الإقتصادى وإطارها القانونى يؤهلها للعمل كوحدة إقتصادية يمكن أن تتحول إلى شركات قابضة مما يمكنها من إعادة هيكلة أصولها وخصومها وتصحيح الأوضاع المالية لها.
ثالثا: دراسة إقتصاديات التشغيل بما يقضى على أوجه الإسراف ومراجعة نظم التشغيل وقوائم التكاليف لترشيد وضبط الإنفاق وتفعيله خاصة للهيئات ذات الطابع الخدمي. مع تعميق المحاسبة عن الأداء على مستوى مراكز المسئولية
رابعا: الإهتمام بالصيانة وإستغلال الطاقات العاطلة. مع التخلص من الأنشطة غير الإقتصادية، مع الإهتمام بالصيانة الدورية لتحجيم الأعطال ولتأمين نظم التشغيل.
خامسا: تعميق دراسات الجدوى الفنية والإقتصادية للمشروعات الإستثمارية ومداومة متابعة إقتصاداتها تأمينا لإستيراد التكلفة. حيث تظهر الميزانيات المجمعة لهذه الهيئات استثمارات مالية ضخمة للغاية ولكنها لا تنعكس بالإيجاب على الأوضاع المالية لهذه الهيئات، إما لأنها لا تحصل منها على أى عائد أو أنها تدر عائدا منخفضا لا يتناسب مع الأموال المستثمرة فيها، أو يقل عن سعر الفائدة التى تتحملها بعض هذه الهيئات لتمويل تلك الإستثمارات.
بل وأصبحت بعض هذه الإستثمارات تشكل عبئا على تلك الهيئات لأنها تحقق خسائر متتالية سنويا أو تتعرض قيمتها السوقية للإنخفاض فى البورصة مثل هيئة الأوقاف والمجتمعات العمرانية.
سادسا: توحيد المعاملة فى إستخدام الفوائض بمراعاة القواعد المحاسبية فى إحتجاز الإحتياطيات اللازمة للوفاء بأقساط القروض أو لتدعيم مراكزها المالية.
سابعا: بالنسبة للهيئات التى تسفر نتائج أعمالها بإستمرار عن عجز جار فإن الأمر يقتضى إجراء الدراسات الجادة والموضوعية لكل هيئة على حدة لدراسة أسباب العجز، ووضع الحلول المناسبة لمساعدة تلك الهيئات على إستعادة توازنها المالي.
وعلى المدى المتوسط ضرورة ضم كل من الهيئات الإقتصادية والصناديق الخاصة إلى الموازنة العامة، بإستثناء الجهات ذات الطبيعة الخاصة مثل الهيئة القومية للتأمينات الإجتماعية وهيئة البريد نظرا لطبيعتهما، وتحويل هيئتى البترول وقناة السويس إلى شركات قابضة نوعية، مثلها مثل مصر للطيران وذلك بعد أن فقدت مبررات الإستقلال وينطبق الوضع نفسه على الصناديق الخاصة، إذ يمكن ضمها أيضا إلى الموازنة بإستثناء حسابات المشروعات البحثية والمشروعات الممولة من المنح والإتفاقيات الدولية فضلا عن حسابات الإدارات الصحية والمستشفيات وصناديق تحسين الخدمة الصحية ومشروعات الإسكان الإقتصادي.
وبمقتضى هذا الإقتراح تكون الموازنة معبرة وبحق عن الوضع المالى للدولة ويزيل اللغط السنوى حول الإلتزام بالدستور فيما يتعلق بالإنفاق على مجالات الصحة والتعليم والبحث العلمي، على الرغم من صدور قانون المالية الموحد رقم 6 لسنة 2022 والذى أعاد تعريف الإنفاق الحكومي، فعلى سبيل المثال فإن التقسيم الوظيفى للموازنة يقتصر فقط على بنود الإنفاق داخل الموازنة العامة ولايتضمن الهيئات الاقتصادية العاملة فى هذا المجال، وهى (الهيئة العامة للتأمين الصحى والمؤسسة العلاجية والتأمين الصحى الشامل والشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي) وغيرها من الجهات التى تعد من الإنفاق العام وليس الإنفاق الحكومى وهو الأساس عند تقييم دور الدولة فى الإنفاق على الجوانب الإجتماعية المختلفة, حيث يؤدى الإقتصار على الأخذ بالوضع الحالي، إلى تقديم صورة مشوهة وغير حقيقية للوضع المالي، كما يؤدى إلى المزيد من الشفافية وفرض الإنضباط على صانعى السياسة المالية والإقتصادية.